السبيل – خاص
منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها الحديث عن مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة، جاء الموقف الأردني حاسماً في رفضه، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي.
ولم يدع الملك عبد الله الثاني مجالاً للشك حين أعلن صراحة أن تهجير الفلسطينيين “خط أحمر”، مؤكداً أن الأردن لن يكون طرفاً في أي مخطط يستهدف اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، ولن يسمح بتحويله إلى ملجأ قسري لمن يراد لهم مغادرة وطنهم تحت الضغط الإسرائيلي والأمريكي.
بدورها؛ تبنّت الحكومة خطاباً حازماً، حيث شدد وزير الخارجية أيمن الصفدي على أن أي محاولة لفرض التهجير القسري هي جريمة حرب، وأن الأردن لن يقبل بأن يكون جزءاً من هذه الجريمة.
وجاءت التصريحات الرسمية منسجمة مع الموقف العربي الأوسع، حيث أكدت السعودية ومصر رفضهما القاطع لمشروع التهجير الذي يحاول ترامب ونتنياهو فرضه كأمر واقع في المنطقة.
على المستوى الشعبي؛ كان الرد الأردني أكثر حدة ووضوحاً، حيث خرجت مظاهرات غاضبة في العاصمة عمان وعدة مدن أخرى، رافضة أي فكرة لتهجير الفلسطينيين، ومؤكدة أن الشعب الأردني يقف صفاً واحداً في وجه هذه المؤامرة.
ولم يكن الغضب مجرد رد فعل على المخططات السياسية، بل جاء تعبيراً عن قناعة راسخة لدى الأردنيين بأن السماح بتمرير هذه الخطط يعني ليس فقط تصفية القضية الفلسطينية، ولكن أيضاً تهديد الأمن القومي الأردني وخلق أزمات سياسية واجتماعية خطيرة.
المخاوف الأردنية ليست بلا أساس، فالذاكرة التاريخية ما زالت تحمل مشاهد موجات اللجوء السابقة، سواء بعد نكبة 1948 أو نكسة 1967، والتي أحدثت تغييرات جذرية في تركيبة المنطقة، وأثرت على الأردن بشكل مباشر.
واليوم؛ يجد الأردن نفسه أمام تحدٍّ جديد، حيث يدرك أن أي تهجير جديد للفلسطينيين لن يكون مجرد قضية إنسانية، بل سيشكل خطراً استراتيجياً على استقراره الداخلي.
ويواجه الموقف الأردني، رغم قوته، تعقيدات كبيرة، خاصة مع وجود ضغوط أمريكية هائلة على عمان، حيث تم ربط المساعدات الأمريكية بمواقف سياسية معينة، وهو أسلوب اعتادت إدارة ترامب استخدامه للضغط على الدول التي ترفض سياساتها.
ورغم كل هذه الضغوط؛ يدرك الأردن أن القبول بمثل هذه الخطة يعني تورطه في جريمة تهجير الفلسطينيين، وهو ما لن يسمح به، حتى لو كان الثمن مواجهة مفتوحة مع القوى الكبرى.
في ظل هذا التصعيد؛ يبقى السؤال المطروح: ماذا بعد؟ هل ستواصل “إسرائيل” والإدارة الأمريكية الضغط لتنفيذ مخطط التهجير بالقوة؟ وهل يمكن أن يتطور الرفض الأردني إلى خطوات أكثر تصعيداً، مثل إلغاء بعض الاتفاقيات مع الاحتلال، أو حتى الدخول في مواجهة مباشرة إذا حاولت “إسرائيل” فرض التهجير بالقوة؟
ما هو مؤكد حتى الآن؛ أن الأردن – قيادة وشعباً – قد حسم موقفه: لا لتهجير الفلسطينيين، لا لخدمة مشاريع الاحتلال، ولا لأي محاولة لإعادة رسم خارطة المنطقة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
الأيام القادمة قد تكون حاسمة، لكن ما يبدو واضحاً هو أن الأردن لن يسمح بأن يكون جزءاً من هذه المؤامرة، مهما كانت التحديات والضغوط.
0 تعليق