"ألف ليلة وليلة" حكاياتنا العربية الأسطورية في عرض "باليه"

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قدم مسرح "بريمورشكي" في فلاديفوستوك التابع لمسرح المارينسكي الروسي عرض "ألف ليلة وليلة.. باليه فكرت أميروف" وذلك على خشبة دار الأوبرا السلطانية مسقط على مدى يومي، أمس الخميس، واليوم الجمعة.

ويعد العمل استكمالا للعرض الكلاسيكي "ألف ليلة وليلة.. باليه فكرت أميروف" الذي شهد أول عرض له في الحادي عشر من يناير 1979 وذلك على مسرح الأوبرا والباليه الأكاديمي الوطني في باكو عاصمة أذربيجان، ويأتي اليوم برؤية اخراجية معاصرة بمعية مسرح "بريمورشكي" التي قدمت العرض الأول منه وبهذه الرؤية في الرابع عشر من أغسطس على مسرحها في روسيا.

امتد العرض لحوالي ساعة ونصف في فصلين، تخللتهما استراحة لحوالي 20 دقيقة، وخلال هذه المدة قدم فريقين من المؤدين العرض الكلاسيكي الذي تحمل حكاية فريدة تناقلتها الألسن والكتب منذ عصور قديمة.

وأعداني عرض الباليه "ألف ليلة وليلة" إلى معلومة كنت قد سمعتها سابقا، تفيد بأن مؤدي الباليه لا يقدمون عرضين متتاليين في يومين، إذ قدمت شخصيات العرض يوم الخميس أسماء مختلفة عما قدموه في اليوم التالي، وعلى سبيل المثال أدت شخصية "شهرزاد" في اليوم الأول مؤدية الباليه "آنا ساموستريلوفا"، وفي اليوم التالي أدت الشخصية "إيرينا سابوجنيكوفا"، وأدى دور شهريار في اليوم الأول "سيرجي أومانيتس" وفي اليوم التالي "فيكتور موليجين"، وكهذا الحال بالنسبة لقبية الشخصيات الرئيسية المتمثلة -إضافة إلى شهرزاد وشهريار- في السندباد البحري، وعلاد الدين، والأميرة بدر البدور، والساحر ومرجانة، وعلي بابا و عثمان، أما بالنسبة للمجاميع فقط اشتركوا بكلا الليلتين.

أما حكاية الباليه فقد انقسمت إلى ثلاثة فصول، تناول الفصل الأول أجواء بلاط السلطان شهريار، حيث تبدأ القصة داخل قصره الفخم، المليء بالأبهة والثراء، لكنه يحمل في أركانه ظلال الحزن والخيانة، فالسلطان، الذي تعرض للخيانة من قبل زوجته، يقرر معاقبة النساء جميعًا انتقامًا لشرفه الجريح، فيعتمد تقليدًا قاسيًا يتمثل في الزواج بامرأة جديدة كل ليلة، ثم إعدامها فجرًا كي لا تتكرر الخيانة، في ظل هذا المصير المرعب، تتقدم شهرزاد، الحسناء الذكية، للزواج منه رغم إدراكها المصير المحتوم. لكنها تخطط لإنقاذ حياتها عبر سرد الحكايات المشوقة، فتقترح على السلطان أن تروي له كل ليلة قصة مشوقة، دون أن تنهيها، مما يدفعه إلى تأجيل تنفيذ حكم الإعدام لسماع بقية القصة في الليلة التالية، وهكذا، يتحول قصر السلطان من مكانٍ للرهبة والخوف إلى مسرحٍ لسرد الحكايات التي تحمل في طياتها الأمل والسحر.

فيما تناول الفصل الثاني عالم الحكايات، حيث تأخذنا شهرزاد إلى عوالم خيالية تنبض بالحياة، فبفضل خيالها الساحر والواسع، تنتقل خشبة المسرح إلى أماكن بعيدة مليئة بالمغامرات والأساطير، تتحول الحكايات إلى لوحات راقصة، يتجسد فيها أبطال الحكايات مثل السندباد البحري الذي يجوب البحار والمحيطات ويواجه وصائر مختلفة، والأميرة بدر البدور التي تتألق في عالمها السحري المليء بالمفاجآت، وعلاء الدين الذي يعثر على المصباح العجيب فيحقق له أمانه، وعلي بابا الذي يواجه الأربعين حرامي وبدهائه يتغلب عليهم، تصور كل تلك الحكايات بمشاهد مفعمة بالسحر والخداع والمؤامرات والبطولات، حيث تتشابك قصص الحب والخيانة، النبل والخداع، والقوة والفداء، كل قصة تضيف مزيدًا من الإثارة والتشويق، وتدفع السلطان إلى التعلق بشهرزاد أكثر فأكثر، بينما يجد نفسه مفتونًا بعالمها السحري الذي لم يختبره من قبل.

وأخيرًا، في الفصل الثالث، يصل الباليه إلى ذروته، حيث تنتصر الحكايات بالحب، ومع استمرار شهرزاد في سرد قصصها، يبدأ قلب السلطان بالتحول شيئًا فشيئًا، ويتبدد الغضب بداخله، ويحل محله الإعجاب بشهرزاد، بل والحب الصادق. يدرك شهريار أن القوة الحقيقية لا تكمن في الانتقام، بل في التسامح والمحبة. وفي المشهد الأخير، وسط أجواء احتفالية مهيبة، يعلن السلطان عن حبه لشهرزاد، ويقام حفل زفافهما الملكي، ليكون تتويجًا لانتصار الحب على الكراهية، وانتصار الحكايات على العنف، وانتصار الحكمة على الانتقام. ينتهي الباليه في مشهد مفعم بالحب والمودة ويعم القصر جو من الفرح والسعادة، في إشارة إلى أن الكلمة، حين تكون صادقة ومؤثرة، يمكنها أن تغير حتى أكثر القلوب قسوةً.

وكما جاء في كتيب الحفل، فإن باليه ألف ليلة وليلة من تقديم مسرح بريمورشكي التابع لمسرح المارينسكي، ويعدّ واحدًا من أبرز الأعمال التي تحتفي بالسحر الشرقي وأجواء الحكايات الخرافية. يجمع الباليه بين تصميم الرقصات الفريدة والإيقاعات الاستثنائية والألحان العجيبة، إلى جانب المشاهد البصرية الخلابة والأزياء التي تُعد تحفًا فنية.

تم تقديم هذا الباليه لأول مرة عام 1979 على مسرح الأوبرا والباليه الأكاديمي الوطني في أذربيجان، من تأليف الموسيقار فكرت أميروف، الذي سعى إلى مزج الألحان الشرقية بالموسيقى الكلاسيكية الغربية بأسلوب متفرد، ليخلق عملاً يجسد روح الشرق في قالب عالمي. استلهم أميروف موسيقاه من رحلاته في العالم العربي والهند وبلاد فارس، حيث تأثر بالإيقاعات والأساليب الموسيقية المختلفة، وحرص على دمجها في هذا العمل الفريد.

استند نص الباليه إلى رؤية الأخوين مقصود ورستم إبراجيمبيكوف، حيث أعادا تقديم قصة السلطان شهريار وأخيه، متخللةً بثلاث من أشهر حكايات شهرزاد، مغامرات السندباد البحري، ومصباح علاء الدين السحري، وحكاية علي بابا والأربعين حرامي، مجسدةً قيم الحب والجمال والحكمة. أما الموسيقى، فتعكس ألوان الشرق الأوسط الغنية، وتوظف آلات تقليدية مثل التار، إلى جانب مجموعة واسعة من آلات الإيقاع لإضفاء طابع نابض بالحياة.

يُعد هذا الباليه بمثابة تكريم للمرأة ودورها في نشر الحكمة والجمال، حيث أهداه أميروف إلى زوجته عايدة، التي كانت رفيقة دربه. منذ عرضه الأول، حقق ألف ليلة وليلة نجاحًا باهرًا، واستطاع أن ينقل سحر الحكايات القديمة إلى المسرح بأسلوب بصري وموسيقي متميز، ليظل حتى اليوم واحدًا من أبرز أعمال الباليه المستوحاة من التراث الشرقي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق