القضاء.. إصلاحات تعزز الحقوق والعدالة وتعيد بناء علاقة المواطن بالدولة

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان – شهدت المنظومة التشريعية في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، إصلاحات واسعة عززت حقوق المواطنين، وأعادت بناء علاقة المواطن بالدولة على أسس العدالة الشاملة، وقد تزامن ذلك مع تطوير الإجراءات والآليات الضامنة لإنفاذ القانون وسيادته، كي يعمل القانون من أجل الجميع ويطبق على الجميع.اضافة اعلان
وقد كان لهذه الإصلاحات التي تجلت فيها الإنجازات منذ تسلم جلالة الملك سلطاته الدستورية قبل 26 عاما وحتى يومنا هذا،  أكبر الأثر في تكريس العدالة وسيادة القانون واستقلال القضاء، وتعزيز الحقوق، وإعادة بناء علاقة المواطن بالدولة على أسس من العدالة الشاملة.
ويذكر كتاب "الانتقال الكبير"، الذي يرصد ما شهدته المملكة من تطورات في عهد جلالته، أن المنظومة التشريعية الوطنية خلال فترة حكم جلالته، حققت نقلات نوعية وتقدمت خطوات متسارعة، قادها تطوير يواكب مقتضيات العصر، إذ شهد الدستور تعديلات في 4 محطات رئيسة خلال الربع الأول من هذا القرن، أولاهما أقر في العام 2011 وشمل 38 مادة، وشكل إنشاء المحكمة الدستورية نقطة تحول كبيرة في الحياة التشريعية، إذ أريد لها أن تكون مرجعية لمؤسسات الدولة، وأداة أساسية ومستقلة، لمنع تغول السلطات على بعضها؛ ما يعزز مبدأ الفصل بين السلطات، والدفاع عن الحريات والحقوق التي تضمنها الدستور.
وفي العامين 2014 و2016، شهد الدستور محطتي تعديلات، نصت على توسيع صلاحيات الهيئة المستقلة للانتخاب، لتشمل: إدارة الانتخابات البلدية وأي انتخابات عامة، وفقا لأحكام القانون، وأبقت لجلالة الملك صلاحية تعيين مديري المؤسسات الأمنية وقائد الجيش وولي العهد ونائب الملك، مع تعديل آليتها في سياق تهيئة بيئة دستورية مناسبة للإصلاحات السياسية، والنأي بهذه المناصب عن التجاذبات الحزبية والسياسية للحفاظ على حيادها، أما المحطة الأخيرة، من التعديلات الدستورية فكانت في العام 2022، استجابة لمتطلبات منظومة التحديث السياسي.
وأكد "الانتقال الكبير"، على تطور التشريعات بمستوياتها المتعددة، سواء بالشمول أو بجودة التشريعات، واستطاع المشرع الوصول للكثير من القضايا والظواهر التي شكلت فجوات في السابق، أو لم تجر معالجتها بوضوح، بما يستجيب لتطور المجتمع وحاجاته، إلى جانب تحسنها الكبير في صياغة القوانين والأنظمة والكفاءة، مثل التشريعات: الناظمة لحقوق المواطنين والحريات العامة، والحياتين الاجتماعية والسياسية، بالإضافة للتشريعات الكفيلة بالتعامل مع البيئة التكنولوجية والرقمية، الكفيلة بتطوير الحياة الاقتصادية والاستثمار، والعدالة، وقطاعات الخدمات الأساسية.
وبين الكتاب، أن الحكومات والمؤسسات التشريعية في هذه المرحلة، سعت للتغلب على إشكاليات تشريعية ومعالجتها، ومن أبرز إنجازاتها في هذا الجانب، التخلص من عبء القوانين المؤقتة التي اضطرت الحكومات لسنها في مراحل غياب مجلس النواب، فقد شكلت معضلة دستورية حتى العام 2011 عندما جرى تعديل المادة (94) من الدستور، وبموجب التعديل، حصرت حالات الضرورة التي تجيز للحكومة إصدار قوانين مؤقتة عند حل المجلس، لتشمل الكوارث العامة، وحالة الحرب والطوارئ، والحاجة إلى نفقات ضرورية مستعجلة، لا تحتمل التأجيل، على ن تعرض هذه القوانين على المجلس في أول اجتماع يعقده، للبت فيها خلال دورتين عاديتين متتاليتين من تاريخ إحالتها.
ومنذ العام 2011، تراجع إصدار القوانين المؤقتة بشكل كبير، في وقت أقر فيه مجلس النواب معظم القوانين المؤقتة التي صدرت في السابق.
كما جرى تجاوز تضخم الكتلة التشريعية، جراء تراكم التشريعات القديمة، وتكرار التعديلات التشريعية، ما أدى لإرباك التطبيق، فاتخذت إجراءات تشريعية للحد من هذا التضخم، وجرى تحسين جودة الصياغة التشريعية في إعداد مشاريع القوانين، وفق منهجية تراعي الدقة والوضوح والاختصار والدمج. وعلى هذا الأساس؛ طور ديوان التشريع والرأي منهجا موحدا لضبط صياغة التشريعات وجودتها، وأصدر مجموعة من الأدلة، كما جرى في هذه المرحلة، الحد من القوانين المنسوخة أو المترجمة.
وفي سيادة القانون واستقلال القضاء، أشار كتاب "الانتقال الكبير" إلى أن هذا الجانب حظي باهتمام الدولة، وشهد مبادرات تطويرية متعددة من جلالة الملك في الربع الأول من القرن الحالي، فتعززت استقلالية القضاء، وأظهر تميزه بين هياكل الدولة الأخرى.
ووفقا للكتاب، بدأت أولى خطط تطوير القضاء في مستهل العهد الجديد عندما أمر جلالته بتشكيل لجنة ملكية لتطوير القضاء والأجهزة المساندة في العام 2000، لتقدم خطة شاملة لـ3 أعوام، شملت تعليم وبناء قدرات القضاة، ومراجعة أوضاع المحاكم، وتحديث النظام القضائي.
وكان من أبرز مخرجات الخطة زيادة أعداد القضاة، وتنفيذ خطة لتدريبهم، تحديدا في تكنولوجيا المعلومات واللغات، والتوسع بإنشاء المحاكم، وتنفيذ تعديلات تشريعية، بينها إجراء تعديلات على قوانين: استقلال القضاء وتشكيل المحاكم النظامية، وأصول المحاكمات الجزائية، والكاتب العدل، والبينات، ومحاكم الصلح، وأصول المحاكمات المدنية، والأحداث، والإجراء، والتحكيم وعدة أنظمة.
ووضعت أول إستراتيجية لتطوير القضاء بين العامين 2004 و2006، شملت 11 هدفا إستراتيجيا وخطة تنفيذية، أبرز مخرجاتها بدء حوسبة إجراءات التقاضي في المحاكم، وإقرار أول مدونة سلوك قضائي، وتشكيل لجنة دائمة لقواعد السلوك والمساءلة، وإنجاز مراجعة معايير التفتيش القضائي وتحديثها، وتطوير شؤون الوساطة القضائية، وإنشاء قسم لإدارة الدعاوى المدنية، ووضع خطة لإنشاء مبان للمحاكم بدل المستأجرة.
وكان من أبرز مخرجات المرحلة الأولى لتطوير القضاء، إدخال الحوسبة للمرة الأولى في أعمال القضاء، وتعديل قانون أصول المحاكمات المدنية في العام 2002، بما يضمن تبني نظام إدارة الدعوى المدنية على غرار ما هو مطبق في دول متقدمة.
 وكذلك تبني سياسة الحلول البديلة للمنازعات بتطبيق قانون الوساطة لتسوية المنازعات المدنية في العام 2003، وإصدار أول مدونة لقواعد السلوك القضائي في العام 2005، انسجاما مع "قواعد بانجلور" للسلوك القضائي في العام 2002.
كما أصدرت قوانين: تشكيل المحاكم النظامية رقم (17) لسنة 2001، ومعدل البينات رقم (16) لسنة 2005، والتنفيذ رقم (25) لسنة 2007، وتعديل قوانين وتشريعات ناظمة للتقاضي، منها قانونا: معدل محاكم الصلح رقم (30) لسنة 2008، وأصول المحاكمات الجزائية.
كما كان من مخرجاتها، زيادة عدد القضاة وتعزيز قدراتهم وتأهيلهم على أسس علمية وأكاديمية، بابتعاث بعضهم للدراسات العليا ولدورات متخصصة في المملكة وخارجها، وتبني نظام قضاة المستقبل، لاستقطاب الأوائل من خريجي الثانوية العامة والجامعات، وإعدادهم وتأهيلهم أكاديميا وعلميا، تمهيدا لتوليهم منصب القضاء.
أما المرحلة الثانية من تطوير القضاء، فبدأت - وفقا للكتاب - في العام 2011، بموجب التعديلات الدستورية التي أجريت في ذلك العام، وشملت تضمين الدستور نصا صريحا، يرسخ مبدأ استقلال القضاء؛ ما شكل علامة مهمة في تاريخ القضاء، كما رسخت مبادئ أساسية ضامنة لاستقلال القضاء وحق التقاضي، منها الأحكام المعدلة للمادة (27) من الدستور التي رسخت مبدأ أساسيا، هو أن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر الأحكام وفق القانون باسم جلالة الملك.
وصدرت في ضوء ذلك، تشريعات أخرى كرست مبدأ استقلال القضاء، أبرزها قانون استقلال القضاء رقم (29) لسنة 2014 وتعديلاته، وفي العام 2015 صدر نظام التفتيش القضائي على المحاكم النظامية 43 لسنة 2015 وتعديلاته.
وأنشأت هذه التعديلات، قضاء إداريا على درجتين، بموجب أحكام المادة (100) المعدلة من الدستور، وألغي العمل بقانون محكمة العدل العليا بموجب قانون القضاء الإداري رقم (27) لسنة 2014 الذي نص على أن ينشأ في المملكة قضاء يسمى "القضاء الإداري"، يتكون من المحكمتين الإدارية والإدارية العليا.
وحصرت صلاحيات محكمة أمن الدولة ضمن أحكام الدستور بـ5 جرائم هي: الخيانة والتجسس والإرهاب والمخدرات وتزييف العملة؛ ما يُعد خطوة جريئة في الإصلاح، ويؤسس لحالة قضائية صحية جديدة، تعزز دور القضاء المدني، وتوفر مزيدا من الضمانات للحريات العامة، واستمر التصميم الملكي على تحقيق الانتقال، نحو مرفق وطني للعدالة، يتمتع بالكفاءة والحداثة، ويطبق أفضل الممارسات العالمية.
ومن الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك، كانت المرحلة الثالثة من تطوير القضاء، إذ نصت حول الإجراءات القضائية بأنها "ما تزال تأخذ وقتا طويلا، وهناك نقص في الكادر الوظيفي ونقص في الخبرات النوعية الخاصة ببعض القضايا، وغيرها من تحديات تؤثر على أداء الجهاز وحقوق المواطن أو المستثمر"، داعية لوضع إستراتيجية واضحة للسنوات المقبلة، تعمل على صيانة وتطوير مرفق القضاء وسائر الأجهزة المساندة له، وتعزز البيئة القضائية الفاعلة والنزيهة، وتهيئ بنية مؤسسية عصرية تليق بالقضاء، وتوفر كوادر خبيرة ومتخصصة، وتطوير سياسات وتشريعات لتسريع التقاضي وتيسيره والارتقاء به.
ومع بداية هذه المرحلة، أمر جلالة الملك بتشكيل اللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون في العام 2016، وفي مطلع العام 2017 انتهت اللجنة من وضع توصياتها ضمن 4 أهداف إستراتيجية هي: توطيد استقلال القضاء وتحديث الإدارة القضائية، وتحديث العدالة الجزائية وتطويرها وتنفيذ الأحكام، وتحديث إجراءات الدعاوى الحقوقية وتنفيذ الأحكام.
وأمر جلالة الملك بتنفيذ التوصيات كما وردت، وعُقدت دورة استثنائية خاصة لمجلس الأمة من أجل إصدار التشريعات المطلوبة، ونفذ المجلس القضائي جميع التوصيات المطلوبة منه، وبالتزامن مع ذلك، تعاونت وزارة العدل مع المجلس القضائي ونقابة المحامين، ووزارة التخطيط بوضع خطة إستراتيجية جديدة لقطاع العدالة بين العامين 2017 و2021، تضمنت 6 أهداف إستراتيجية و90 مشروعا.
وكان من أبرز مخرجات ونتائج تلك المرحلة، تعديل قانون استقلال القضاء، بما يحقق استقلاله المالي والإداري، وتعزيز استقلال القضاة، وتحسين ظروفهم المعيشية، بتعديل نظام الخدمة القضائية، وإصدار عدة تعليمات.
كما جرى ربط المعهد القضائي برئيس المجلس القضائي، وأعيد النظر في الخطة الأكاديمية لبرنامج دبلوم المعهد القضائي، وتطوير الخطط التدريبية المستمرة للقضاة، والوصول بها إلى خطط تدريبية متخصصة بمنهجيات تقييم متطورة.
 وأصدرت أول موازنة مالية للمجلس القضائي بفصل مستقل في موازنة الدولة العامة للعام 2019، تشمل ميزانية رواتب القضاة في العام 2020 وميزانية المعهد القضائي في العام 2021.
وبالإضافة للمخرجات السابقة، جرى تطوير عمل النيابة العامة التي أصبحت بموجب القانون المعدل لقانون تشكيل المحاكم النظامية رقم (12) لسنة 2019، تشمل النيابة العامة الضريبية والجمركية، إذ عين قاض باسم النائب العام لدى محكمتي: الاستئناف الضريبية والجمارك الاستئنافية، يمارس الصلاحيات المعينة له في قانون أصول المحاكمات الجزائية، وصلاحيات الوكيل العام المنصوص عليها في قانون إدارة قضايا الدولة وغيرهما من القوانين.
كما أنشأت الدولة غرفة اقتصادية في محكمتي بداية عمان واستئناف عمان، وتخصيص هيئة قضائية لدى محكمة التمييز، تعنى بقضايا الغرفة، كما تشكلت اللجنة الوطنية للعدالة الجزائية، لتفعيل دور السياسة الجزائية الوقائية للحد من الجرائم، وتطوير منظومة العدالة الجزائية، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، والحد من المساس بالحرية في الإجراءات الضرورية، للتحقيق والمحاكمة وتنفيذ العقوبة، وتبني نظام بدائل العقوبات السالبة للحرية والتعديلات التي أجريت على قانون العقوبات، والتي تحقق أهداف بدائل التوقيف ذاتها، بقيام المحكوم عليه بالخدمة المجتمعية بإلزام عمل غير مدفوع الأجر لخدمة المجتمع لمدة تحددها المحكمة، وغيرها من بدائل العقوبات السالبة للحرية التي يجري تنفيذها لدى جهات رسمية ووطنية ومحلية، ومراكز التدريب المهني، وترتبط بمذكرات تفاهم مع وزارة العدل.
وكان من المخرجات أيضا، دمج محاكم بداية عمان في محكمة بداية واحدة، وإنشاء محكمة جنايات واحدة، تتولى النظر في الجنايات الواقعة ضمن اختصاص محافظة العاصمة، مع الإبقاء على محاكم الصلح المنتشرة في المحافظات، وإنشاء مبنى محكمة استئناف عمان.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق