لا .. حسب المنطق الفيزيائي

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يبدو أن هناك ثمة علاقة بين المنطق الفـيزيائي وبين ما يسمى بـ«السببية» بمعنى حتى يتحقق الفعل الفـيزيائي المجرد من العواطف «فـي حالتنا الإنسانية» لا بد أن يكون هناك سبب ما، لحدوث ذلك، وأن الأمور لا يمكن أن تحدث هكذا بفعل التخيل غير المنطقي للأحداث، ولأننا اجتماعيون حتى الثمالة، فإن المنطق الفـيزيائي، ربما لا يتحقق بمنطقيته المجردة البحتة، بمعنى ليس شرطا أن أتصالح مع فلان من الناس بمقابل مادي ملموس، فـيكفـي أن يشعرني بشيء من الود، وهو أمر معنوي، لكي أقتنع بالتصالح معه، وبالعكس كذلك، فليس شرطا أن أعادي آخر لأنه تهجم علي بالقول أو بالفعل، فـيكفـي أن يشعرني كذلك، بعدم رغبته مآخاتي له، وأنه يرى فـيّ شيئا من عدم الرضا والارتياح، لكي أتوقف عند مستوى معين من عدم التعاطي معه، وبذلك يبدو أننا واقعون فـي مأزق المفارقة النوعية بين منطقي (الفـيزياء، والكيمياء) كيف ذلك؟ يكون ذلك من خلال النتائج المتحصلة من مختلف الممارسات اليومية، ومجموعة السلوكيات المتبادلة بين مختلف الأطراف، ففـي لحظة ما تزهر المحبة والمودة وتُحَوِّلْ الامتداد الأفقي إلى كثير من الرضا، وكثير من السرور، وهذا كله واقع فـي خانة التغير الفـيزيائي، وفـي لحظة مضادة تشيع فـيها الحقد والتنازع، حيث تضرب البعد الرأسي فـي الصميم، فتحوله القلوب والنفوس إلى حلبات للصراعات والتصادمات، وهذا أيضا واقع فـي خانة التحول الكيميائي، ومعنى ذلك فإن للاجتماعية هنا بعدان مهمان بعد أفقي، وبعد رأسي، فالبعد الأفقي: من مميزاته أنه مهما حصل فـيه من تغير سواء إيجابي أو سلبي يظل احتواء تغيره مقدور عليه، حيث تثلم عمليات الصلح والتسامح الكثير الكثير من الثلمات، ومن النتوءات، أما البعد الرأسي: فمن مميزاته أن التحول فـيه يصعب إعادته كما كان عليه الوضع قبل حدوث التحول، ولذلك قيل: «إن القلوب إذا تنافر ودها، مثل الزجاج كسرها لا يجبر» وتنافر الود هذا لن يحدث إلا بعد أن تتوغل فـي مضمونه الكثير من الممارسات القاسية من طرف إلى طرف آخر، وتبقى القدرة «فـي هذه الحالة» عاجزة عن رتق الخروقات التي تحدثها مختلف الممارسات الخاطئة مقصودة كانت أو غير مقصودة، وهذا الأمر الذي يجعل الطرفـين لا يطيق أحدهما الآخر، حيث يحتاجان إلى طرف ثالث يقوم بعمليات من الترويض المنهكة، حتى ربما، قد تعود الأمور إلى سابق عهدها، وربما لن تعود، حيث يصعب جبر كسر الزجاج، وقد أشار القرآن الكريم إلى صورة من صور الممارسات الاجتماعية التي يحدث فـيها الشقاق، وضرورة تدخل طرف ثالث لاحتواء الخلاف: (وإن خفتم شقاق بينهما، فابعثوا حكما من أهله، وحكما من أهلها، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما، إن الله كان عليما خبيرا» الآية (35) - سورة النساء.

وعلى الرغم من أن كلا البعدين: الفـيزيائي المقرون بتغير الأشكال والأحجام، والكيميائي المقرون بتغيير المكون الأصلي «البنيوي» وتحويله إلى مكون آخر لا يمت إلى المكون الأصلي بصلة، فإن ذلك يعد علامة فارقة فـي المسألة الاجتماعية، وبالتالي فمجموعة التموضعات التي تعيشها هذه المسألة، على وجه الخصوص، فـي السياقات المنطقية للفـيزياء، والتحولات الصعبة للكيمياء، هي بذلك تذهب إلى هذا المحتوى الإنساني العميق والمعقد، والذي على ما يبدو أن يخضع للمفاهيم العلمية عندما تخضع المسألة لمجموعة من المقاربات فـي السلوك الإنساني مع المفاهيم العلمية، وإلا فمن يصدق أو يستوعب أن فـي جسم الإنسان تحدث مجموعة من التفاعلات الكيميائية فتحول هذا الإنسان من حالة إلى حالة؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق