سوريا الجديدة واللحاق بقطار العروبة من الرياض

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
لا شيء يشبه الأمس. ذات ليلة، انكشف ظهر حكم الرئيس الهارب بشار الأسد وفر. وذهبت الخطوط الأسدية الحمراء أدراج الرياح. تساقطت المدن كأحجار الدومينو.

سوريا ليست هي سوريا عام 2011. حين كتب أطفال في درعا «جاك الدور يا دكتور». ولا إيران الأمس إيران اليوم. ولا حزب الله السابق حزب الله الحالي.
مع السنين، وفي ديسمبر الماضي أصيب الجميع بالصدمة.

بمن في ذلك الأسد وجيشه وأركان دفاعه وشبيحته. ومصفقاتيه. حتى هيئة تحرير الشام التي أفرزت حكام سوريا الجدد كانت تحت تأثير الدهشة. فسقوط مدينة حلب بهذه السرعة وبأقل من المخطط له، كان مفاجئة مدوية لم تخطر على بال أحد، لا النظام، ولا الثوار.

وذلك له مسبباته، أهمها الانضباط التكتيكي الذي سارت عليه الهيئة حينها، وتنظيم الصفوف، بالإضافة إلى نزع عناصر جيش الفار بزاتهم العسكرية. ربما لهم ظروفهم. وفي المقابل لمن أسموا عمليتهم «ردع العدوان» ظروف. بعدها توالى سقوط المدن والقلاع.

ولم يخطر على بال الجميع، لا داخل سوريا أو خارجها أن يفر الرئيس. استشعر البعض بقاءه حتى آخر رمق، لكنه أصاب العالم بأسره بالذهول بهزيمته وجبنه.

المهم أن أحمد الشرع ومن معه وجدوا أنهم أمام لحظات تاريخية، والتاريخ لا يرحم، هو سيف قاطع شهيته مفتوحة لسلخ لحوم المخادعين. ولا بد من السير للأمام، فالعودة للخلف خطوة واحدة قد تكلفه سقوط المشروع الذي كان مراقبا من الأرض ومن عليها، دول وحكومات، وإعلام وأجهزة استخبارات ومراكز دراسات. جميعها وضعت الرجل ورفاقه تحت المجهر.

كانوا حينها تحت الضغط. أيقنوا أنه لا مناص من تحمل مسؤولية الخطوة التي أقدموا عليها. وفهموا أنه بالضرورة تبديد المخاوف. لذلك تبنوا عنوان التسامح مع الشارع السوري بشرائحه وطوائفه كافة. وعمدوا نشر حملة السلاح في الأزقة والميادين، الذين مدوا أيديهم للناس. وهذا تفكير ذكي بني على الاستفادة من أخطاء النظام الأسدي، الذي كان يعتمد البطش والقتل وسفك الدماء ديدنا له.

صحيح أن كثيرا من الدول المؤثرة ولها دور في القرار العالمي؛ آثرت التريث بعض الشيء، لقراءة المشهد السياسي بحذافيره. إلا أن المملكة كانت صاحبة الكلمة السباقة، بوضعها الشعب السوري نصب عينها، اعتمادا على رؤيتها العربية والإنسانية.

فقد أعلنت عن وقوفها إلى جانبه وعدم التدخل في قرارته. ورفعت الرياض صوتها للحفاظ على استقرار سوريا، وضرورة حمايتها من الفوضى والانقسام.
واستخدمت السعودية نفوذها للمطالبة في المحافل الدولية برفع العقوبات عن سوريا، وهو ما تحقق بالفعل، وذلك لإيمانها بأن الشعب السوري، لا يمكن أن يكون ضحية بديلة عن نظام الفار، الذي فرضت عليه العقوبات.

وسيرت جسرا إغاثيا جويا. وقتذاك برز أمر لافت، ربما مر على الكثير مرور الكرام، ما هو؟ تأكيد المملكة «ألا سقف للمساعدات حتى يتحقق الاستقرار»، لماذا؟ لمواجهة الجرح السوري الذي تسبب به الرئيس الهارب، وحمل معه كل مقومات الدولة، لتوريطها من بعده. لقد فهم السعوديون ذلك مبكرا. وسعت الدولة لضخ دعمها – وهذا ليس منة – حتى لا يستشعر السوريون بفئاتهم كافة، نقصا من أي نوع.

وهذا يكشف عن وعي سعودي بحجم المعاناة السورية بعد تحويل الشعب، إما إلى قتيل، أو مختفِ، أو لاجئ؛ وهذا في مجمله منظر مؤذٍ ترفضه الأخلاقيات السعودية، التي ورثتها الدولة والشعب وبقيت حتى اليوم.

على هذا الأساس بلغ رئيس الجمهورية السورية أحمد الشرع في أول زيارة له العاصمة الرياض. قد يرى البعض أنه أراد مبادلة الود بالود. هذا بالمنطق صحيح.

لكن هناك ما هو أعمق بكثير من المجاملات، ما هو؟ الحصول على مفتاح التعامل مع العالم، استنادا على الدور السعودي الاستراتيجي، الذي لم يدع نافذة في العالم إلا ورمى خلالها ورقة الشعب السوري، الذي يستحق العيش بأمن واستقرار وكرامة بعد سنوات من صبره على أعتى وأقذر أنواع الإجرام.

ماذا أيضا؟ لاكتساب أكبر قدر من الشرعية، ومن ثم بعث رسالة تطمين للعالم أن رجال سوريا الجديدة بإمكانهم الانخراط السياسي مع العالم، بعيدا عن أي نظرة سابقة لهم. والرياض بطبيعة الحال هي الأجدر أن تكون منطلقا لتلك الرسالة، ما سيجعل العالم ينظر لها بعين الثقة.

لقد أفرحت الصور القادمة من دمشق ومن سوريا قاطبة الملايين، وأوجعت من خذلوها يوما من الأيام، ووصمت بالعار من حمّل شعبها وزر جرائم المجرمين، ودمغوه بالإرهاب، ممن تكالبوا على الدولة وتاريخها وإرثها، خلال العقود الماضية.

إن بلادي أعزها الله التي يرسم سياستها والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وينفذها حبيب الشعب وملهمه، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لم ولن، تتخلى عن قضايا الشعوب العربية، أو تخادعهم بجميل الكلام.

إنها رأس الحربة الأولى لهم، حتى إن بادلها البعض بالخذلان. فلا بأس بذلك، فمواجهة الجحود بالصبر والحكمة، شربه السعوديون منذ الصغر، مع فناجين القهوة السعودية الصباحية، في مجالس الآباء والأجداد، وبات جزءا لا يتجزأ من تربيتهم وأخلاقياتهم دولة وشعب.

لذا جاء الشرع المُمسك بخيوط المأساة السورية للمملكة، لثقته بأن إعادة الروح للمآذن والأشجار ستتم في السعودية. وأن تذكرة لحاق سوريا الجديدة بقطار العروبة.. مطبوعة في الرياض.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق