انطلاقًا من قلب مدينته، يستكشف المخرج محمد رشاد في فيلمه الروائي الأول "المستعمرة"، بعرضه العالمي الأول في مهرجان برلين السينمائي الدولي 2025، مجتمع مهمش في أعماق الإسكندرية قلما يلتفت إليه أحد، بصورة حية واقعية تجعل من المستحيل إشاحة النظر عنها.
يرتبط اسم "المستعمرة" عادةً بالعزلة، خاصةً تلك الأماكن التي يُعزل فيها المرضى عن المجتمع خوفًا من انتشار العدوى.
هنا في الفيلم يأخذ رشاد هذا الاسم ويمنحه بُعدًا أكبر، حيث يكون العزل لا لخوف من مرض وإنما لتهميش أبسط الحقوق الإنسانية لقطاع كبير من المجتمع.
تفاصيل وأحداث فيلم المستعمرة
تبدأ واقعية الفيلم من الحدث الحقيقي الذي ألهم المخرج لصناعة فيلمه الذي تدور أحداثه حول حسام (23 سنة) ومارو (12 سنة) اللذان يعيشان في شقة منفصلة عن العالم، تقع على طريق الكيلو 21 السريع المؤدي إلى الإسكندرية، حيث عُرض عليهما العمل في المصنع بعد وفاة والدهما في حادث عمل كتعويض عن خسارتهما بدلاً من رفع دعوى قضائية، وبينما يتوليان عملهما الجديد، يبدأ لديهما التساؤل عما إذا كانت وفاة والدهما عرضية حقًا.
تشكل البيئة التي تدور فيها الأحداث خلفية قوية تعكس عزلة الأخوين وحصارهما في عالمهما الصغير، وهنا لعب التصوير السينمائي لمدير التصوير محمود لطفي دورًا رئيسيًا في سرد تلك القصة بأكثر الطرق واقعية.
تم تصوير الفيلم في شقة استأجرها المخرج في منطقة الكيلو 21، تلك الشقة تعكس العالم الصغير الذي تنتمي إليه تلك الأسرة البسيطة المكونة من الأم وابنيها حسام ومارو.
تحتضن الشقة ما تبقى منهم ولهم، وفي مشهد تسيطر عليه العبثية، تحميهم من قسوة العزلة التي تحاوطهم، وتمنحهم القليل من الدفء وسط برودة كل ما حلوهم.
وبين التناقض الشديد بين الدفء والبرودة، تأتي كل المشاهد خارج المنزل بألوان يغلب عليها الأزرق في إشارة واضحة للجفاء الذي يواجهه الأخوان، وهذا المجتمع بأكمله.
كرّس الفيلم جزءً من وقته ليرصد بعدسة الكاميرا الطريق الطويل الشاق الذي يقطعه حسام ومارو يوميًا للذهاب إلى العمل. طريق يغلب عليه الطابع الصحراوي الذي لا يسعه سوى نقل مشاعر الأسى والحزن والوحدة، في صورة حية وحقيقية للحياة اليومية التي تواجه ساكني تلك "المستعمرة".
"بينما هناك اتجاه للاعتماد على ممثلين محترفين، ركزت هذه التجربة على المواهب الجديدة"، يقول رشاد ليصف حرصه على تحقيق أقصى درجات الواقعية، قام المخرج محمد رشاد بتصوير الفيلم داخل مصنع حقيقي بالقاهرة، بل واستعان بعمال حقيقين يجيدون التعامل مع أجهزة المصانع كي تخرج صورة الفيلم قوية وصادقة وبعيدة عن الادعاء.
كما اختار في أدوار البطولة ممثلين غير محترفين في الأدوار الرئيسية، حيث اعتمد على وجوه جديدة ليتمكن الجمهور من بناء علاقة مباشرة معهم، ومن خلال هذا كله رسم في فيلمه "المستعمرة" لوحة حقيقية تمثل جزءً من الواقع لا يمكن بأي شكل الفكاك منه.
0 تعليق