جلال برجس يوظف الخيال والفنتازيا في "معزوفة اليوم السابع"

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان– يوظف الروائي الأردني جلال برجس الخيال والفنتازيا في روايته "معزوفة اليوم السابع"، الطبعة الأردنية، التي صدرت عن المؤسسة العربية، ودار الشروق للنشر والتوزيع في القاهرة. اضافة اعلان
أقيم حفل توقيع الرواية في منتدى مؤسسة عبد الحميد شومان الثقافي أول من أمس. وقد شهد الحدث حضور جمع من الكتاب والأدباء والمدعوين.
وقدم الناقد الدكتور عماد الضمور، رؤيته النقدية للرواية في حفل الإشهار الذي أدارته الناقدة الدكتورة ليديا راشد.
وقال الضمور: "إن رواية "معزوفة اليوم السابع" تبقى ذات عمق فكري وثراء فني باعث على الأسئلة القلقة المقلقة بطريقة خيالية مغايرة للمألوف، تتضمن رسائل عميقة، ومضمونا فلسفيا قابعا في أعماقها".
وأضاف، أن برجس في هذا العمل الروائي يحاول صياغة رؤية استشرافية للواقع الإنساني مؤكدا هوية ومرجعية إنسانية لا مفر منها، وهذا ما جسده الروائي في شخصيات روايته التي وظفها جيدا في تعميق فكرته الإنسانية. مبينا أن برجس، في هذه الرواية ينطلق إلى آفاق الرواية الجديدة، ورواية ما بعد الحداثة، إذ يوظف الخيال والفانتازيا في الرواية توظيفا إبداعيا يفسر الواقع، وينتج الأحداث ولم يسبب إبهاما وغموضا في القراءة.
ورأى الضمور، أن برجس يبدو في هذه الرواية فزعا منذ الصفحة الأولى، وقلقا مما ستؤول إليه البشرية في ظل تنامي صراعاتها، حيث تظهر ثنائية الخير والشر، فالرجل الطيب الذي انبثقت من ذريته شخصيات الرواية حرص على تدوين نصائحه في مخطوط، وصلت نسخته بعد وفاته إلى أحد أحفاده ممن عرفوا بالأمانة والقيم الإنسانية النبيلة، إنه (باختو) بطل الرواية، وباعث أفكارها في بقية شخوص الرواية. فقد كبرت القرية وأصبحت مدينة كبيرة إنها مدينة الجد الأول، التي نعثر فيها على أصحاب البشرة السوداء، والبشرة البيضاء، والبشرة التي تميل إلى الصفرة، وفي ذلك دلالة واضحة على عالمية مجتمع الرواية ورمزيته الكونية.
كما تحدث الضمور عن عناصر الرواية، حيث أشار إلى أنها تقوم على عناصر التشويق، من خلال حكاية مدينة مفترضة مكونة من أحياء عدة في داخلها، بينما هناك تجمع ضخم لغجر مطرودين منها. تصاب هذه المدينة، التي وصلت إلى مرحلة قصوى من تبدلات تضرب جذر المكون الإنساني، بوباء غريب ونادر يفضي، في واحد من أعراضه، بالمصابين إلى الوقوع في غرام الموت، وبالتالي تصبح على حافة الفناء، فيأتي الخلاص من جهة غير متوقعة.
وقال الضمور: "لقد ذهب بنا برجس في روايته إلى مكان افتراضي يتكون من مدينة تضم سبعة أحياء وهي مدينة تتسع للبشرية جمعاء، إذ يشعر كل قارئ للرواية أنه يسكن هذه المدينة، إنها فضاء العالم وأحلام ساكنيه في العيش بسلام واستقرار. إذ يشعر القارئ بأنه يعيش مع الروائي لحظة كتابة الرواية؛ لأن مهمة الأدب طرح الأسئلة العميقة وليس تقديم الحلول، إذ يستشرف جلال المستقبل ويدعو قرّاء الرواية لذلك".
ثم تحدث الضمور عن الزمان في الرواية الذي جاء مبهمًا كذلك للدلالة على اتساع هذا الزمان الذي تضيق فيه البشرية بالآلام والمعاناة، حيث الحروب والأوبئة والكوارث الطبيعية، فيبدأ الرواية: "في زمن ما، ضاقت قرية بأحد رجالها، لفرط ما تعاظمت فيها البغضاء والحسد، والضغائن بعد أن كان أهلها متحابين لا يفرق بين معظمهم إلا مشاغلهم اليومية"، وهذا ما يجعل القارئ للرواية لا يشعر بثقل الزمان الذي قام الروائي في تذويبه في البناء الروائي؛ فهو ماض بعيد، وحاضر مثقل بالأزمات والقلق، والذعر والشهوات العميقة، ومستقبل غامض، يطرح الروائي أسئلته العميقة التي تبحث عن إجابات تولدها القراءات المتعددة للرواية؟.
ثم انتقل الضمور للحديث عن البناء الروائي في "معزوفة اليوم السابع" بقوله، بنيت على ثلاث مراحل زمنية خفية غير مباشرة: "الماضي البعيد، والحاضر الملتبس، والمستقبل الغامض"، وجاءت بأسلوب رمزي غير معقد، بحيث تترك مجالات عديدة للقارئ بأن يؤولها كيفما يريد. 
وأشار الضمور إلى أن برجس جعل من شخوص الرواية مفتتحا سرديا لروايته بشخصية الرجل الطيب الحكيم الذي هجر القرية المتناحر أهلها برفقة فتاة فقيرة إلى كهف منعزل لتتناسل الشخوص من هذا الكهف منتجة مدينة بأحيائها السبعة، كذلك كانت نهاية الرواية بشخصيتين مركزيتين:( باختو) و(توليب)، وقد صعدا قمة الجبل حيث قبر الجد الأول، وفي ذلك مغزى إنسانيا عميقا. فالإبداع الحقيقي لشخوص الرواية يتجلى في المخطوط العتيق، والناي والطائر؛ مخطوط عتيق يتضمن ميراث الإنسانية من القيم النبيلة، وناي تنبعث من ثقوبه موسيقا عذبة يشفى كل مَنْ يسمعها من البشر المصابين بالوباء، وطائر أبيض أسطوري بين عينيه نقطة زرقاء مضيئة.
كما نوه الضمور إلى ظهور الموسيقا في هذه الرواية بخاصة المنبعثة من ثقوب الناي بوصفها شخصية أخرى مهمة في الرواية، وهي أحد أبطال هذا العمل، وجزء مهم في الرواية، ولا ننسى أن محاكاة الإنسان لأصوات الطبيعة كانت أول ما طرق أذن البشرية من أصوات مفعول عجيب لصوت الناي، يصيب كل مَن يسمعه بالدهشة، فعندما عزف (باختو) في الحي السادس بعث السلام والاستقرار، وأوقف الظلم والاستبداد.
من جانبه، تحدث الروائي جلال برجس عن تجربته في كتابة هذه الرواية قائلا: "لقد كتبت رواية "معزوفة اليوم السابع" عندما رأيت الحجم المرعب من التحولات العالمية التي باتت تهدد القيمة الإنسانية"، مشيرا إلى أن الرواية هي عبارة عن تقارب الموضوعات الإنسانية انطلاقا من تساؤل مربك: ما هي التبدلات التي ستطرأ علينا إن بقينا على هذا الحال من التضاؤل أمام ما يحدث لقيمنا الإنسانية أمام التغول عليها.
وأشار برجس إلى العزلة التي يضع نفسه فيها قبل البدء في كتابة أي رواية بقوله: "أنعزل لفترة من الوقت لإتمام كتابة الرواية بعد أن أجد فكرتها، وقبل أن أنعزل لأجل الكتابة، أراقب الإنسان في مختلف أنحاء العالم يومياً، حيث وجدت في خانة الضحية، من يعاني من تبعات الأزمات الاقتصادية والحروب وخلخلة المفاهيم الاجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية والدينية"، مشيرا إلى أن مراقبته للعالم والخوف الذي يعتريه، جعله يلاحظ أن الجاني والضحية يسيران معا نحو الهاوية بالسرعة نفسها، ومن هنا كان لزاما عليه أن يدعو في روايته إلى العودة نحو الأصل.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق