أصحاب العمل يستطلعون أساليب تدعم رفاهية الموظفين

مصدرك 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عندما كان بيتر مونتغمري يعمل في مجال الإعلانات، كانت الأيام الطويلة في المكتب جزءاً من الثقافة السائدة. ويقول مونتغمري: «إذا غادرت في الساعة السادسة مساءً، كان الانتقاد المعتاد هو: هل تعمل نصف يوم فقط؟».
لكن في وظيفته الحالية مديراً لفريق الإبداع في منصة المحاسبة السحابية «زيرو»، أصبح بإمكان مونتغمري أن يعدّ العشاء لزوجته وطفليه معظم الليالي. تتيح له المرونة المدمجة في عمله العودة إلى منزله في ويلينغتون بنيوزيلندا، لإعداد وجباته المفضلة، مثل أطباق البوريتو أو كرات اللحم التايلاندية بصلصة جوز الهند.
وبالنسبة له، فإن الطهي هو فرصة للتواصل مع عائلته والاسترخاء، قبل أن يعود أحياناً للعمل في المساء لإنهاء بعض المهام. يقول مونتغمري (50 عاماً): «من المُرضي والمُجزي حقاً أن يكون لديك القدرة على جعل العمل يتلاءم مع احتياجات عائلتي».
تُعدّ القدرة على تكييف العمل مع حياة الموظفين، حيثما أمكن، واحدة من الطرق البسيطة وغير المكلفة لتعزيز رفاهية الموظفين، ومع زيادة اهتمام أصحاب العمل بابتكار وسائل لتحسين رفاهية العاملين، يتضح أن الفوائد التقليدية مثل التأمين الصحي لم تعد كافية وحدها.
أظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة «غالوب» أن رفاهية العاملين، على مستوى العالم، انخفضت إلى 34%، عام 2023، مقارنة ب35% في العام السابق، وجاء هذا الانخفاض بعد سنوات من التحسن الطفيف، خلال جائحة «كورونا»، حيث كان الكثير من المديرين يولون اهتماماً أكبر بالعاملين. لكن في السنوات الأخيرة، أفاد كثيرون بأنهم يشعرون بالإرهاق والضغط بسبب وظائفهم.
إن تحسين رفاهية الموظفين ليس مفيداً لهم فقط، بل هو أيضاً جيد للشركات، حيث يعزز الأداء ويزيد من تفاعل العاملين مع وظائفهم.
مواجهة القلق المالي
وفقاً لإيريكا غولدن، رئيسة قسم الموارد البشرية في شركة «بنيان سوفتوير»، فإن القلق بشأن المال، ربما يكون أكبر تهديد لرفاهية الموظفين. وللتصدي لذلك، أنشأت الشركة صندوق موارد للموظفين يمكنهم من خلاله طلب الدعم المالي لمواجهة المصاريف غير المتوقعة، مثل فاتورة طبية غير متوقعة أو كلف كبيرة لرعاية أحد أفراد الأسرة.
وتقول: «أردنا أن يتمكن الموظفون من ملء نموذج بسيط، والحصول على ما يحتاجون إليه من دون الكثير من الأحكام أو البروتوكولات أو تدخل قادة العمل في محادثات مطولة».
ويحتوي الصندوق حالياً على نحو 100 ألف دولار، ويتم استخدامه لمساعدة الموظفين في أوقات الأزمات، ما يمنحهم شعوراً بالارتياح والطمأنينة.
نماذج عملية معززة
في شركة أخرى، يتم توفير خدمات استشارية نفسية مجانية للموظفين وأفراد أسرهم. تُظهر الدراسات أن القلق والاكتئاب من أكبر العوائق أمام رفاهية الموظفين، لذا فإن تقديم استشارات سرية، يمكن أن يساعد على تخفيف الأعباء النفسية ويعزز الإنتاجية.
وفي قطاع التكنولوجيا، اعتمدت بعض الشركات الكبرى مثل «غوغل» فكرة تخصيص يوم واحد في الأسبوع للابتكار، إذ يُسمح للموظفين بالعمل على مشاريع شخصية ذات صلة بالعمل، وهذا النهج لا يعزز الرفاهية فحسب، بل يحفز الإبداع أيضاً.
تعزيز ثقة القادة
تؤكد غولدن أن رفاهية الموظفين تتطلب أكثر من مجرد الدعم المالي، حيث يحتاج العاملون إلى الشعور بالثقة بقادتهم، سواء كان ذلك في ما يتعلق بمسارهم المهني أو في أوقات الأزمات. تقول: «جزء من الحل هو أن يشعر الموظفون بأنهم قادرون على اتخاذ قرارات، حول المسار المهني، الذي يرغبون في اتباعه».
وعلى سبيل المثال، قد يفضل بعض الموظفين تخفيف حدة أعباء العمل لفترة من الزمن، بسبب التزاماتهم الشخصية، وهو ما يمكن تحقيقه، من خلال توفير أدوار أقل كثافة لفترة معينة.
فوائد مخصصة للجميع
يشير براد شيغنولي، رئيس الحسابات الوطنية للمزايا الجماعية في شركة «ميتلايف»، إلى أن الشركات تقدم الآن مجموعة أوسع من المزايا، مقارنة بما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن.
وتتضمن هذه المزايا خدمات قانونية، وبرامج حماية من سرقة الهوية، وحتى تأمين للحيوانات الأليفة. يقول شيغنولي، إن توفير خيارات متعددة، يعكس احتياجات الموظفين بشكل أفضل ويعزز رفاهيتهم. ويضيف: «إذا كنت من جيل الألفية أو الجيل زد، فقد تكون بعض المنتجات أكثر ملاءمة لك، مقارنة بموظف من جيل الطفرة السكانية، وإذا كنت عازباً أو لديك ثلاثة أطفال، فإن احتياجاتك ستكون مختلفة، وهذا هو المكان الذي يأتي فيه تخصيص الفوائد».
بيئة عمل داعمة
في اليابان، طورت شركة صغيرة نظاماً يسمح للموظفين بالخروج في وقت مبكر مرتين شهرياً، لقضاء وقت مع عائلاتهم، وهذا النوع من المبادرات ليس مكلفاً، ولكنه يُظهر اهتماماً حقيقياً من الشركة برفاهية العاملين. وفي مجال التعليم، تُقدم بعض المدارس برامج تدريبية للمعلمين حول كيفية إدارة الإجهاد. تُساعد هذه المبادرات على تحسين رفاهية المعلمين، وبالتالي تحسين جودة التعليم المقدم للطلاب.
توازن العمل والحياة
بالنسبة لمونتغمري، فإن ما يساعده في الحفاظ على رفاهيته، هو مغادرة المكتب في الوقت المناسب لإعداد وجبات العشاء لعائلته، ويحاول أيضاً تشجيع فريقه على تحقيق توازن شخصي مشابه. ويخبر مونتغمري فريقه بأن جودة العمل يجب أن تبقى عالية، لكن المرونة ممكنة. قد تكون هناك أوقات يتطلب العمل جهداً إضافياً أو ساعات إضافية خارج الدوام، لكنه يوضح أن ذلك يجب أن يكون استثناءً وليس قاعدة.
الرفاهية استثمار مربح
إن تحسين رفاهية الموظفين لا يتطلب استثمارات باهظة، بل إن توفير المرونة، ودعم العاملين في أوقات الأزمات، وتخصيص المزايا، كلها طرق فعالة لزيادة رفاهية الموظفين، ومن خلال الاهتمام الحقيقي باحتياجات العاملين، يمكن للشركات أن تبني ثقافة عمل صحية تُسهم في تحسين الأداء والإنتاجية وتعزيز ولاء الموظفين.
ويمكن القول إن تعزيز رفاهية الموظفين يعتمد على المبادرات البسيطة، ولكن الموجهة التي تأخذ في الاعتبار احتياجات الموظفين الفردية. من خلال تعزيز الثقة، وتقديم الدعم في الأوقات الصعبة، وتوفير بيئة عمل مرنة، يمكن للشركات تحقيق مستويات جديدة من النجاح والاستدامة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق