تقدم وزارة الصحة والسكان الدعم النفسى للمواطنين، من خلال الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، التى تعمل على توفير خدمات متكاملة فى مستشفياتها ومراكزها المتخصصة. فى هذا الحوار، تتحدث الدكتورة منن عبدالمقصود، أمين الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، عن جهود «الصحة» فى مواجهة الإدمان، سواء من خلال المبادرات الوقائية مثل «عيّد من غيرها»، التى تهدف إلى حماية المتعافين من الانتكاس فى المناسبات الاجتماعية، أو عن طريق استحداث تقنيات جديدة فى العلاج مثل «بدائل الأفيونات».
■ بداية.. كيف ترين وجود أمانة عامة للصحة النفسية تابعة لوزارة الصحة؟
- وزارة الصحة تتميز بوجود كيان مستقل متخصص فى الصحة النفسية وعلاج الإدمان ضمن هيكلها الأساسى، هو «الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان»، وهى إدارة غير موجودة بهذا الشكل المستقل فى كثير من الدول الأخرى، ما يجعل مصر رائدة فى هذا المجال المتخصص.
وجود هذه الإدارة يعكس اهتمام الدولة بالصحة النفسية، فى ظل دورها الكبير فى هذا المجال، فهى مسئولة عن وضع خطط وبرامج متخصصة، وتوفير دعم مباشر للمرضى النفسيين والمتعافين من الإدمان، فضلًا عن قيادة الجهود الوطنية فى مجال الوقاية من الإدمان، ونشر الوعى بأهمية الصحة النفسية.
■ للعام السابع على التوالى، واصلتم تنفيذ فعاليات مبادرة «عيّد من غيرها».. ما أهدافها الأساسية؟
- «عيّد من غيرها» مبادرة توعوية وقائية، تهدف بشكل أساسى إلى مقاومة ما يسمى بـ«الإدمان الشَرطى» أو «التعاطى الشَرطى»، وهو الميل إلى تعاطى المواد المخدرة أو الكحول فى الأعياد والمناسبات الاجتماعية.
تقوم الفكرة الأساسية للمبادرة على أن هذه المناسبات قد تكون مُحفزًا للبعض على العودة إلى الإدمان، أو تعاطى المخدرات للمرة الأولى، بسبب الضغط الاجتماعى أو التقاليد الخاطئة، لذا تم إطلاق المبادرة لمواجهة ذلك، فى سياق الجهود الوطنية المبذولة لمكافحة الإدمان، وهى جزء من مبادرة أكبر لوزارة الصحة ضد الإدمان، تحت مظلة المبادرة الرئاسية «صحتك سعادة» لدعم الصحة النفسية.
■ ما أبرز الفعاليات والأنشطة التى تتضمنها المبادرة؟
- تتضمن مبادرة «عيّد من غيرها» مجموعة من الفعاليات والأنشطة التى تهدف إلى توفير الدعم والوقاية للمتعافين من الإدمان والشباب المُعرَض للخطر، علمًا بأن كل هذه الفعاليات والأنشطة تُقدم بالمجان للمستفيدين، على رأسها إقامة معسكرات حماية للمتعافين داخل المستشفيات التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان.
هذه المعسكرات ليست مجرد أماكن إقامة، بل هى بيئة آمنة توفر الدعم النفسى والاجتماعى للمشاركين، وتُمارس فيها أنشطة ترفيهية عديدة، مثل حفلات الشواء والألعاب الجماعية، بالإضافة إلى أنشطة إبداعية مثل الأشغال اليدوية، فضلًا عن إتاحة فرصة لهم للقاء زملائهم فى التعافى، ومشاركة تجاربهم، ما يعزز من قدرتهم على مقاومة الإدمان خلال فترة الأعياد والمناسبات.
■ هل هناك فئات عمرية ومجتمعية بعينها تُعتبر أكثر عُرضة للإدمان؟
- نعم، هناك فئات عمرية ومجتمعية بعينها تُعتبر أكثر عُرضة للإدمان، تشمل بشكل أساسى الشباب والبالغين الصغار من ١٥ إلى ٣٠ سنة تقريبًا، فهذه الفئة العمرية تمر بمرحلة انتقالية من الطفولة إلى الشباب، وتتميز بالبحث عن الهوية والاستقلالية، لذا قد تكون أكثر عُرضة للتأثر بضغوط الأقران، وتجربة المواد المخدرة.
الحرفيون، أيضًا، قد يكونون أكثر عُرضة للإدمان بسبب طبيعة عملهم الشاقة، أو الظروف الاجتماعية التى يعيشونها، إلى جانب الأشخاص الذين يعانون تحديات فى مجتمعاتهم أو مشاكل اقتصادية، وقد يلجأون إلى الإدمان كهروب من الواقع الصعب، أو للتخفيف من الضغوط النفسية والاجتماعية، فضلًا عن الأشخاص الذين يمرون بأزمات حياتية، مثل فقدان أحد الأحباء، أو المشاكل الزوجية، أو البطالة، وفى نظرهم قد يكون الإدمان ملاذًا مؤقتًا للتخفيف من الألم.
كل هذه الفئات تعتبر أكثر هشاشة بسبب عوامل اجتماعية واقتصادية ونفسية، ما يزيد من احتمالية تعرضهم للإدمان.
■ فى رأيك، لماذا يتردد بعض الأشخاص فى طلب المساعدة النفسية للعلاج من الإدمان؟
- يأتى ترددهم بسبب الخوف من الوصمة المجتمعية، لأن المجتمع ينظر- فى كثير من الأحيان- إلى المرض النفسى والإدمان على أنهما وصمة عار أو ضعف فى الشخصية، وليس مرضين يمكن علاجهما.
هذه النظرة المجتمعية تؤدى إلى شعور المصابين بالخجل والعزلة، والخوف من هذه النظرة، ما يمنعهم من طلب المساعدة، بالإضافة إلى أنه قد تكون لدى البعض تصورات خاطئة عن العلاج النفسى، مع الاعتقاد بأنه غير فعال، أو أنه يقتصر على الحالات الشديدة فقط.
■ «عيّد من غيرها» تأتى ضمن المبادرة الرئاسية «صحتك سعادة» لدعم الصحة النفسية.. هل لك أن تطلعينا على هذه المبادرة الأكبر؟
- «صحتك سعادة» مبادرة لدعم الصحة النفسية وتعزيزها عن طريق سلسلة من البرامج والمسوح التى تستهدف مختلف الفئات العمرية والاحتياجات النفسية، وذلك على عدة محاور مهمة هى: مسح طيف التوحد للأطفال، ومكافحة وعلاج الإدمان، ومكافحة وعلاج إدمان استعمال الألعاب الإلكترونية، والدعم النفسى للسيدات الحوامل، والدعم النفسى لكبار السن، ودعم ذوى الأمراض المزمنة، ومسح شامل للاكتئاب والقلق، والدعم النفسى لمرضى الأورام السرطانية، وذلك ضمن المبادرة الأعم والأشمل «١٠٠ مليون صحة»، علمًا بأن جميع هذه الخدمات بالمجان.
■ هل تقتصر «صحتك سعادة» على علاج إدمان المخدرات والأدوية فقط؟
- لا تقتصر مبادرة «صحتك سعادة» على علاج إدمان المخدرات والأدوية فقط، بل تشمل أيضًا أنواعًا أخرى من الإدمان، مثل إدمان الإنترنت، وإدمان الألعاب الإلكترونية، وهى أنواع إدمان أصبحت منتشرة بشكل كبير فى العصر الحديث، وتؤثر سلبًا على صحة الشباب النفسية والاجتماعية والاقتصادية، كما يمكن أن تؤدى إلى مشاكل أخرى مثل القمار الإلكترونى، ما يستدعى ضرورة التعامل معها ضمن جهود مكافحة الإدمان.
■ ما أبرز الخدمات التى تقدمها «المنصة الوطنية للصحة النفسية»؟
- تقدم «المنصة الوطنية للصحة النفسية» مجموعة متنوعة من الخدمات، منها توفير معلومات دقيقة وموثوقة حول الصحة النفسية والإدمان، وأساليب العلاج والوقاية. المنصة تتيح للأفراد حجز مواعيد مع معالجين نفسيين متخصصين عبر الفيديو، ما يوفر لهم الخصوصية والراحة والمرونة.
كما يمكن للأفراد إجراء اختبارات بسيطة لتقييم حالتهم النفسية، وتحديد ما إذا كانوا بحاجة إلى طلب المساعدة، فضلًا عن توفيرها دعمًا ومتابعة مستمرة للمرضى خلال فترة العلاج. ويمكن للأفراد الاستفادة من هذه الخدمات عبر الدخول إلى المنصة على الإنترنت، والتسجيل بسهولة، ثم اختيار الخدمات التى تناسب احتياجاتهم.
ومنذ انطلاق «المنصة الوطنية للصحة النفسية»، فى مارس ٢٠٢٢، قدمت أكثر من ١٠ آلاف جلسة علاجية، وهو رقم يعكس الإقبال المتزايد على الخدمات التى تقدمها المنصة، وأهمية توفير خدمات علاجية سهلة ومُتاحة عبر الإنترنت، إلى جانب مدى الحاجة إلى هذه الخدمات فى المجتمع.
■ هل للأمانة دور فى تقديم الدعم للمرضى والمصابين الفلسطينيين الذين دخلوا مصر للعلاج؟
- نعم، تعمل وزارة الصحة والسكان، ممثلة فى الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، على تقديم الدعم النفسى لجميع المصابين والمرضى القادمين من قطاع غزة لتلقى العلاج فى المستشفيات المصرية، خاصة أن هذا الدعم يعد جزءًا أساسيًا من الرعاية الصحية المُقدَمة، نظرًا لما عاناه المصابون من أهوال الحرب، وفقدان ذويهم، وأحيانًا أطرافهم، وذلك بالتنسيق مع المحافظات المختلفة، لضمان تكامل الجهود، وتوفير جميع أشكال الرعاية للمصابين.
كيف تتعاملون مع التخوف من الوصمة المجتمعية؟
- تسعى وزارة الصحة للتغلب على هذا التخوف من الوصمة المجتمعية عبر عدة آليات، منها توعية المواطنين بأن الإدمان مرض قابل للعلاج، ونشر الوعى به من خلال حملات إعلامية ومحاضرات وندوات، لتغيير الصورة النمطية عن الإدمان والمرض النفسى.
يتم، كذلك، توفير علاجات متطورة وفعالة وحديثة، مثل العلاج بـ«بدائل الأفيونات»، التى تساعد المرضى فى استعادة حياتهم بشكل طبيعى، فضلًا عن توفير خدمات سرية وآمنة لضمان عدم تعرض المرضى للوصم أو التمييز.
وبالفعل، بدأت هذه الآليات فى تحقيق بعض النجاح، الذى تمثل فى ازدياد الوعى بأهمية الصحة النفسية، وتزايد إقبال الأشخاص على طلب المساعدة والعلاج.
0 تعليق