للخروج من خانة الأفقر عالميا بالمياه.. إدراك ملكي لخطة تتحمل "الصدمات"

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان - ارتكزت رؤى جلالة الملك عبد الله الثاني، وهو يكمل عامه الـ63 من عمره المديد، على خريطة طريق شاملة لتحقيق أمن مستدام للمياه، محددة "النقاط على الحروف"، سعيا لمجابهة تحديات مياه ضخمة، لاخراج المملكة من خانة الأفقر عالميا بالمياه.اضافة اعلان
المتابعة الملكية السامية لأهم مشاريع رؤية التحديث الاقتصادي، ساهمت وما تزال، بتعزيز المنعة والصمود بوجه تحديات القطاع المائي، ونجحت بتأمين إستراتيجيات واضحة وفق خطط ومبادرات هدفها إيجاد حلول لهذه التحديات، ما يعكس رؤية جلالة الملك بتحقيق الأمن المائي واستدامة الموارد الطبيعية.
فبناء هذه المنعة والصمود في شريان الحياة الرئيس، المياه، لا بد وأن يمضي بمسارات واضحة، ومحاور محددة في الفترات المقبلة، لإنفاذ الخطط والبرامج وترسيخ مبدأ ديمومة مصادر المياه والحفاظ عليها حماية لحقوق الأجيال المقبلة.
خبراء في قطاع المياه، أكدوا في تصريحات لـ"الغد"، ضرورة الأخذ بالاعتبار رسم خطة بناء المنعة والصمود للقطاع المائي، وأن تقوم الخطة على حلول قادرة على تحمل صدمات التغيرات المناخية الحادة، والتغير الكبير على درجات الحرارة وكميات المياه المتوافرة كما هو متوقع بعد العام 2040. 
إلى ذلك، أكد الخبير الدولي في قطاع المياه د. دريد محاسنة، أهمية صياغة خريطة طريق تقوم على بناء المنعة للقطاع المائي، وترتكز على ديمومة المياه وتطورها، بما ينعكس إيجابا على المواطنين، وتلبي أهداف أمن الموارد، بخاصة التي تصل للأردن من مياه مشتركة، أكان من الكيان الإسرائيلي، أو من سورية، أو السعودية عبر حوض الديسي المشترك.
وقال محاسنة، إنه "لا يمكننا أمنيا أو مائيا الاعتماد على المياه التي تصل من الكيان"، معتبرا بأن أمن الموارد "قضية مصيرية"، مشيرا لإمكانية الاعتماد على استيراد الطاقة من دول أخرى، فيما لا يمكن استيراد موارد المياه، لافتا لضرورة التنبه من إغفال إجراءين مهمين بالخصوص ذاته، وهما يرتبطان بحفر الآبار العميقة والتحلية، والتي تمضي بإجراءات تنفيذها وزارة المياه والري مؤخرا.
وقال محاسنة، إن الأردن ما يزال متأخرا في المجالين السابقين، لا سيما "وأننا نعتمد على القطاع العام"، داعيا لفتح المجال للقطاع الخاص في هذا الإطار. مشيرا لأهمية تحول إدارات المياه بشكل عام ومياه الزراعة بشكل خاص من القطاع العام لإدارة شركات متخصصة، منتقدا استنزاف 60 % من المياه في أغراض الزراعة، مقابل مردود اقتصادي لا يتجاوز الـ5 %، منوّها بأهمية أن تدرج هذه الإدارة على أولويتها الحصول على مردود أكبر، وذلك إلى جانب أهمية التنويع في المنتجات الزراعية، وتطوير وسائل الري لأن تكون حديثة وغير مستنزفة للمياه.
وأوصى محاسنة بتطوير الزراعات، عبر الابتعاد عن الزراعات المستنزفة، والتي ليس لنا حاجة ماسة إليها، مشيرا لضرورة إنشاء مجلس للمياه، يضم خبرات من قطاعات الزراعة والاقتصاد، بالإضافة للمياه والبحث العلمي والتمويل والبيئة، بالاضافة لزيادة استخدام الطاقة النظيفة رخيصة الثمن في مشاريع المياه، سواء في البحث عن المياه أو تزويدها.
بدوره، يرى الأمين العام الأسبق للوزارة إياد الدحيات، أن توقيع اتفاقية عقد مشروع الناقل الوطني (عمان-العقبة) من أهم محاور تعزيز منعة قطاع المياه، اذ كانت المتابعة الملكية السامية للمشروع حثيثة، باعتباره من أهم مشاريع رؤية التحديث الاقتصادي، وهو أحد المحاور الرئيسة الواردة في كتاب التكليف السامي للحكومة، الذي سيحقق الأمن المائي للقطاعات كافة، وزيادة حصة الفرد السنوية من المياه، ويسهم في إبراز المملكة كوجهة رئيسة لجذب الاستثمارات في المنطقة.
ولفت الدحيات لوجود إجماع بين الدول المانحة والداعمة والشركاء التنمويين للمملكة، على أولوية وأهمية المشروع، إذ جرى الالتزام بمنح وقروض ميسرة تصل لـ1,5 مليار دولار لتمويل جزء مهم من كلفة المشروع الرأسمالية.
ومن الضرورة بمكان، البناء على كل من النموذج التجاري والعقدي للمشروع، وارتفاع التصنيف الإئتماني للأردن لإطلاق الإمكانيات والتوسّع بتنفيذ مشاريع شراكة مماثلة مع القطاع الخاص بقطاع المياه، بحسب الدحيات، مؤكدا أهمية توافر الأدوات المالية المبتكرة والاستثمارات والحلول الفنية والتكنولوجيا المتخصصة لتطوير مشاريع مصادر مياه إضافية، كالتنقيب عن المياه العميقة في الطبقات المائية المنتشرة في الأحواض الجوفية، وتنفيذ مشاريع آبار العاقب الجنوبي العذبة والأزرق وحسبان المالحين، وتخفيض فاقد المياه، بناء على الأداء في محافظات العاصمة وإربد والزرقاء باستثمار القطاع الخاص.
وتطرق الدحيات للمخصصات المالية الجارية والرأسمالية للقطاع بموازنة عام 2025 والتي تبلغ 860 مليون دينار وتشكّل 6 % من إجمالي النفقات العامة، ومن مصادر التمويل المتوافرة من الخزينة - الذاتية والمساعدات الخارجية التنموية (منح وقروض). مؤكدا أنها نسبة عالية تبيّن أولوية وأهمية تعزيز منعة القطاع، وستنعكس على تنفيذ مزيد من المبادرات والمشاريع وزيادة تغطية خدمات المياه التي وصلت لـ95 % من المواطنين وخدمات الصرف الصحي التي تناهز 65 % وتحقيق النسب المستهدفة في الهدف السادس لمؤشرات التنمية المستدامة 2030 التي يجري الإبلاغ عنها في التقارير الطوعية.
وشدد على ضرورة تعزيز التعاون الإقليمي في مصادر المياه المشتركة، لتحويل التحديات لفرص وتعزّيز حقوق وخيارات الأردن المائية مع دول الجوار وتحقق المنفعة المتبادلة معها، حيث أشارت الاستراتيجية الوطنية للمياه (2023-2040)، التي أعدت بناء على مخرجات رؤية التحديث الاقتصادي، في الهدف رقم (3) إلى ضرورة أن يتخذ الأردن دورا قياديا في لجان المياه المشتركة لحماية حقوقه وأمنه المائي، كونه أقرب إلى مصب العديد من هذه المصادر وبالتالي الأكثر تضرراً إذا ما لم يتم تنفيذ اتفاقيات حقوق المياه الثنائية.
وتبرز أهمية التعاون مع قطاع الطاقة في مشاريع تعزّز المنعة والفائدة على مستوى الاقتصاد الكلّي ضمن مبادئ "متلازمة المياه والطاقة" في مشاريع المياه، اذ عملت وزارتا المياه والطاقة والثروة المعدنية (على سبيل المثال) في المشروع، على إدخال الطاقة المتجددة النظيفة (الشمسية) لتزويده بـ%31  من احتياجاته الكهربائية الإجمالية البالغة
1.7 جيجاواط/ عام، وتحديد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لـ3.2 كغم/ م3 مياه محلاة، أو ما يعادل 8,1 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون على عمر المشروع في المدة التشغيلية البالغة 26 عاماً، بحسب الدحيات.
وتابع "سيسهم ذلك بتحقيق الأردن لالتزاماته الدولية بشأن تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة الواردة في تقارير تحديد المساهمات الوطني للتغيير المناخي لغاية العام 2030".
من جهتها، أكدت الخبيرة في دبلوماسية المياه ميسون الزعبي أن القطاع حقق، منذ تولي جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية، انجازات يشار لها بالبنان، برغم تعاظم التحديات، مبينة أن أزمة اللجوء السوري وما حملته من أعباء جسيمة على قطاع المياه، وارتفاع الطلب في عموم مناطق المملكة، شكلت ضغطاً هائلاً ومتزايداً على هذا القطاع الهش.
وقالت "إن إدراك جلالة الملك، وعزيمته وإصراره ومتابعته الدؤوبة خلال جولاته في العالم، لم تثنه عن اغتنام كل فرصة لحشد كل الدعم الممكن لهذا القطاع، ما مكن الحكومة عبر وزارة المياه من مواصله الجهود لتنفيذ الرؤى الملكية، للسير بإنفاذ الخطط والبرامج لترسيخ مبدأ ديمومة مصادر المياه والحفاظ عليها، حمايةً لحقوق الأجيال المقبلة".
ولفتت الزعبي لنجاح القطاع بإنجاز نموذج متميز على مستوى المنطقة بتحسين خدمات المياه والصرف الصحي، برغم محدودية الموارد المائية المتاحة، وجهود خفض الفاقد عبر التوسع بإعادة تأهيل شبكات المياه، موضحة أن نسبة المخدومين بالمياه في الأردن هي من أفضل النسب عالميا مسجلة 95 % وخدمات الصرف الصحي 68 %.
وفي العام 2023 بلغت كمية مياه الصرف الصحي المعالجة نحو 215.4 مليون م3، وإعادة استخدام 194.5 مليون م3، منها أي ما يعادل 90 % من مجموع المياه المعالجة.
وشددت على أن قطاع المياه، يلتزم التزاما كاملا بالحفاظ على مستوى التزويد المائي لقطاع الزراعة، مع ضرورة خفض كمية المياه العذبة المستخدمة للري واستبدالها بالمياه المعالجة، للحفاظ على أحواض المياه الجوفية بشكل يحافظ على الحدود الآمنة للضخ منها.
وأكدت الزعبي أن قطاع المياه سيواصل رفعه كفاءة معالجة مياه الصرف الصحي لزيادة كميات ونوعية المياه المعالجة التي يمكن تخصيصها للري.
وبلغت مساحات الاراضي المزروعة بالمياه المعالجة المستصلحة والخارجة من محطات التنقية  23.421.71 دونم عبر اتفاقيات موقعة مع القطاع الخاص والمؤسسات والدوائر الحكومية، وصلت حتى العام 2022 الى 385 اتفاقية.
وحول تبعات التغير المناخي، أشارت الزعبي إلى أن قطاع المياه، من الأكثر تأثرا بالتغير المناخي، اذ تشمل الآثار المتعلقة بالمياه انخفاضا في الكميات المتاحة وظهور أنماط موسمية أقل موثوقية، وزيادة في شدة الجفاف، ما يؤثر على كميات التخزين المائي وتغذية المياه الجوفية والإضرار بالزراعة البعلية. من ناحية أخرى، فإن الآثار الناجمة عن شدة الفيضانات، تسبب أضرارا في البنى التحتية جراء تعرضها لكميات تفوق قدرتها الاستيعابية. كما تسبب الامطار الشديدة زيادة في انجراف التربة، ما يسبب خسائر بتخزين المياه في التربة، وترسب الطمي في الخزانات المائية، وارتفاعا على درجات الحرارة وزيادة في التبخر ومن ثم زيادة الطلب على مياه الري.
ولمواجهة هذه التحديات، أوضحت الزعبي، أهمية تصميم بنية تحتية ذات منعة وبعمر افتراضي طويل، قادرة على تحمل صدمات التغيرات المناخية الحادة، والتغير الكبير على درجات الحرارة وكميات المياه المتوافرة، كما هو متوقع بعد العام 2040. عبر تضمين مخاطر التغير المناخي باصلاحات وسياسات ومؤسسات القطاع، وبناء قدرة مؤسسات القطاع على التكيف، وتنفيذ بحوث وعمليات رصد مكثفة لضمان كفاءة نهج التكيف مع تغير المناخ فيه على المدى الطويل.
وحول ملف السدود، بينت الزعبي أن سعة السدود الرئيسة في المملكة الـ16 تصل لـ336 مليون م3، بالإضافة لوجود 558 موقع حصاد مائي بسعة 129 مليون م3، لافتة لمساهمة السدود بالحماية من الفيضانات وتنظيم تدفق المياه في الأنهار والأودية.
ولفتت إلى أن مشروع الناقل الوطني خطوة رائدة في جهود المملكة لتسخير التكنولوجيا والتعاون الدولي لتأمين مستقبل مائي مستدام، عبر تحلية مياه البحر الأحمر ونقلها لمسافة تزيد على 450 كلم للمراكز المكتظة بالسكان والأراضي الزراعية الجافة، ما سيوفر %40 من الاحتياجات المائية بحلول  2030. ما سيسهم بتخفيف الضغط على الموارد المائية الجوفية التي تعاني من الاستنزاف والتملح.
وقالت ان "المشروع أكثر من مجرد أعجوبة هندسية، إنه مظهر من مظاهر تصميم الأردن على التغلب على محنته الجغرافية والمناخية، ويتضمن انشاء أحدث مرافق تحلية المياه القادرة على تحويل المياه المالحة إلى عذبة، تنقل بعدها بشبكة واسعة عبر الصحراء الى المدن  والقرى.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق