إنعام كجه جي: أخفف المأساة بماء الفكاهة.. ولا أكتب وفق تمنيات القراء والنقّاد

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

استخدمت أسلوب البرقية في روايتها "صيف سويسري":

*لم أجعل شركات الأدوية السويسرية قاضياً للغرام تنشغل بلمِّ شمل رجل وامرأة حتى لا يضحك عليَّ القارئ

*رأيت في المهاجر قصص حب عراقية استؤنفت بعد انقطاع.. وشاهدت ضحايا يدخنون الشيشة مع رجال أمن سابقين

*لو حكمتُ على التجربة السويسرية بالفشل من اللحظة الأولى لانتهت الرواية في الصفحة رقم عشرة

*لست والدة تحب أبناءها بالتساوي.. وليس من الضروري أن يكون الأبطال متساوين في الأنصبة

*لست ممن يعانون عند الكتابة وأتمتَّع بها.. فلماذا لا أشرك الآخر في متعتي

*قد يكون العراق أبو المعارك لذلك تأتي رواياتنا وكأنها مكتوبة تحت وقع القصف أو صوت أقفال المعتقلات

في روايتها الجديدة "صيف سويسري" تجمعُ الكاتبة العراقية إنعام كجه جي أربعة أبطال عراقيين في مدينة بازل السويسرية، رجل أمن، امرأة ثورية، رجل دين متشدد، ومبشِّرة بشهود يهوه. كان الهدف أن تجرب فيهم شركة أدوية نوعاً من حبوب الدواء تعتقد أنها قادرة على مسح معتقداتهم المتطرفة ومن ثم إمكانية دمجهم بمجتمع المدينة الفاضل.

لكن إنعام لا تتوقف كثيراً أمام تلك الحكاية، فما عناها أكثر هو أن تعيدنا، نحن القراء، إلى ماضي كلٍّ منهم، لنعرف بالحكاية الغريبة التي ربطت رجل الأمن بالمرأة اليسارية، وكيف انتهت علاقتهما الآن بقصة حب جميلة، وكذلك تطلعنا على رحلة المرأة الأخرى لاعتناق التبشير بشهود يهوه، وكيف انتهى الأمر برجل الدين، الذي لا يكف عن الثرثرة والضحك، إلى شخص صامت كأنه تمثال جرانيت.

تلك الرواية الممتعة واحدة من أعمال إنعام كجه جي المهمة، سواء في السيرة أو الرواية، مثل "لورنا سنواتها مع جواد سليم"، و"سواقي القلوب"، و"الحفيدة الأميركية"، و"طشاري"، و"سارق الاّفندر"، و"النبيذة". في هذا الحوار تتحدَّث إنعام عن روايتها الجديدة وأبطالها، وعلاقتها بالصحافة وحياتها في الغرب، وكيف أتاحت لها نظرة خاصة إلى وطنها العراق.

هل تجزم روايتك "صيف سويسري" باستحالة نزع الماضي من أدمغتنا؟

لا رواية تجزم بشيء. لا روائي يقرأ الغيب. كل ما حاولته في "صيف سويسري" أن أكشف العبء الثقيل الذي تنوء تحت ثقله الشخصيات. إنهم يشبهون الملايين ممن حلموا بأوطان مرفَّهة مستقرة، وما زالوا يحلمون. ثم شاهدوا أحلامهم تتبدد وتموت لكنهم يرفضون دفنها. هناك من يفلح في نزع لوثة الماضي والتخفّف منها وهناك من يعتنقها ديناً. واللوثة في معجم اللغة هي مسُّ الجنون. ويمكن تفسيرها بالابتعاد عن الواقع.

يبدو أبطالك الأربعة ومعهم طبيبهم بلاسم فئران تجارب لشركة أدوية سويسرية.. لماذا اكتفت الشركة بالمراقبة من بعيد دون أن تتدخل؟

أظنها كانت تتدخّل. تراقب وتتحكم في جرعات الدواء. تلك مشكلتها التي لا تعنيني. إن مشكلتي هم أبطالي الأربعة. كيف سيواجهون صدمة اللقاء وهم أقطاب متنافرة.

تحولت "دلاله" إلى مبشِّرة بشهود يهوه. وفسرتْ الرواية ذاك الانقلاب في حياتها بأنه نتاج للأفكار الأمريكية المستوردة. هل يكفي ذلك التفسير في وجهة نظرك؟ ولماذا شهود يهوه تحديداً؟

لأن شهود يهوه تحديداً لم يُعرف لهم وجود في العراق. كانت هناك كنائس غربية كثيرة، أمريكية بالتحديد، تسعى للتبشير في أوساط المسيحيين المحليين، الشرقيين، وكسبهم إليها بمختلف وسائل الترغيب. ولتعددها وتنوع نواياها لم أود تحديد فئة منها. هذه حكاية كبيرة تحتاج رواية لوحدها. وقد عرفت ضحايا كثيرين، حتى بين أقاربي، ولنقل إن "دلاله" واحدة منهم.

مقابلة حاتم وبشيرة (الجلاد والضحية في عهد سابق) هل هي من قبيل الصدف صعبة التصديق؟ لماذا لم تجزمي بأنها من تدبير شركة الأدوية؟!

سيضحك عليَّ القارئ لو جعلت شركات الأدوية السويسرية قاضياً للغرام، تنشغل بلمّ شمل رجل وامرأة. أما في الواقع فقد رأيت في المهاجر التي احتشد فيها ملايين العراقيين قصص حب استؤنفت بعد انقطاع. وشاهدت ضحايا يدخنون الشيشة مع رجال أمن سابقين.

قصة الحب بينهما هل احتاجت، في جميع الحالات، إلى دولة محايدة لتنضجها؟

محايدة أو منحازة أو من دول الحياد الإيجابي. كلها صالحة طالما أن المحبوبة هربت من البلد قبل أن تتاح أي فرصة لنضوج العلاقة.

تقدم الرواية أربع قصص لأربعة أبطال عراقيين ماضيهم مؤلم للغاية، تجمعهم إحدى شركات الأدوية في بازل لغسل دماغهم بالحبوب الملونة وجلسات الثيربي فهل حُكِم على تلك التجربة بالفشل من أول لحظة؟

لو حكمتُ عليها بالفشل من اللحظة الأولى لانتهت الرواية في الصفحة رقم عشرة. كانت التجربة أجمل من أن تُصدّق. وهنا أعود إلى أمثالنا الشعبية لأقول: إلحق الكذَّاب حتى باب الدار. وقد تمتعت بملاحقة تطوّر الفصول حتى اكتمال الرواية عند عتبة الدار.

لماذا اهتمت الرواية أكثر بحاتم وبشيرة على حساب دلاله وغزوان؟

بصراحة، لا أدري. لست والدة تحب أبناءها بالتساوي. هل من الضروري أن يكون الأبطال متساوين في الأنصبة؟ لعلَّ الغرابة في حكاية حاتم وبشيرة هي التي أغرتني بتتبعها.

غزوان انتهى إلى الصمت بعد أن كان الأكثر ثرثرة وضحكاً.. لماذا؟

جاء في الرواية أنه كان الأكثر هشاشة. ولهذا ظهرت مفاعيل العقاقير عليه قبل غيره. رأى نفسه ينسلخ عن عقيدته فعاف الكلام. دخل في طور التوحُّد. بعدها قرّر التوقف عن أخذ الدواء.

ولماذا لم يحاول الطبيب بلاسم أكثر مع سندس؟

سؤال لطيف. لو كنت أنت في مكانه لربما حاولت أكثر وامتلكت قلب سندس. لكن الروائي لا يكتب وفق تمنيات القراء والنقّاد. هناك فارق بينهما في العمر والتجربة. وهي كانت تسخر من المهمة التي انتدبوه لها في بازل ولم تؤمن بعلومه. ما كان بلاسم قادراً على المضيِّ أبعد لأنه مكلَّف بعمل محدد ويشعر بأنه تحت رقابة أجنبية.

هل بازل المدينة ذات التنظيم البالغ كانت الوجه الضد لبلد الشخصيات الذي يعاني من الفوضى؟

ومئات المدن الأوروبية هي الضد من فوضى بلد الشخصيات وغيره من بلداننا وعواصمنا.

اكتشفنا أن الشخصيات لا تتناول حبوب الدواء فهل واتتها رغبة في عدم الإفلات من الماضي القاسي؟

لم تتوقف الشخصيات منذ البداية عن تناول الحبوب. جاء القرار فردياً فيما بعد. شعر كل واحد بأن التنصُّل من الماضي معناه أن عمره ذهب هدراً، ومعه كل معاناته وذكرياته، حتى المرُّة منها. لا أحد يحبُّ أن يولد بذاكرة بكر وهو على أعتاب الخمسين.

استخدمتِ ضمير الأنا في مواضع بسيطة جداً بينما اقترب الراوي العليم، في أغلب الفصول، من أفكار الشخصيات.. هل خططتِ في أي مرحلة من مراحل الكتابة لترك كل شخصية تروي حكايتها؟

لا، فتلك طريقة سهلة. يحدث أن أخطط ثم تتغير الخطَّة أثناء الكتابة. هكذا جاءت الأحداث ملمومة في كف الراوي العليم.

أنت واحدة من الروائيين الذين يمنحنون القارئ حصيلة لغوية ضخمة. هل تتعمدين نثر المفردات الجميلة غير المستهلكة في الصفحات؟

لا أتعمد سوى الحفاظ على لغة سليمة وواضحة. ولغتنا ثريَّة ولذيذة وممتعة وتغري بالتلاعب. لست ممن يعانون عند الكتابة. أتمتَّع بها. لماذا لا أشرك الآخر في متعتي؟ وفي "صيف سويسري" بالذات طرحت عن العبارات كل الزوائد. كأنه أسلوب برقيات. هذه هي حصيلتي اللغوية بعد عمر من المطالعة والكتابة.

هل الحرب تجعل روائيي العراقي أصحاب تجربة أثقل وأقوى قياساً بتجارب روائي العالم العربي؟

دلَّني على بلد عربيٍّ لم يعش حرباً أو نزاعاً أو انقلابات أو انتفاضة أو ربيعاً موعوداً. هناك من يمارس المصارعة ورفع الأثقال وهناك من يهوى السباحة ومضرب الريشة. هؤلاء هم السعداء من الروائيين. قد يكون العراق أبو المعارك لذلك تأتي رواياتنا وكأنها مكتوبة تحت وقع القصف أو صوت أقفال المعتقلات. يحدث أن أخفف المأساة بماء الفكاهة، ليس لأن السخرية أصيلة في طبعي وإنما لأن البليَّة أكبر من تُبتلع ناشفة. عندها يطلع عليَّ من يتهمني بأنني كاتبة خفيفة.

أين تضعين تلك النوفيلا وسط أعمالك؟

تقصد عمايلي؟ لعلها من نفحات ما قبل الخرف وعجز الأصابع.

وجودك في الغرب هل يمنحك زاوية مختلفة للنظر إلى العراق؟

بالتأكيد. أنظر إليه على البارد. في حين يكتوي أصدقائي وجيراني هناك بمعاناة كل يوم. ولو عدت إليه لما عرفته ولا عرفني. لكن عملي في الصحافة ومتابعتي المستمرة للتفاصيل يبقياني على صلة بالوطن. لا أشعر أنني بعيدة.

هل يعبِّر الروائيون العراقيون عن واقع بلدهم بالشكل الأمثل؟ ماذا ينقص الرواية العراقية؟

هذه هي أسئلة التنظير التي أكره.

كيف خدمتْ الصحافةُ لغتك ورؤيتك؟

وضعتني في المعمعة. أخذتني إلى أربعة أطراف العالم. بلورت لغتي. كانت وما زالت الدم الذي يجري في عروق الروايات.

هل ترين أن روايتك "النبيذة" كانت الأجدر ببوكر 2019؟ وما رأيك في الجوائز العربية بشكل عام؟

تلك صفحة انطوت. ورأيي أن الجوائز تحرِّك البحيرات الهادئة. هذا عالم يعشق البريق والأضواء والمنافسات. هل لاحظت كيف صارت مفردة "إبهار" لازمة في الصحافة؟ وحال جوائزنا مثل حالنا. وكما تكونون "يؤجَّز" عليكم.

أخيراً.. هل قرأتِ خطاباً بعد تسلم نوبل في أحلام يقظتك؟

أحلم بمقالي الأسبوعي في يقظتي والمنام. وحفيدي هو نوبلي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق