جذور..

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ينطلق مفهوم الجذور من حاضنته الاجتماعية بلا منازع؛ فهي الوحيدة القادرة على استدعاء ذاكرتها التاريخية، لتؤصل حقيقة ما يسمى بـ«الجذر» حيث هو أصل الشيء، فلا يوجد كائن في بعديه المادي والمعنوي لا ينتمي إلى جذر ما، وإذا قيست المسألة على الشجرة، كأول كائن نباتي في تأصيل مفهوم الجذر، فإن الإنسان ليس عنه ببعيد، وتأتي اللغة لتلحق بركب الجذر، عبر فعلها الثلاثي أو الرباعي على أكثر تقدير، فحتى تعرف معنى الكلمة؛ عليك أن تنقيها من الحروف الزائدة، وتعيدها إلى أصلها لتقف على حقيقتها المعرفية، ولأن المسألة مرتبطة ببعدها الاجتماعي كأول محطة لمفهوم الجذر، فإن هذا المفهوم يحضر بقوة في كل التقاطعات الاجتماعية المعروفة والتي يأتي في مقدمتها إثبات حالات النسب، الذي ينظر إليه بكثير من الأهمية، بل ويتحدد على ذلك الكثير من القرارات والتفاهمات التي تكون بين المجموعات الاجتماعية، أو بين الأفراد، وينطبق ذلك على الشجر أيضا، بل وعلى الحيوانات كذلك، عندما يتقصى أحدنا عن أصل الشجرة، أو الحيوان، وهذه مسألة معاشة ومعروفة، بمعنى آخر أن كل مكونات الحياة ترتبط وجوديا بما يسمى بالجذر، وإن لم يتوارَ في بعض الأحيان عن تسميته المباشرة، فينسب المفهوم إلى الأصل، وفي كل المسميات تظل هذه المسألة على درجة كبيرة من الأهمية، ومن الحساسية، خاصة عندما تتعلق المسألة بإثبات النسب، سواء في حالات الارتباطات الزوجية في بدايات الخطبة، قبل أن تصل المسألة الزوجية عند مرحلة الذروة، حيث الارتباط النهائي بين الخاطب والمخطوبة.

السؤال هنا: لماذا هذا الاهتمام بالجذر، واعتباره بناء إنسانيا لا محيد عنه؟ هل لأن الإنسان يهمه كثيرا أن يتسلسل عبر مكون اجتماعي لا يقبل أن يشار إليه بشيء من الضعف، كما تحلل الكلمة من حروفها الزائدة لتصل إلى حقيقتها المعرفية؟ أم أن الإنسان يطمئن أكثر كلما علم أو تيقن أن مستوى التأصيل في نسبه عالي التقدير؛ فيشعره ذلك بكثير من شعور التفوق؟ أم أن المسألة في عموميتها تعود إلى ثقافة المجتمع فيؤصلها من خلال الممارسة، حتى تصبح عاملا نفسيا شديد الحساسية؟ لعل مرد الثقافة الذي تتشكل بها الحاضنة الاجتماعية هي الأساس في هذه المسألة، والدليل على أن هناك شعوبا كثيرة على امتداد الجغرافيا لا تنحاز كثيرا إلى البحث الدقيق عن الجذر، وإنما تُقَيِّمُ الفرد على أساس إمكانياته المهنية والمعرفية الحاضرة، وما عدا ذلك لا يلتفت إليه كثيرا.

يقول الكاتب ماتشونا دهليوايو - حسب المصدر: «إن أعظم قوة للشجرة تكمن في الجذور، وليس في الفروع» ومن الأمثال العمانية يقال أيضا: «جرو الموز قاتل أبيه» وفي كلتا المقولتين يتضح جليًا أنه مهما طال الزمن فلا بد أن تحدث عمليات إحلال؛ فأبناء اليوم لا بد أن يكونوا آباء في الغد، وتعود إليهم الأهمية المكانية والمعنوية التي كان يتصدرها الآباء، حيث يحلون جذورا لمن يأتي بعدهم، وهكذا تتأصل الجذرية في توغلها عبر تسلسل الأجيال، وإن كانت هذه الحالة ليست مطلقة، حيث تتداخل عمليات التهجين في مسارات هذا التسلسل، فتحدث نوعا من الاختلاف والتنوع؛ لأن الناتج من التهجين هو صورة مغايرة للأصل، وإن حملت شيئا من الصفات المتوارثة، وفي كل الأحوال يلعب الزمن دورا محوريا في هذا التأصيل، والمسألة ليست يسيرة ولا ميسرة لعمليات الانعتاق من الزمن، فلا بد للجذور أن تستكمل دورة حياتها حتى تصل إلى مستوى التأصيل الحقيقي، وهذا ما يحرص عليه المربون في تأصيل تربيتهم لأطفالهم عبر وسائل كثيرة ومتنوعة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق