ميشيل مشبك - ( تروث أوت) 30/1/2025
لا شيء سمعناه حتى الآن من الدولة الإسرائيلية يعطي الثقة في أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة سيستمر بعد المرحلة الأولى.اضافة اعلان
* * *
جلب اتفاق وقف إطلاق النار الهش وغير المكتمل الذي طال انتظاره بين إسرائيل و"حماس" قدرا كبيرا من الارتياح لملايين الفلسطينيين الذين كانوا تحت التهديد اليومي للغارات الجوية، والقصف والمجاعة القسرية على مدى أكثر من 15 شهرا.
كانت المشاهد العديدة للفلسطينيين وهم يحتفلون -صبي يرفع العلم الفلسطيني فوق أنقاض منزل عائلته المدمر؛ رجل عجوز يركع لتقبيل التراب عندما عاد إلى رفح؛ وصحفي يخلع سترته الصحفية بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار- شيئا يبعث الدفء في القلب.
ثمة بعض الأمل في أن يوقف هذا الاتفاق حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، ويؤدي إلى إطلاق سراح جميع الرهائن الذين تم احتجازهم في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وعشرات الآلاف من الرهائن الفلسطينيين الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية في ظل ظروف غير إنسانية إلى حد كبير.
يقول مسؤولون كبار في "حماس" أن الحركة تعتزم الالتزام الكامل باتفاق وقف إطلاق النار. وقال باسم نعيم، العضو البارز في المكتب السياسي لـ"حماس"، لموقع "دروب سايت Drop Site: "سوف نبذل أقصى الجهود لمنح هذه الصفقة فرصة للنجاح. إننا نبحث عن كيفية الحيلولة دون عودة الحرب مرة أخرى، وكيف نحمي شعبنا".
لكنه أضاف أن "حماس" مستعدة لبدء القتال مرة أخرى إذا ما انتهكت إسرائيل الاتفاق. وقال: "نحن نؤمن بأن هذه قضية عادلة ونضال عادل ولدينا كل الحق المكفول بموجب القانون الدولي في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل، بما في ذلك المقاومة المسلحة. إن ما نبحث عنه هو دولة مستقلة. وإذا تمكنا من الحصول عليها سياسيًا أو من خلال قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فهذه هي الطريقة الأفضل".
في الأثناء، لا شيء سمعناه حتى الآن من حكومة نتنياهو يعطي الثقة في أن الاتفاق سيدوم بعد المرحلة الأولى.
يتعامل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قاوم اتفاق وقف إطلاق النار لعدة أشهر، مع الاتفاق الموقع على أنه شيء لا يخطط لتنفيذه ولا الالتزام به. وفي خطاب متلفز، وصف وقف إطلاق النار بأنه "مؤقت". وأعلن في ذلك الخطاب الذي ألقاه في 18 كانون الثاني (يناير) أنه إذا لم تسر المفاوضات بشأن المرحلة الثانية على ما يرام، فإن إسرائيل تحتفظ بالحق في مواصلة هجومها على القطاع. وأضاف: "إذا احتجنا إلى استئناف القتال، فسوف نفعل ذلك بطرق جديدة وسنفعله بقوة كبيرة".
ثم، مباشرة بعد وقت قصير من دخول الاتفاق حيز التنفيذ وإطلاق إسرائيل سراح الدفعة الأولى المكونة من 90 أسيرا فلسطينيا مقابل ثلاثة رهائن إسرائيليين –وفي غضون ساعات من تنصيب الرئيس دونالد ترامب– أطلقت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية المحتلة، وقامت بمداهمة بلدات وقرى واعتقلت أكثر من 90 فلسطينيا.
هل يمكن أن تكون هذه العملية جزءا من صفقة أبرمها نتنياهو مع الأعضاء اليمينيين المتطرفين في الحكومة حتى لا يستقيلوا ويطيحوا بها؟
بحسب شبكة (سي. إن. إن) الإخبارية، قال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، وهو قومي يميني متطرف عارض وقف إطلاق النار في غزة، في بيان أصدره في 21 كانون الثاني (يناير) أن الأمن في الضفة الغربية قد أضيف إلى "أهداف الحرب" الإسرائيلية.
وفي منشور على منصة "إكس" كتب نتنياهو: "نحن نتصرف بشكل منهجي وحاسم ضد المحور الإيراني أينما وسَّع نفوذه –سواء كان ذلك في غزة أو لبنان أو سورية أو اليمن أو يهودا والسامرة- وجهودنا سوف تستمر".
ونقلت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" قوله إن العملية العسكرية في الضفة الغربية تهدف إلى "القضاء على الإرهاب" وأنها ستكون "واسعة النطاق ومهمة".
وفي حين استقال وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، من الحكومة احتجاجًا على اتفاق وقف إطلاق النار، قرر بتسلئيل سموتريتش إبقاء حزبه اليميني المتطرف، "الصهيونية الدينية" ضمن الائتلاف الحاكم بعد تلقيه تأكيدات بأن الهجوم الإبادي على غزة سيُستأنف عند نهاية المرحلة الأولى، بهدف "السيطرة التدريجية على كامل قطاع غزة."
وفي منشور على منصة "تلغرام"، قال سموتريتش: "انظروا إلى غزة، إنها مدمرة وغير صالحة للسكن، وستبقى على هذا النحو. لا تتأثروا بالفرح القسري لعدونا. قريبًا جدًا سنمحو ابتسامتهم مرة أخرى ونستبدلها بصرخات الحزن وبكاء أولئك الذين لم يتبق لهم شيء".
وقدر تحليل إحصائي نشرته المجلة الطبية البريطانية المحترمة، "ذا لانسيت،" أن أكثر من 64 ألف شخص قتلوا خلال الأشهر التسعة الأولى فقط من الحرب، كان أكثر من نصفهم من النساء والأطفال وكبار السن.
وحتى مع التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، دمرت القوات الإسرائيلية معظم الطرق والبنية التحتية في غزة خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية، مما سيجعل من الصعب جدًا إيصال المساعدات الإنسانية المطلوبة إلى أجزاء مختلفة من القطاع.
وقال كريس غانيس، مدير الاتصالات في "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا) من العام 2007 إلى العام 2020، في مقال نشر مؤخرا: "تسعون بالمائة من مجموع المساكن في غزة مدمر أو متضرر. سيعود الناس إلى الحُفر والمآوي المقصوفة والمدمرة حيث كانت منازلهم ذات مرة". وحذر من جهود الحكومة الإسرائيلية لحظر وطرد "الأونروا" -المنظمة الوحيدة القادرة على إيصال المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها في الأراضي المحتلة- وحث على أنه "يجب فتح جميع المعابر على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لدخول الغذاء والماء والأدوية ومنتجات النظافة الشخصية ومجموعة كاملة من المساعدات الإنسانية والمعدات".
وقالت غلوريا لازيتش، العاملة في "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية"، في مقطع فيديو نشرته الوكالة في 21 كانون الثاني (يناير): بينما يعود الفلسطينيون إلى منازلهم في الشمال، فإن "المنطقة مليئة بالقنابل والذخائر غير المنفجرة التي يجب التخلص منها، وليس لدى الناس وقت للانتظار. إنهم يريدون العودة إلى ديارهم".
وعود ربما يكون ترامب قد قطعها
سوف تحدد المرحلة الثانية من المفاوضات نجاح اتفاق وقف إطلاق النار وما إذا كان سيؤدي إلى انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من غزة.
وقالت ميراف زونزين، الخبيرة في شؤون إسرائيل وفلسطين في "مجموعة الأزمات الدولية" أن "إسرائيل جيدة جدا في خرق اتفاقات وقف إطلاق النار وجعل ذلك يبدو وكأنه لم يكن خطأها".
وقال دانيال ليفي، المفاوض الإسرائيلي السابق، لقناة "الجزيرة" أن من المرجح أن يواصل نتنياهو استفزازاته في محاولة "لتقويض" وقف إطلاق النار.
وأضاف ليفي: "يمكننا أن نتوقع جهودا مستمرة بهدف الاستفزاز ودفع هذه الصفقة إلى الانهيار. سوف نرى. أنا متأكد من أننا سنرى أشياء قبيحة تحدث في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بالإضافة إلى العدوان على الأونروا. هذا وضع هش لنكون فيه".
ثمة زعيمان قويان -لكل منهما سجل حافل من الأكاذيب والخداع- واللذان يمكن أن يجعلا السلام مؤقتًا: ترامب ونتنياهو.
في الحملة الانتخابية، وعد ترامب: "سوف نفعل الكثير لإسرائيل؛ سوف نهتم بإسرائيل". ومباشرة بعد تنصيبه، وقع الرئيس أمرا تنفيذيا يلغي العقوبات المفروضة على المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية الذين ارتكبوا جرائم عنف ضد الفلسطينيين.
كما أزال القيود التي كان قد فرضها سلفه الرئيس بايدن على إرسال تلك القنابل التي يبلغ وزن الواحدة منها 2.000 رطل إلى إسرائيل، والتي يمكن أن تمحو أحياء بأكملها. وأخشى أن نكتشف قريبا نوع الصفقة التي تم إبرامها بين ترامب ونتنياهو من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قبل تنصيب ترامب، وما هو الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون في الأشهر المقبلة.
هل وعد ترامب برفع العقوبات عن "بيغاسوس"، شركة المراقبة التي تصنع برمجيات التجسس، حتى تتمكن إسرائيل من تصديرها إلى دول استبدادية أخرى؟ هل وافق على دعم إسرائيل في الوقت الذي تحتفظ فيه بقوات في جنوب لبنان وجزء من سورية؟
هل وافق ترامب على زيادة عدد المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المسروقة في الضفة الغربية؟ أم أنه وعد بالسماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية في المستقبل، وهو قرار يفضله الشخص الذي عينه ترامب لمنصب السفير الأميركي لدى إسرائيل، المسيحي الإنجيلي الصهيوني المتطرف مايك هاكابي؟
من الواضح أن الفشل العالمي في وقف الإبادة الجماعية، والتواطؤ الغربي -سواء كان عسكريا أو ماليا أو دبلوماسيا- لا يعطي أي أمل للفلسطينيين في أن الهياكل الاستعمارية للقانون الدولي والمؤسسات الدولية، مثل "الأمم المتحدة" و"محكمة العدل الدولية" و"المحكمة الجنائية الدولية"، ستكون لديها القدرة والإرادة لحمايتهم وصون حقوقهم.
كما رأينا فعليًا، سوف يتأكد الكونغرس الأميركي من أن إسرائيل لن تخضع للمساءلة من "الأمم المتحدة" أو "محكمة العدل الدولية" أو "المحكمة الجنائية الدولية" أو أي مؤسسة دولية أخرى. وكان مجلس النواب الأميركي قد أقر، في 9 كانون الثاني (يناير)، "قانون التصدي للمحكمة غير الشرعية"، الذي يسعى إلى فرض عقوبات على مسؤولين في "المحكمة الجنائية الدولية" بسبب مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة في حق نتنياهو ويوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق. [لكن مجلس الشيوخ الأميركي لم يمرر مشروع القانون يوم الأربعاء].
أما أسوأ كابوس بالنسبة للفلسطينيين فهو أن يساعد ترامب في تسريع نهاية اللعبة التي تريدها إسرائيل، والمتمثلة في حل "ما عدا الدولة": إفراغ غزة من الفلسطينيين ومواصلة التطهير العرقي للضفة الغربية والقدس الشرقية -والآن جنوب لبنان وجزء من سورية- من أجل تحقيق هدفها النهائي المتمثل في إقامة دولة عرقية يهودية: "إسرائيل الكبرى". وسوف يزيد ذلك بلا شك من عدم الاستقرار لأنه سيثير غضبًا واضطرابات هائلة في المنطقة بأكملها وستكون له تداعيات عالمية.
لقد شهدنا بالفعل تحركا في هذا الاتجاه من خلال اقتراح أخير من ترامب يتماشى مع تحركات إسرائيل نحو التطهير العرقي لقطاع غزة. قال ترامب أن الوقت قد حان "لتطهير غزة" وحث قادة الدول المجاورة على استقبال الفلسطينيين.
وقال ترامب إنه كلب من مصر والأردن قبول فلسطينيي غزة لديهما، وقال ترامب للصحفيين عن غزة: "إنه حرفيا موقع هدم في الوقت الحالي. كل شيء تقريبًا مهدم والناس يموتون هناك".
ورد صحفي فلسطيني في غزة، على اقتراح ترامب في "ميدل إيست آي"، فكتب:
"لمدة 15 شهرًا، عشت ظروفًا تفوق الخيال. فقدت أعز أصدقائي ومنزلي وعمل حياتي، وما أزال صامدا على أرضي في الشمال. هذا ليس خيارًا. الفلسطينيون لن يغادروا أراضيهم. إنه جزء من هويتنا. … نحن شعب يستحق الاحترام. من المدهش أنه بعد كل المعاناة التي تحملناها، يمكن لرئيس بلد كبير أن يقترح ببساطة إبعادنا عن أرضنا".
محدوديات الصفقة
لم ينته الكابوس بالنسبة لأطفال غزة -أولئك الذين فقدوا آباءهم وأفراد أسرهم؛ أولئك الذين أصيبوا بتشويهات جسدية بسبب الغارات الجوي؛ وأولئك الذين سيصابون بصدمة لبقية حياتهم بسبب الموت والدمار الذي شهدوه بأعينهم، بمن فيهم الأطفال الذين أحرقوا أحياء في خيامهم أو أطلق النار عليهم على الرأس القناصة الإسرائيليون.
لن يهدأ الغضب من تواطؤ الحكومات الغربية في الإبادة الجماعية والتدمير الشامل لغزة -في المقام الأول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، بالتعاون مع وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية. من المرجح أن تكثف حركة التضامن العالمية المؤيدة للفلسطينيين التي حشدت الطلاب وجيل الشباب جهودها واحتجاجاتها في الأشهر المقبلة. من الدعوات لسحب الاستثمارات من مصنعي الأسلحة في حرم الجامعات إلى حملات "قولوا للكونغرس أن يتوقف عن تسليح إسرائيل" وحملات "المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات"، تنظم العديد من الجماعات المؤيدة للفلسطينيين أنشطة في مجتمعاتها من أجل غزة، على الرغم من محاولات إحباطها، والتي ستعيد القضية إلى دائرة الضوء. هؤلاء المتظاهرون هم أمواج النور في بحر من الظلام.
كان الوقف الفوري لإطلاق النار خطوة أولى ضرورية، لكنه لا يغير شيئًا يذكر من الواقع على الأرض عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي، وحصار غزة، والعنف اليومي الذي يعاني منه الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس الشرقية على أيدي الجنود الإسرائيليين والمستوطنين المسلحين.
في غياب العدالة والمساواة والحرية، ستستمر المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري طالما استمر الاحتلال والفصل العنصري. وهذا ينطبق على غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
لا يمكن لأي قدر من القصف أو القوة العسكرية أن يدمر المقاومة. إن حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال المستمر مكرس في القانون الدولي، بما في ذلك الحق في المقاومة المسلحة.
ومن دون معالجة الأسباب الجذرية للنضال -إنهاء الاحتلال والفصل العنصري- لن يكون هناك سلام في جنوب غرب آسيا، ولن يتمتع الإسرائيليون بالأمان ولا الأمن. ومن دون الحرية والمساواة للجميع من النهر إلى البحر، سيبقى كل فلسطيني رهينة تحت سيطرة إسرائيل.
*ميشال مشبك: كاتب ومحرر ومترجم وموسيقي فلسطيني أميركي. وهو مؤسس وناشر Interlink Publishing، وهي دار نشر مستقلة عمرها 38 عامًا ومقرها ماساتشوستس. في الآونة الأخيرة، قام بتحرير عدد الشتاء من مجلة "ماساتشوستس ريفيو"، بعنوان "المشهد من غزة" A View from Gaza
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Ceasefire So Far
لا شيء سمعناه حتى الآن من الدولة الإسرائيلية يعطي الثقة في أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة سيستمر بعد المرحلة الأولى.اضافة اعلان
* * *
جلب اتفاق وقف إطلاق النار الهش وغير المكتمل الذي طال انتظاره بين إسرائيل و"حماس" قدرا كبيرا من الارتياح لملايين الفلسطينيين الذين كانوا تحت التهديد اليومي للغارات الجوية، والقصف والمجاعة القسرية على مدى أكثر من 15 شهرا.
كانت المشاهد العديدة للفلسطينيين وهم يحتفلون -صبي يرفع العلم الفلسطيني فوق أنقاض منزل عائلته المدمر؛ رجل عجوز يركع لتقبيل التراب عندما عاد إلى رفح؛ وصحفي يخلع سترته الصحفية بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار- شيئا يبعث الدفء في القلب.
ثمة بعض الأمل في أن يوقف هذا الاتفاق حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، ويؤدي إلى إطلاق سراح جميع الرهائن الذين تم احتجازهم في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وعشرات الآلاف من الرهائن الفلسطينيين الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية في ظل ظروف غير إنسانية إلى حد كبير.
يقول مسؤولون كبار في "حماس" أن الحركة تعتزم الالتزام الكامل باتفاق وقف إطلاق النار. وقال باسم نعيم، العضو البارز في المكتب السياسي لـ"حماس"، لموقع "دروب سايت Drop Site: "سوف نبذل أقصى الجهود لمنح هذه الصفقة فرصة للنجاح. إننا نبحث عن كيفية الحيلولة دون عودة الحرب مرة أخرى، وكيف نحمي شعبنا".
لكنه أضاف أن "حماس" مستعدة لبدء القتال مرة أخرى إذا ما انتهكت إسرائيل الاتفاق. وقال: "نحن نؤمن بأن هذه قضية عادلة ونضال عادل ولدينا كل الحق المكفول بموجب القانون الدولي في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل، بما في ذلك المقاومة المسلحة. إن ما نبحث عنه هو دولة مستقلة. وإذا تمكنا من الحصول عليها سياسيًا أو من خلال قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فهذه هي الطريقة الأفضل".
في الأثناء، لا شيء سمعناه حتى الآن من حكومة نتنياهو يعطي الثقة في أن الاتفاق سيدوم بعد المرحلة الأولى.
يتعامل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قاوم اتفاق وقف إطلاق النار لعدة أشهر، مع الاتفاق الموقع على أنه شيء لا يخطط لتنفيذه ولا الالتزام به. وفي خطاب متلفز، وصف وقف إطلاق النار بأنه "مؤقت". وأعلن في ذلك الخطاب الذي ألقاه في 18 كانون الثاني (يناير) أنه إذا لم تسر المفاوضات بشأن المرحلة الثانية على ما يرام، فإن إسرائيل تحتفظ بالحق في مواصلة هجومها على القطاع. وأضاف: "إذا احتجنا إلى استئناف القتال، فسوف نفعل ذلك بطرق جديدة وسنفعله بقوة كبيرة".
ثم، مباشرة بعد وقت قصير من دخول الاتفاق حيز التنفيذ وإطلاق إسرائيل سراح الدفعة الأولى المكونة من 90 أسيرا فلسطينيا مقابل ثلاثة رهائن إسرائيليين –وفي غضون ساعات من تنصيب الرئيس دونالد ترامب– أطلقت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية المحتلة، وقامت بمداهمة بلدات وقرى واعتقلت أكثر من 90 فلسطينيا.
هل يمكن أن تكون هذه العملية جزءا من صفقة أبرمها نتنياهو مع الأعضاء اليمينيين المتطرفين في الحكومة حتى لا يستقيلوا ويطيحوا بها؟
بحسب شبكة (سي. إن. إن) الإخبارية، قال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، وهو قومي يميني متطرف عارض وقف إطلاق النار في غزة، في بيان أصدره في 21 كانون الثاني (يناير) أن الأمن في الضفة الغربية قد أضيف إلى "أهداف الحرب" الإسرائيلية.
وفي منشور على منصة "إكس" كتب نتنياهو: "نحن نتصرف بشكل منهجي وحاسم ضد المحور الإيراني أينما وسَّع نفوذه –سواء كان ذلك في غزة أو لبنان أو سورية أو اليمن أو يهودا والسامرة- وجهودنا سوف تستمر".
ونقلت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" قوله إن العملية العسكرية في الضفة الغربية تهدف إلى "القضاء على الإرهاب" وأنها ستكون "واسعة النطاق ومهمة".
وفي حين استقال وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، من الحكومة احتجاجًا على اتفاق وقف إطلاق النار، قرر بتسلئيل سموتريتش إبقاء حزبه اليميني المتطرف، "الصهيونية الدينية" ضمن الائتلاف الحاكم بعد تلقيه تأكيدات بأن الهجوم الإبادي على غزة سيُستأنف عند نهاية المرحلة الأولى، بهدف "السيطرة التدريجية على كامل قطاع غزة."
وفي منشور على منصة "تلغرام"، قال سموتريتش: "انظروا إلى غزة، إنها مدمرة وغير صالحة للسكن، وستبقى على هذا النحو. لا تتأثروا بالفرح القسري لعدونا. قريبًا جدًا سنمحو ابتسامتهم مرة أخرى ونستبدلها بصرخات الحزن وبكاء أولئك الذين لم يتبق لهم شيء".
وقدر تحليل إحصائي نشرته المجلة الطبية البريطانية المحترمة، "ذا لانسيت،" أن أكثر من 64 ألف شخص قتلوا خلال الأشهر التسعة الأولى فقط من الحرب، كان أكثر من نصفهم من النساء والأطفال وكبار السن.
وحتى مع التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، دمرت القوات الإسرائيلية معظم الطرق والبنية التحتية في غزة خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية، مما سيجعل من الصعب جدًا إيصال المساعدات الإنسانية المطلوبة إلى أجزاء مختلفة من القطاع.
وقال كريس غانيس، مدير الاتصالات في "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا) من العام 2007 إلى العام 2020، في مقال نشر مؤخرا: "تسعون بالمائة من مجموع المساكن في غزة مدمر أو متضرر. سيعود الناس إلى الحُفر والمآوي المقصوفة والمدمرة حيث كانت منازلهم ذات مرة". وحذر من جهود الحكومة الإسرائيلية لحظر وطرد "الأونروا" -المنظمة الوحيدة القادرة على إيصال المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها في الأراضي المحتلة- وحث على أنه "يجب فتح جميع المعابر على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لدخول الغذاء والماء والأدوية ومنتجات النظافة الشخصية ومجموعة كاملة من المساعدات الإنسانية والمعدات".
وقالت غلوريا لازيتش، العاملة في "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية"، في مقطع فيديو نشرته الوكالة في 21 كانون الثاني (يناير): بينما يعود الفلسطينيون إلى منازلهم في الشمال، فإن "المنطقة مليئة بالقنابل والذخائر غير المنفجرة التي يجب التخلص منها، وليس لدى الناس وقت للانتظار. إنهم يريدون العودة إلى ديارهم".
وعود ربما يكون ترامب قد قطعها
سوف تحدد المرحلة الثانية من المفاوضات نجاح اتفاق وقف إطلاق النار وما إذا كان سيؤدي إلى انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من غزة.
وقالت ميراف زونزين، الخبيرة في شؤون إسرائيل وفلسطين في "مجموعة الأزمات الدولية" أن "إسرائيل جيدة جدا في خرق اتفاقات وقف إطلاق النار وجعل ذلك يبدو وكأنه لم يكن خطأها".
وقال دانيال ليفي، المفاوض الإسرائيلي السابق، لقناة "الجزيرة" أن من المرجح أن يواصل نتنياهو استفزازاته في محاولة "لتقويض" وقف إطلاق النار.
وأضاف ليفي: "يمكننا أن نتوقع جهودا مستمرة بهدف الاستفزاز ودفع هذه الصفقة إلى الانهيار. سوف نرى. أنا متأكد من أننا سنرى أشياء قبيحة تحدث في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بالإضافة إلى العدوان على الأونروا. هذا وضع هش لنكون فيه".
ثمة زعيمان قويان -لكل منهما سجل حافل من الأكاذيب والخداع- واللذان يمكن أن يجعلا السلام مؤقتًا: ترامب ونتنياهو.
في الحملة الانتخابية، وعد ترامب: "سوف نفعل الكثير لإسرائيل؛ سوف نهتم بإسرائيل". ومباشرة بعد تنصيبه، وقع الرئيس أمرا تنفيذيا يلغي العقوبات المفروضة على المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية الذين ارتكبوا جرائم عنف ضد الفلسطينيين.
كما أزال القيود التي كان قد فرضها سلفه الرئيس بايدن على إرسال تلك القنابل التي يبلغ وزن الواحدة منها 2.000 رطل إلى إسرائيل، والتي يمكن أن تمحو أحياء بأكملها. وأخشى أن نكتشف قريبا نوع الصفقة التي تم إبرامها بين ترامب ونتنياهو من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قبل تنصيب ترامب، وما هو الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون في الأشهر المقبلة.
هل وعد ترامب برفع العقوبات عن "بيغاسوس"، شركة المراقبة التي تصنع برمجيات التجسس، حتى تتمكن إسرائيل من تصديرها إلى دول استبدادية أخرى؟ هل وافق على دعم إسرائيل في الوقت الذي تحتفظ فيه بقوات في جنوب لبنان وجزء من سورية؟
هل وافق ترامب على زيادة عدد المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المسروقة في الضفة الغربية؟ أم أنه وعد بالسماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية في المستقبل، وهو قرار يفضله الشخص الذي عينه ترامب لمنصب السفير الأميركي لدى إسرائيل، المسيحي الإنجيلي الصهيوني المتطرف مايك هاكابي؟
من الواضح أن الفشل العالمي في وقف الإبادة الجماعية، والتواطؤ الغربي -سواء كان عسكريا أو ماليا أو دبلوماسيا- لا يعطي أي أمل للفلسطينيين في أن الهياكل الاستعمارية للقانون الدولي والمؤسسات الدولية، مثل "الأمم المتحدة" و"محكمة العدل الدولية" و"المحكمة الجنائية الدولية"، ستكون لديها القدرة والإرادة لحمايتهم وصون حقوقهم.
كما رأينا فعليًا، سوف يتأكد الكونغرس الأميركي من أن إسرائيل لن تخضع للمساءلة من "الأمم المتحدة" أو "محكمة العدل الدولية" أو "المحكمة الجنائية الدولية" أو أي مؤسسة دولية أخرى. وكان مجلس النواب الأميركي قد أقر، في 9 كانون الثاني (يناير)، "قانون التصدي للمحكمة غير الشرعية"، الذي يسعى إلى فرض عقوبات على مسؤولين في "المحكمة الجنائية الدولية" بسبب مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة في حق نتنياهو ويوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق. [لكن مجلس الشيوخ الأميركي لم يمرر مشروع القانون يوم الأربعاء].
أما أسوأ كابوس بالنسبة للفلسطينيين فهو أن يساعد ترامب في تسريع نهاية اللعبة التي تريدها إسرائيل، والمتمثلة في حل "ما عدا الدولة": إفراغ غزة من الفلسطينيين ومواصلة التطهير العرقي للضفة الغربية والقدس الشرقية -والآن جنوب لبنان وجزء من سورية- من أجل تحقيق هدفها النهائي المتمثل في إقامة دولة عرقية يهودية: "إسرائيل الكبرى". وسوف يزيد ذلك بلا شك من عدم الاستقرار لأنه سيثير غضبًا واضطرابات هائلة في المنطقة بأكملها وستكون له تداعيات عالمية.
لقد شهدنا بالفعل تحركا في هذا الاتجاه من خلال اقتراح أخير من ترامب يتماشى مع تحركات إسرائيل نحو التطهير العرقي لقطاع غزة. قال ترامب أن الوقت قد حان "لتطهير غزة" وحث قادة الدول المجاورة على استقبال الفلسطينيين.
وقال ترامب إنه كلب من مصر والأردن قبول فلسطينيي غزة لديهما، وقال ترامب للصحفيين عن غزة: "إنه حرفيا موقع هدم في الوقت الحالي. كل شيء تقريبًا مهدم والناس يموتون هناك".
ورد صحفي فلسطيني في غزة، على اقتراح ترامب في "ميدل إيست آي"، فكتب:
"لمدة 15 شهرًا، عشت ظروفًا تفوق الخيال. فقدت أعز أصدقائي ومنزلي وعمل حياتي، وما أزال صامدا على أرضي في الشمال. هذا ليس خيارًا. الفلسطينيون لن يغادروا أراضيهم. إنه جزء من هويتنا. … نحن شعب يستحق الاحترام. من المدهش أنه بعد كل المعاناة التي تحملناها، يمكن لرئيس بلد كبير أن يقترح ببساطة إبعادنا عن أرضنا".
محدوديات الصفقة
لم ينته الكابوس بالنسبة لأطفال غزة -أولئك الذين فقدوا آباءهم وأفراد أسرهم؛ أولئك الذين أصيبوا بتشويهات جسدية بسبب الغارات الجوي؛ وأولئك الذين سيصابون بصدمة لبقية حياتهم بسبب الموت والدمار الذي شهدوه بأعينهم، بمن فيهم الأطفال الذين أحرقوا أحياء في خيامهم أو أطلق النار عليهم على الرأس القناصة الإسرائيليون.
لن يهدأ الغضب من تواطؤ الحكومات الغربية في الإبادة الجماعية والتدمير الشامل لغزة -في المقام الأول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، بالتعاون مع وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية. من المرجح أن تكثف حركة التضامن العالمية المؤيدة للفلسطينيين التي حشدت الطلاب وجيل الشباب جهودها واحتجاجاتها في الأشهر المقبلة. من الدعوات لسحب الاستثمارات من مصنعي الأسلحة في حرم الجامعات إلى حملات "قولوا للكونغرس أن يتوقف عن تسليح إسرائيل" وحملات "المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات"، تنظم العديد من الجماعات المؤيدة للفلسطينيين أنشطة في مجتمعاتها من أجل غزة، على الرغم من محاولات إحباطها، والتي ستعيد القضية إلى دائرة الضوء. هؤلاء المتظاهرون هم أمواج النور في بحر من الظلام.
كان الوقف الفوري لإطلاق النار خطوة أولى ضرورية، لكنه لا يغير شيئًا يذكر من الواقع على الأرض عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي، وحصار غزة، والعنف اليومي الذي يعاني منه الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس الشرقية على أيدي الجنود الإسرائيليين والمستوطنين المسلحين.
في غياب العدالة والمساواة والحرية، ستستمر المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري طالما استمر الاحتلال والفصل العنصري. وهذا ينطبق على غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
لا يمكن لأي قدر من القصف أو القوة العسكرية أن يدمر المقاومة. إن حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال المستمر مكرس في القانون الدولي، بما في ذلك الحق في المقاومة المسلحة.
ومن دون معالجة الأسباب الجذرية للنضال -إنهاء الاحتلال والفصل العنصري- لن يكون هناك سلام في جنوب غرب آسيا، ولن يتمتع الإسرائيليون بالأمان ولا الأمن. ومن دون الحرية والمساواة للجميع من النهر إلى البحر، سيبقى كل فلسطيني رهينة تحت سيطرة إسرائيل.
*ميشال مشبك: كاتب ومحرر ومترجم وموسيقي فلسطيني أميركي. وهو مؤسس وناشر Interlink Publishing، وهي دار نشر مستقلة عمرها 38 عامًا ومقرها ماساتشوستس. في الآونة الأخيرة، قام بتحرير عدد الشتاء من مجلة "ماساتشوستس ريفيو"، بعنوان "المشهد من غزة" A View from Gaza
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Ceasefire So Far
0 تعليق