التزود المائي صيفا.. خيارات تزيد ضيقا فهل يكمن الحل بالآبار الجوفية؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان - قد تكون الآبار الجوفية أحد الحلول قصيرة الأمد لسد عجز المياه في المملكة، إلا أنها ملحّة لسدّ احتياجات العجز المائي لحين وصول المياه المحلاة الناتجة عن مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر.اضافة اعلان
فمن الممكن أن يكون الحل بإعادة تأهيل بعض الآبار المحفورة من جهة، وإعداد دراسات تفصيلية استكشافية لآبار بمناطق محددة من أخرى، وفي ظلّ تحديات التنبؤ بالمشهد المرتقب خلال الصيف المقبل، وسط ضعف أداء الموسم المطري الحالي 2024 – 2025 حتى الوقت الراهن، فإن الخيارات تبقى محدودة برسم وصياغة سيناريوهات تزويد مائي مريحة، لا سيما في ظل استثمار واستغلال كافة مصادر المياه المتاحة.
وتفاقم انعكاسات الانحباس المطري الذي تعاني منه المملكة خلال الموسم الشتوي الحالي، المخاوف من طول أمده،
 لا سيما في ظل الوضع المائي الحرج، وعطش السدود في المملكة التي تصنف الدولة الأفقر مائيا على مستوى العالم، والمعروف بعجزها السنوي الكبير بين الطلب والمتاح.
فوفق تقديرات الإستراتيجية الوطنية لوزارة المياه والري للأعوام 2023 - 2040، فإن العجز بين الطلب على المياه والمصادر المتاحة في قطاع المياه البلدية، سيبلغ ما يتراوح بين 85 إلى 98 مليون م3 بين العامين المقبلين 2026 و2027.
ورغم ضخامة التحديات، فإن تلك الحلول التي قد يمثل “أحلاها مرا”، عليها أن تراعي ضمان استمرارية استغلال أي من الأحواض الجوفية المتاحة، وبطريقة آمنة حفاظا عليها كما ونوعا.
وفي هذا السياق، أشار الأمين العام الأسبق لوزارة المياه والري إياد الدحيات، في تصريحات لـ “الغد”، للقيام بدراسة الأحواض المائية الشمالية والطبقات المائية المنتشرة فيها من المعهد الفيدرالي الألماني لعلوم الأرض (BGR) في العام 2014 وبالتحديد طبقة (A7/B2). 
وبخصوص آبار البازلت، قال الدحيات إن هذه الدراسات أظهرت استنزاف المناطق الشمالية والغربية من طبقة البازلت في منطقة العاقب، والتي يتم ضخ ما معدله 17 مليون م3 سنويا منها، عبر نظام النقل وضخ المياه الشرقي الممتد من محطة ضخ الزعتري التي تزوّد مياه الشرب لمحافظات المفرق وإربد وجرش.
في حين أشارت هذه الدراسات لوجود طبقات مائية مشبعة في المناطق الجنوبية والشرقية من طبقة البازلت في منطقة العاقب ذات نوعية مياه ممتازة وبعيدة عن مناطق النشاط الإنساني والصناعي ومصادر التلوث الأخرى، وإمكانية حفر 23 بئرا بأعماق تصل لغاية 800 م في 3 مجمعات للآبار بطبقة البازلت بمنطقة العاقب الجنوبي والشرقي تقع على مناسيب ارتفاع تتراوح بين 650 -850 م فوق سطح البحر، وفق الدحيات.
وأضاف “وعليه تم حفر أول بئر استكشافي في هذه الطبقة عام 2016، حيث نتج عن التجربة المضخية ضخ ما كميته 95 م3/ الساعة منه، ما يعادل 900 ألف م3/ العام، وبنوعية مياه ممتازة وصالحة للشرب، حيث بلغ سطح المياه الساكن، 243 م وبمعدل هبوط سنوي لسطح المياه لا يتجاوز المترين”. 
وبين الأمين العام الأسبق لـ “المياه”، أن جبل العرب (الدروز) في جنوب سورية، يعد منطقة التغذية الرئيسة لهذه الطبقة الجديدة والذي يبلغ ارتفاعه 1800 م ومعدل الهطول المطري السنوي عليه 500 ملم، بمعدل كمية تغذية سنوية تصل لـ 42 مليون م3 سنويا.
وأشار في الإطار ذاته، في حال تم السير بمشروع استغلال هذه المياه، سيكون من مكوّناته الرئيسة؛ حفر وتجهيز مجمّعات الآبار وتنفيذ خط ناقل رئيسي قطر 700 ملم بطول 40 كلم لمحطة ضخ الزعتري في محافظة المفرق والتي تعد المحطة الرئيسة التي تزوّد محافظات المفرق وإربد وجرش باحتياجاتها من مياه الشرب حيث يمكن لهذه الكمية زيادة التزويد المائي لمحافظات الشمال بنسبة تصل لـ 15 % من إجمالي الاحتياجات المائية.
وتابع “من المتوقع أن تبلغ كلفة المشروع الرأسمالية 50 مليون دولار أميركي ومدة التنفيذ ثلاث سنوات شاملة فترة الدراسات والتصميم”، لافتا لإمكانية تنفيذ هذا المشروع على مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص (BOT) ووفق النموذج  التجاري ذاته لمشروع جر مياه الديسي ومقابل سعر لكل م3 من المياه التي يتم توفيرها لمحطة ضخ الزعتري.
أما عن آبار الأزرق المالحة، فأوضح أن الدراسات ذاتها ونتائج بعض الآبار الاستكشافية بمنطقة الأزرق وبالتحديد شرق منطقة الأزرق الشمالي بالقرب من صدع الفلق، أشارت لـ”احتمالية توفّر مياه جوفية عميقة مالحة في منطقة جنوب شرق آبار الأزرق العميقة الحالية رقم 1 ورقم 3 بكمية سنوية تبلغ 10 ملايين م3 سنويا عبر حفر 10 آبار مياه وبإنتاجية تصل إلى 100 م3/ ساعة، وبعمق 1200 م تحت مستوى سطح الأرض وبملوحة قد تصل إلى ثلاثة آلاف جزء بالمليون”.
وبين أن ذلك يتطلب تنفيذا لمحطة تحلية مياه هذه الآبار بحجم الكميات المتوقع إنتاجها وتنفيذ خطوط ناقلة بطول إجمالي 55 كلم لتصل كلا من محطة ضخ الأزرق ومحطة ضخ خو في محافظة الزرقاء، علما أن الكلفة الرأسمالية المتوقعة لهذا المشروع، تبلغ 40 مليون دولار.
ولاستغلال هذه الكميات، دعا الدحيات لضرورة البدء بإعداد دراسات تفصيلية استكشافية، مشيرا لإمكانية تنفيذ هذا المشروع على مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص (BOT)، ووفق النموذج التجاري نفسه لمشروع جر مياه الديسي ومقابل سعر لكل م3 من المياه التي يتم توفيرها لمحطة ضخ الأزرق.
وقال “يعد هذان المصدران من المياه مهمّين، ويمكن إنجازهما خلال فترة لا تتجاوز العامين، ويعدان من الحلول قصيرة الأمد التي تساهم بسدّ العجز المائي قبل وصول كميات التحلية من الناقل الوطني في غضون العام 2029”.
بدورها، رأت الخبيرة الأردنية في دبلوماسية المياه ميسون الزعبي، أن إعادة تأهيل الآبار المحفورة وتعميقها جزء من العمليات العادية في حفر الآبار بعد الانتهاء من حفر الآبار وقبل التطهير النهائي، مشيرة لضرورتها سعيا لزيادة إنتاج الآبار وتحسين قدرة الترشيح بالحصى.
وقالت الزعبي “إن إعادة تأهيل الآبار المحفورة، تصبح ضرورية في حالة فشل الآبار العاملة بتوفير المياه الكافية من حيث النوعية أو الكمية، مثل تلوث الآبار أو انسدادها عبر العمليات الطبيعية أو جراء حالات الطوارئ كالفيضانات وتسرب مياه البحر وغيرها”.
وأشارت لمزايا هذه العمليات العديدة، وأهمها؛ زيادة الكفاءة الإنتاجية لمياه الآبار وجودة مياه الشرب.
واعتبرت أن تدابير بسيطة يمكن أن تكون فعالة للغاية، لافتة لسهولة تنفيذ العمليات الأساسية لكل من تطوير الآبار وإعادة التأهيل إلى حد ما واقتصاديتها للغاية، حتى بالنسبة للآبار المتضررة بشدة، فإن إعادة التأهيل غالبًا ما تكون أكثر اقتصادا من بناء آبار جديدة، إلا أن لها أيضا عيوبا، مثل ما تتطلبه من عمالة ماهرة ومعدات عالية التقنية اعتمادا على نوع البئر وحالته، وسط خطر إلحاق الضرر ببعض هياكل الآبار إذا لم تتم إدارتها بشكل احترافي، وعدم وجود حل واحد يناسب الجميع، ويجب اتخاذ تدابير محددة لكل حالة محددة.
وبينت الخبيرة في “دبلوماسية المياه” أن ندرة المياه والجفاف، تشكل هاجسا كبيرا لدول عديدة، لا سيما تلك الواقعة في المناطق الجافة والقاحلة حيث يتسم الطقس بارتفاع درجات الحرارة وشدة القيظ، إذ ساهم انخفاض هطول الأمطار وتزايد موجات الجفاف في الآونة الأخيرة بتفاقم هذه المشكلة وزيادة معاناة الناس، فضلاً عن عدد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية السلبية.
وأوضحت أن الأردن يصنّف ضمن المناطق القاحلة إلى الجافة جدا في العالم، ويتميز بشح الأمطار وتذبذب هطولها وارتفاع معدلات التبخر، ما يجعله من أكثر المناطق شُحاً في المياه في العالم، وسط عوامل النمو السكاني الحاد والتنمية الاجتماعية والاقتصادية السريعة في الأردن والتي ساهمت بانخفاض كبير بتوافر المياه العذبة للفرد الواحد، بالإضافة لمساهمة تغير المناخ بتفاقم هذه الندرة.
وبينت الزعبي أن المياه الجوفية تشكل مصدرا رئيسا للمياه في الأردن، وتستخدم لتلبية الطلب المتزايد على المياه، حيث تستخدم معظم موارد المياه الجوفية في المقام الأول من قطاع الري، يليه القطاعان: المنزلي والصناعي.
ويتم استغلال العديد من طبقات المياه الجوفية بشكل مفرط جراء التوسع الكبير بالزراعة المروية التي تعتمد على المياه الجوفية، ويمكن أن يعزى ذلك لمجموعة متنوعة من الأسباب، مثل: الاستجابة لفترات الجفاف وانخفاض إمدادات المياه السطحية، أو زيادة الإنتاج الزراعي إما لغرض زيادة الاكتفاء الذاتي، أو لتصدير المحاصيل النقدية.
ونبهت الزعبي في الوقت ذاته من مخاطر الإفراط باستخدام المياه الجوفية، مبينة أنها “مهددة بالتلوث الناتج عن الأنشطة البشرية والزراعية والصناعية والمنزلية” مشيرة في الوقت ذاته لأن “تدهور نوعية موارد المياه الجوفية، سواء بسبب الإفراط بالاستغلال أو التلوث، سيؤدي بنهاية المطاف لانخفاض إمدادات المياه وتفاقم مشكلة ندرة المياه، وارتفاع حدة المخاطر الصحية والأضرار التي تلحق بالبيئة والنظم البيئية”.
وأكدت بناء على ذلك، ضرورة السيطرة على استنزاف موارد المياه الجوفية في الأردن عبر  التحكم بعدد الآبار وانتشارها والكميات المستخرجة منها “لم تعد مجرد خيار ممكن، بل أصبحت ضرورة ملحة يجب أخذها في الاعتبار، لضمان مستقبل مائي أفضل ومستدام للمنطقة”.
وتابعت “في الظروف الاستثنائية التي يمر بها الأردن حالياً، بخاصة في ظل ضعف أداء الموسم المطري، تلجأ الحكومة للحل السهل المتمثل بحفر المزيد من الآبار لسد العجز خاصة في فصل الصيف”، معتبرة أن “هذا حل مؤقت نتائجه سيئة ويزيد من استنزاف وتدهور أوضاع الأحواض المائية الرئيسة التي تعاني من الضخ الزائد إضافة إلى قلة الأمطار التي تعتبر المصدر الرئيس لتغذية هذه الأحواض، فمن جهة، هناك زيادة في الضخ ومن جهة أخرى هناك نقص في التغذية، فالنتيجة كارثية بالتأكيد”.
ودعت لأهمية إعداد خطة طوارئ مائية للصيف المقبل تتضمن مشاريع وإجراءات سريعة تتعلق بتزويد المياه وترشيد استخدامها، بالإضافة للتوعية العامة بأهمية الحفاظ على الموارد المائية، نظرا للظروف الحالية التي تواجه الأردن، مشددة على أهمية زيادة إمدادات المياه عبر وسائل مختلفة، كحفر الآبار وتنقية المياه الجوفية العميقة، وإعادة تأهيل العديد من الآبار المتوقفة، أو التي تحتاج مياهها لتنقية جراء التلوث، أو تحليتها إذا كانت مالحة لاستخدامها من الحكومة، وذلك لـ “ضمان الاستعداد لموسم الصيف إذا ظل الوضع المائي على حاله”.
وذلك إلى جانب ضرورة تبني قطاع المياه لإستراتيجيات مستدامة لإدارة الموارد المائية، بخاصة لمواجهة تحديات استنزاف المياه الجوفية جراء الاعتماد الكبير عليها في حال هطول الأمطار المتواضعة أو النادرة، كتحسين تقنيات حصاد مياه الأمطار، وتشجيع الزراعة المستدامة وتقنيات الري الموفرة للمياه، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة تحديات المياه.
ولفتت لإمكانية تعديل نظام الآبار، وبدلاً من ردم الآبار المخالفة، وتعديل نظام الآبار ووضع اليد عليها من الحكومة للإستخدام بأوقات الطوارئ، منوهة أيضا لأن الاعتماد على هذه المصادر دون النظر في البدائل يجعل من نقص المياه الجوفية مشكلة حقيقية، ما يؤدي لإنخفاض منسوب المياه الجوفية مما يؤثر على جودة المياه وفي بعض الحالات يزيد من ملوحتها.
“لذا، فإن الاعتماد على المياه الجوفية وحدها لا يكفي، ولا ينبغي أن يكون الحل دائما”، وفق الزعبي التي أشارت لإجراءات أخرى يتوجب على الحكومة اتباعها، كحظر زراعة محاصيل معينة خاصة تلك التي تحتاج للمياه، وتغيير الدعم الزراعي، وإلغاء الدعم للمحاصيل عالية الاستهلاك للمياه، وهي من أهم الأدوات غير المباشرة لتقليل استخدام المياه الجوفية في الزراعة المروية، وتنظيم استيراد/ تصدير المحاصيل العطشى، ودفع مبالغ مالية للمزارعين مقابل عدم زراعة محاصيل معينة.
وفي السياق ذاته، رأت أن الآبار العميقة تعد حلاً أيضا، حيث توجد كميات من المياه الجوفية المالحة والعميقة التي يمكن تحليتها وتنقيتها وتزويد المواطنين بها، مبينة أن الاعتماد على آبار المياه الجوفية العميقة التي تقع بالقرب من التجمعات السكانية وفي متناول اليد، بخاصة وأن هذه المياه موجودة بجميع أراضي المملكة تقريبا، ويمكن الاستفادة منها بشكل سريع لسد فجوة العجز المائي في قطاع مياه الشرب بشكل خاص، مع وجود تحديات فنية يمكن التغلب عليها كالنوعية، إضافة للتأثيرات المحتملة على طبقات المياه الجوفية في الطبقات العليا نظراً لثبوت ارتباطها البنيوي بالكسور والفوالق الممتدة مع الطبقات العميقة.
وأوصت بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط المخالفات والاعتداءات على شبكات المياه وتشديد الرقابة على مصادر المياه، لأن هناك فئة تستولي على جزء من مياه الأردنيين بالاعتداء على الشبكات أو حفر الآبار بشكل غير قانوني؛ وهو أمر “يحتاج لبرنامج كبير من الحكومة لضبطه”.
وتباع: إلى جانب رفع كفاءة استخدام المياه بالري لتوفير المياه العذبة لاستخدامها في أغراض أخرى عبر إدخال التكنولوجيا الحديثة الموفرة للمياه، والاستمرار والسعي للحصول على حقوق المياه.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق