العقل الاصطناعي وسياسة القوة

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في زمن يذوب فيه الفضاء بين الواقعي والافتراضي، وتتحول البيانات إلى سلاح صامت يُعيد تشكيل خريطة الهيمنة العالمية، تبرز شركات مثل DeepSeek الصينية كفاعل رئيس في معادلة القوة الجديدة لكن هذه المرة، ليس عبر الصواريخ أو الحروب التجارية، بل عبر ذكاء اصطناعي يخترق الحدود ويُعيد تعريف مفهوم "السيادة" في القرن الحادي والعشرين.

لا تُخفي DeepSeek طموحها في بناء عقل آلي قادر على مجاراة الإبداع البشري بل وتجاوزه، من تحليل البيانات الضخمة إلى توليد نصوص تُحاكي العبقرية الإنسانية، تُصارع الشركة الصينية — بدهاء شرقي — لاحتلال قمة الهرم في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي. لكن هذا الطموح التكنولوجي لا يعيش في فراغ ففي الغرب، حيث تُدار لعبة السياسة بأموال السيلكون فالي، تلوح في الأفق تحالفات غريبة بين قطب التقنية وأقطاب السياسة.

عندما أعلن إيلون ماسك —إمبراطور تسلا وسبيس إكس— دعمه العلني لترامب في سباق البيت الأبيض، لم يكن الأمر مجرد تحول في التحالفات الحزبية، بل إشارة إلى زواج مصلحي بين التكنولوجيا والقومية الشعبوية. فترامب، بخطابه الحمائي المناهض للصين، يقدم نفسه كحاميٍ للهيمنة الأمريكية على التقنية، بينما يرى ماسك —وغيره من أقطاب التكنولوجيا— في هذا التحالف ضمانةً لتفادي القيود التنظيمية، وتأمين مصالحهم في سوق يُهيمن عليها الخصم الصيني.

هنا، تطفو DeepSeek كرمز لإشكالية هذا التحالف، فبينما تُسرع الصين في تطوير ذكاء اصطناعي "غير خاضعٍ لأخلاقيات الغرب"، كما يردد بعض النقاد، تُصبح الشركات الصينية كبش فداء في خطاب ترامب، بينما تُدار المفاوضات الحقيقية في الكواليس: كيف يُمكن للتقنية الأمريكية أن تتعايش مع المنافس الصيني، دون أن تفقد السيطرة؟

وبعودة ترامب إلى البيت الأبيض، بدأ في رسم قواعد اللعبة، حرب باردة تكنولوجية من خلال تشديد القيود على تصدير الرقائق والبرمجيات إلى الصين، مع محاولة خنق شركات مثل DeepSeek عبر العقوبات وتعاون غير معلن بين شركات التكنولوجيا الأمريكية لدعم السياسات المناهضة للصين، مقابل حصولها على مزايا ضريبية وتنظيمية.

لكن DeepSeek —كأي لاعب ذكي— قد تُحوِّل التهديد إلى فرصة ففي عالم تزداد فيه القيود على تدفق البيانات عبر المحيط الهادئ، قد تنجح الشركة في تعزيز نفوذها عبر آسيا وأفريقيا، مُستفيدة من الفراغ الذي تخلقه السياسات الأمريكية العدائية.

السيناريو الأكثر قتامة هو أن يتحول الذكاء الاصطناعي ذلك الطفل المعجزة إلى رهينة في صراع القوى العظمى. أما الأمل، فيكمن في أن تُدرك الشركات من DeepSeek إلى غوغل أن احتكار التكنولوجيا لا يختلف عن احتكار السلاح، فالتقدم العلمي ليس ملكاً لـ"معسكر"، بل هو إرث بشري يحتاج إلى حوكمة عالمية تعيد للعلماء دورهم كسفراء للعقل، لا كجنود في حروب السياسيين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق