«الإسلام في تصورات الغرب».. عرض موضوعي لتصورات الآخر عن ديننا وحضارتنا

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من الاستشراق إلى التجديد.. معركة المفاهيم وتحديات العصر 

«الإسلام في تصورات الغرب».. عرض موضوعي لتصورات الآخر عن ديننا وحضارتنا 

محمود حمدي زقزوق يفكك خطاب الاستشراق ويكشف أهداف والتوجه الأمثل نحو التعاطي معه

60 ألف كتاب أنتجها المستشرقون.. هل قدم الغرب صورة منصفة عن الإسلام؟

أكثر من 100 معهد استشراق في الغرب ولا يوجد مركز مخصص في العالم الإسلامي

تجديد الخطاب الديني وتحسين الصورة المشوهة بالغرب.. أبرز تحديات عصر التطرف والعولمة

 

كتب - محمد غنوم

تجديد الخطاب الديني ليس مجرد قضية نظرية، بل ضرورة مجتمعية لمواجهة الأفكار المتطرفة، التي تهدد استقرار الأوطان والقيم الإنسانية، وهو ما يبرز دور العلماء؛ في تقديم الدين في ثوبه الجديد بلغة العصر التي تراعي متغيراته وتؤصل قيم التسامح، ودائمًا ما يرسم البعض في ذهنه صورة عن علماء الشريعة، أنهم بمعزل عن جوانب العلوم الأخرى من فلسفة وفكر وأدب وخلاف ذلك من الأمرور التي قد تطرأ حديثًا.

زقزوق.. مسيرة عالم موسوعي

والحقيقة أن هذه الصورة خاطئة، فهناك الكثير ممن أثروا الحياة الثقافية بالعديد من المشاركات والمؤلفات العديدة، وجمع بين العلوم الشرعية وثقافات الحضارات المتنوعة، ومن أمثال هؤلاء الدكتورمحمود حمدي زقزوق، المولود في 27 ديسمبر عام 1933م، بقرية الضهرية، التابعة لمركز شربين - محافظة الدقهلية، حيث إنه كان واحدًا من أبرز العلماء الذين جمعوا بين التمكن من العلوم الشرعية والثقافة الإسلامية، والدراية الواسعة بالثقافات والحضارات المتنوعة.

شغل «زقزوق»؛ الذي توفي في الأول من أبريل عام 2020م، منصب نائب رئيس جامعة الأزهر، بعد أن تخصص في الفلسفة الإسلامية بكلية أصول الدين، وعُيِّن وزيرًا للأوقاف 15 عامًا، كما عُين رئيسًا لمركز الحوار بالأزهر الشريف، بالإضافة لعضوية هيئة كبار العلماء، ومجلس حكماء المسلمين، والأمانة العامة لبيت العائلة المصرية.

جالس كبار المفكرين أمثال عباس العقاد وأحمد حسن الزيات

كتب رحمه الله مذكراته اليومية، وبدأ في سن السابعة عشرة ببعض المشاركات القصصية والشعرية في إحدى الصحف الأسبوعية التي تُسمي «سفينة الأخبار»، كما كَتَب في البريد الأدبي بمجلة «الرسالة»، وجالس كبار الأدباء والمفكرين أمثال؛ عباس العقاد، وأحمد حسن الزيات. كما كان شابًّا وطنيًّا، مهتمًا بشأن أمته، وما يجري حوله من أحداث، فكتب وهو طالب عن الأحداث الثورية التي شهدتها مصر في هذه الفترة، وكان ضمن كتائب الأزهر المتطوعين للدفاع عن الوطن بعد العدوان الثلاثي عام 1956م.

تكريم رئاسي

كرمه الرئيس السيسي لإسهامه في تجديد الفكر  في مؤتمر تجديد الفكر الديني؛ الذي عقده الأزهر الشريف في عام 2020م، نظرًا لإسهاماته في تجديد الفكر الإسلامي، وترجماته التي جسدت الانفتاح الواعي على الثقافات وقبول الآخر، والجمع في العلم والفكر بين الأصالة والمعاصرة «الإسلام في تصورات الغرب».

صورة الإسلام في الغرب

في كتابه «الإسلام في تصورات الغرب»، يعرض الدكتور محمود حمدي زقزوق؛ صورتين مختلفتين للإسلام فى الغرب، أولهما صورته في نظر المستشرقين من واقع نماذج من كتابات اثنين من المعاصرين، مع مناقشة الآراء التي تضمنتها هذه الكتابات، أما الصورة الثانية فهى الإسلام في تصور كاتب أوروبي اعتنق الإسلام وارتضاه لنفسه دينًا.

واختار «زقزوق» ثلاثة موضوعات: عبارة عن فصول مختارة من كتابات المستشرق الألماني «جوستاف بفانموللر»؛ وقام بترجمتها وتقديمها وعلق على ما جاء فيها من آراء، حيث رأى أن الصورة السائدة عن الإسلام اليوم فى الغرب، ليست مجرد صورة وقتية عارضة ولا هي بنت اليوم، وإنما هي صورة صاغتها قرون طويلة من الصراع الحضاري بين الإسلام والغرب.

وأول الموضوعات التي يهدف الكتاب الوصول إليها، أن يكون المسلم المعاصر على بيّنة بما يجرى حوله، وعلى وعي بما يُكتب في الغرب عن دينه وحضارته وتاريخه، وعلى إدراك للأسباب البعيدة للمواقف الغربية عن الإسلام؛ حتى لا يقف طويلًا عند الظواهر السطحية العارضة، التي لا تفصح عن الأسباب الحقيقية وراء ذلك.

وثاني الموضوعات؛ أن يُحِفز ذلك كله المسلم المعاصر، إلى العمل لإعداد نفسه على المستوى الفكري، إعدادًا يستطيع به أن يكون قادرًا على مواجهة كل التيارات الفكرية الآتية من الشرق أو الغرب، حتى لا يتخلف عن الركب، ويدع الفرصة للآخرين لاحتوائه فيظل أسيرًا لعقدة التخلف، ومركبات النقص التي يراد ترسيخها في ذهنه.

مواجهة الحركة الاستشراقية في الغرب

فيما كان ثالث الموضوعات أن يدفع الدكتور «زقزوق» المؤسسات الإسلامية العلمية، إلى النهوض بمسئولياتها تجاه دينها؛ في مواجهة الحركة الاستشراقية في الغرب، حيث إن هناك في أوروبا وأمريكا؛ ما يَربُو على مائة معهد للإستشراق، تقوم جميعها بدراسة عقيدتنا وحضارتنا وتاريخنا كله، ويتوفر لهذا العمل كل الإمكانات المادية والفكرية.

كما يرى أنه في الوقت نفسه لا يوجد في العالم الإسلامي كله؛ معهد واحدًا أو مركزًا علميًا يخصص جهده، لدراسة الكم الهائل من المؤلفات والمجلات والدوريات والموسوعات، التي تصدرها هذه المؤسسات في الغرب عن الإسلام، ونكتفي فقط بالصياح والاستنكار والشكوى؛ من زيف ما يكتبه المستشرقون، ولكننا لا نقوم بعمل إیجابی حقیقي على المستوى العلمي لخدمة الإسلام.

وبحسب المؤلف؛ لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أن المفاهيم الخاطئة الشائعة عن الإسلام في الغرب، لا تقتصر على دوائر المتخصصين هناك، بل تتردد في الكتب المدرسية وفى وسائل الإعلام المختلفة، وفي مجال اتخاذ القرارات الحيوية المتعلقة بالسياسة العالمية، وهذه المفاهيم الخاطئة لم ترد بمحض الصدفة؛ وإنما تعتمد على مراجع متخصصة كتبها إعلام المستشرقين، الذين تحظى كتاباتهم عن الإسلام بثقة واحترام عظيمين في الغرب.

آثار بعيدة للاستشراق

يؤكد المؤلف أنه ليس هناك شك في أن الاستشراق له أثر كبير في العالم الغربي، وفي العالم الإسلامي على السواء، وإن اختلفت ردود الفعل على كلا الجانبين، ففى العالم الغربي لم يعد في وسع أحد يريد أن يكتب عن الشرق، أو يفكر فيه أو يمارس فعلًا مرتبطًا به، أن يتجاهل الثروة العلمية الهائلة التي أنتجها الاستشراق في السابق أو اللاحق.

كما أنه فى العالم العربي الإسلامي المعاصر، لا يكاد المرء يجد مجلة أو صحيفة أو كتابًا؛ إلا وفيها ذِكر أو إشارة إلى شيء عن الاستشراق، أو يمت إليه بصلة قريبة أو بعيدة، وهذا أمر ليس بمستغرب، ذلك أن الاستشراق كان ولا يزال له أكبر الأثر في صياغة التصورات الغربية عن الإسلام، وفي تشكيل مواقف الغرب ازاء الإسلام على مدى قرون عديدة.

خطاب الاستشراق بين الرفض والقبول

الدكتور «زقزوق» يشدد على أن الاستشراق قضية تتناقض حولها الآراء في العالم العربي الإسلامي، فهناك من يؤيده ويتحمس له إلى أبعد الحدود، وهناك من يرفضه جملة وتفصيلًا، وأعطى مثالًا قريبًا لهذا الفريق الأخير، والواقع أن كلا من هذين الاتجاهين كل منهما يمثل تيارًا غير علمى، وغير نقدي؛ فالاستشراق من ناحية غير معصوم من الخطأ، كما أنه من ناحية أخرى ليس كله شرًا بالنسبة للإسلام والمسلمين.

والاتجاه الأول؛ مبهور بالحضارة الغربية والتقدم العلمي والتكنولوجي هناك؛ وبالتالى فإن كل ما يأتى من الغرب لا بد أن يكون من وجهة نظر هذا الاتجاه؛ «سليمًا وعلميًا وموضوعيًا»، أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه رافض للحضارة الغربية؛ وإن كان يأخذ بأسباب التقدم العلمي، ورفضه للاستشراق مبنى على أسباب عديدة، من بينها الظروف التي أدت الى نشأته وارتباط أهدافه في مراحل معينة بالتبشير، ومواقفه العدائية ضد الإسلام منذ العصر الوسيط.

وكذلك ظروف الصدامات العسكرية؛ التي حدثت بين الغرب والشرق على مدى قرون عديدة، وأخيرًا في العصر الحديث؛ ما كان من ظروف الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية، وإذلاله لشعوبها وتحقيره لدينها وحضارتها، وما صحب ذلك من نظرة الاستعلاء الغربية في علاقة الغرب بتلك الشعوب المغلوبة على أمرها، وقد لعب بعض المستشرقين أدوارًا هامة ساعدت الاستعمار الغربي، وساعدت على ترسيخ نظرة الاستعلاء الغربية إزاء الإسلام والمسلمين.

ويوضح «زقزوق»؛ أن هؤلاء قد سخروا معلوماتهم عن الإسلام وتاريخه في سبيل مكافحته؛ وهذا واقع مؤلم يعترف به المستشرقون المخلصون لرسالتهم بكل صراحة، وهكذا يستطيع المرء أن يفهم الأسباب التي أدت إلى وجود تيار قوي في العالم العربي الإسلامي؛ يرفض الاستشراق رفضًا تامًا، ولعله من الأمور المسلم بها الآن، أن صورة الإسلام في الغرب كانت بالفعل صورة قاتمة ومطبوعة بطابع سلبي، منذ العصر الوسيط، وأنها كانت أبعد ما تكون عن أن تكون صورة موضوعية للإسلام.

الاتجاه الإسلامي الحقيقي نحو الاستشراق

وذكر «زقزوق» أن البحوث الاستشراقية بدأت منذ فترة في محاولة التخلص من قيود هذه الصورة التي خلفها العصر الوسيط، ولا نستطيع من وجهة نظر إسلامية أن نقول أن الاستشراق قد تخلص نهائيًا في دراسته للإسلام على وجه الخصوص من كل هذه القيود، وإن كانت المحاولات مستمرة.

التيار النقدي للمستشرقين

وحيث إن كلا الاتجاهين المشار إليهما؛ المتحمس للاستشراق والرافض له «غير منصف فيما ذهب إليه»، فإنه كان لا بد من ظهور تيار ثالث؛ يحاول أن يكون لنفسه رؤية موضوعية عن الاستشراق وأهدافه وأعماله ومنشوراته العلمية، ويحاول جاهدًا أن ينقد ما يراه سلبيًا من وجهة النظر الإسلامية، ولا ينسى في الوقت نفسه؛ أن يذكر الإيجابيات التي تُذكر للاستشراق في المجالات العلمية، المتعلقة بالدراسات العربية والإسلامية.

وهذا الاتجاه الثالث؛ هو فى حقيقة الأمر الاتجاه الذي يمكن أن نسميه اتجاهًا إسلاميًا حقيقيا، لأنه هو الذى يتفق مع ما يطلبه الإسلام في مثل هذه الأحوال؛ انطلاقًا من قول القرآن الكريم «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى».

الدكتور «زقزوق»، يرى في هذا الإطار من وجهة نظر إسلامية أن ينظر إلى الاستشراق في محاولة لبيان وجهة النظر؛ هذه التي لا ينبغى أن يتجاهلها الاستشراق أو يمر عليها من الكرام، بل ينبغي أن تكون دافعًا لحوار بناء بين المستشرقين المعتدلين من جانب، وأصحاب هذا الاتجاه النقدي من جانب آخر.

فعن هذا الطريق فقط؛ يمكن أن يكون هناك سبيل إلى الفهم المتبادل والتعاون العلمي المشترك، في عالم اليوم الذي تتشابك فيه المصالح، وتتعدد فيه مجالات الاهتمامات المشتركة، بهدف الوصول إلى ما فيه خير الجانبين المغربي والإسلامي، ولكى يتم ذلك فإنه لا بد من تحقيق شرط ضروري، وهو التحرر التام من كل الأحكام المسبقة والعقد القديمة.

مستشرقون موضوعيون

ونظر المؤلف؛ إلى الاستشراق نظرة مختلفة عن ما نراها الآن، فرأى من الناحية الموضوعية، أنه لابد أن نعترف أن هناك مستشرقين موضوعيين يتسمون بالنزاهة في الحكم والحيدة في البحث، ومستشرقين آخرين لا تتسم أعمالهم بأی شكل من أشكال الموضوعية والحياد العلمي، بل تصطبغ بأهداف أخرى غير علمية.

ويقدر هذا الاتجاه أيضًا للمستشرقين بصفة عامة ما يبذلونه من جهود مضنية، وصبر عجيب في البحث والدرس، وإخلاص تام لخدمة أهدافهم واطلاع واسع وإحاطة بالعديد من اللغات القديمة والحديثة، وقد أشار إلى شيء من ذلك أيضًا الشيخ مصطفى عبد الرازق، الذي كان شيخًا للأزهر فى نهاية النصف الأول من القرن الحالي إيجابيات المستشرقين.

إيجابيات الاستشراق

ويذكر هذا الاتجاه الإسلامى بالتقدير؛ الجهود التي بذلها المستشرقون في العناية بالمخطوطات العربية؛ التي جلبت إلى أوروبا وفهرستها فهرسة علمية نافعة، وكذلك ما قدمه الاستشراق من دراسات حول الكثير من هذه المخطوطات، ونشره للعديد من أمهات كتب التراث العربي الإسلامي؛ بعد تحقيق مخطوطاتها تحقيقًا علميًا، مما أتاح للباحثين فرصة كبيرة، وأدى للبحث العلمي خدمة جليلة.

ولم يقتصر المستشرقون؛ على مجال التحقيق والنشر، بل قاموا بترجمات شتى بلغات مختلفة للعديد من الكتب العربية الإسلامية، وقاموا أيضًا بإصدار ترجمات للقرآن الكريم، وإن كانت للمسلمين بعض التحفظات، على ما جاء في مقدمات الكثير من هذه الترجمات والتعليقات التي صحبت هذه الترجمات.

وقد أضاف المستشرقون؛ لذلك كله ما قدموه من دراسات عديدة في جميع مجالات العلوم العربية والإسلامية، وقدموا إنتاجًا غزيرًا؛ بلغ حسب بعض الإحصائيات «ستين ألف كتاب»؛ منذ أوائل القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق