الإصلاح والتصحيح

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نقول دائماً بأن العالم ليس مدينة فاضلة، لأن هذا الوصف يعني «الكمال»، وهذا الكمال لله وحده. بمعنى أننا سنجد الأخطاء والنواقص في أي مكان كان بالضرورة، خاصة لأنها من صنع البشر، إذ هناك عمل يصيب أصحابه وعمل آخر يخطئون فيه، بغضّ النظر عن الدوافع.

هنا المعادلة المثالية تفيد بأن رصد الأخطاء، ومعالجة السلبيات هي من صفات المجتمعات التي تأخذ الإصلاح منهجاً، وتعتمد عملية التصحيح كاستراتيجيات بناء وتطوير. ما يعني أن التعامل مع الأخطاء وأية تجاوزات لابد وأن يتم، وألا يُترك الخطأ ليكبر ويتعاظم وبالتالي يصعب التعامل معه مستقبلاً، خاصة لو ارتبط بحقوق الناس، وضرورة أن توفى في اتجاهها الصحيح.

في البحرين أكرمنا الله بقيادة تسعى للإصلاح الدائم، جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه أطلق مشروعاً قرنه باسم الإصلاح، ورأينا كيف كانت جميع الخطوات إصلاحية وقادت البحرين لدخول أطوار متقدمة كمملكة دستورية يسود فيها حكم القانون. وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله عرفناه دوماً بسعيه للتطوير والقضاء على السلبيات والأخطاء، مع حرصه الدائم على مصلحة كل فرد، فأسميناه «ميزان العدالة»، ويعرف من تعامل معه واقترب منه حرصه على صون الحقوق، ورفضه للأخطاء التي تتعدى على الصالح العام.

لذلك أضرب المثل دوماً للكثيرين على «الجدية» في المعالجة، وعدم القبول بالأخطاء، بطريقة التعامل مع تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية، وكيف أنها الأداة المؤثرة المتاحة دستورياً للسلطة التشريعية لتمارس دورها الرقابي المكفول، إلا أن الحكومة تظل دائماً متفوقة في إجراءاتها الجادة للتعامل مع المخالفات التي تتعدى على المال العام، والتجاوزات الإدارية، وكيف أن الإجراءات تُتخذ بشكل فوري بتوجيهات من الأمير سلمان شخصياً، وكثير من القضايا أُحيلت للجهات القضائية وصدرت فيها أحكام، خاصة تلك التي تحاسب من استهتر بأمانة موقعه في العمل، وتساهل في حرصه على المال العام.

تستحضرني هذه الكلمات وأنا أتابع التفاصيل العديدة وفق السيناريو الطويل والمتشابك الذي يقترن بمسألة برنامج «خطوة»، هذا البرنامج الذي جاء بصورة مشرقة، وبهدف إنساني بحت، لكن للأسف بعد فترة من الزمن تم اكتشاف حالات فيها خيانة للأمانة، وتسهيل عمليات إجراءات فيها شبهات قانونية، وتسببت بالتالي بإيقاع ضرر على حق عام يمسنا جميعاً كمواطنين مسجلين في هيئة التأمينات الاجتماعية من دافعي الاشتراكات. والضرر هنا متمثل بصرف مبالغ دون وجه حق، بناء على إجراءات غير قانونية وتسببت فيها أشخاص تم إصدار أحكام قضائية بالسجن وتعويضات بعشرات الآلاف بحقهم، لأنهم استسهلوا عملية التزوير وعدم الالتزام بالإجراءات الصحيحة التي تمنح كل ذي حق حقه، وتمنع من لا حق له من التحصل على حقوق هي أصلاً لأشخاص آخرين، والأدهى بأن بعضهم يعلم للأسف بأن ما قدّمه مخالف للقانون، وينتقص من حق غيره.

لن أخوض في التفاصيل المتشعبة، لكننا أمام نتائج وصلت لها جهات رسمية عديدة دققت في المسألة، وفي الأوراق والإثباتات على رأسها ديوان الرقابة المالية والإدارية، وأثبتت وجود حالات تستحق وقامت بالإجراءات الصحيحة، وفي المقابل وجود حالات استفادت بسبب الإخلال بالأمانة من قِبل الذين حوكموا، وبالتالي وقع الضرر على المال العام الذي يدفعه أصحاب الاشتراكات الأخرى.

الإيجابي في تعامل الحكومة هنا مع الوضع تمثّل في مراعاة جميع الحالات، عبر الدعوة لتصحيح الأوضاع، ومنح الفرص للاستفادة من عمليات التسوية بما يمنح المعنيين حقاً في الحصول على علاوة التعطّل وفتح أبواب للتحصل على الوظائف المتاحة في قائمة وزارة العمل، وهذا تصرّف حكيم ورحيم، وقد يراه البعض بأنه سيجنّب البعض ممن يثبت استفادتهم من التزوير من المساءلة القانونية، وأن هذا غير مقبول باعتبار أن الخطأ لابد من التعامل معه بالقانون بغضّ النظر عن أية اعتبارات أخرى، لكن في المقابل أكرّر بأنه تصرّف حكيم ورحيم عبر إيقاف الخطأ وعدم تركه ليستفحل ويضرّ الآخرين، مع منح الفرصة لتصحيح أوضاع الكثيرين، مع العلم بأن الحكومة اضطرت لدفع مبلغ 9 ملايين و200 ألف دينار لتعويض الخسائر المترتبة من التزوير، وضمان عدم تأثر حقوق المتقاعدين والمشتركين من القطاعين العام والخاص.

قد تحصل أخطاء وتجاوزات، وقد يمضي عليها زمن بسبب طرائق إخفائها أو التستر عليها ممن يفترض بهم أن يكونوا أمناء على مواقعهم ومخرجات عملهم، وبالأخص لو ارتبط بالمال العام. وهنا حينما يأتي التصحيح لابد وأن يتفاعل معه الجميع إيجاباً، إذ إحقاق الحق ولو بعد حين هو الأمر المطلوب. وليس من المقبول لا ديناً ولا عُرفاً ولا بحسب القيم والمبادئ أن يُسكت عن التجاوزات والأخطاء إن اكتُشفت بعد حين، ولا يجوز في ديننا أن أقبلَ بمال حرام أو أستفيدَ من خيانة الأمانة والتجاوزات وأُبرّر لها فقط لأنها تصبّ في مصلحتي، والأفضل المبادرة للتصحيح، لا المكابرة في الخطأ والمتاجرة به أو استغلاله بما ينتقص حقوق الآخرين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق