عُمان دولة الرفاه

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يكمن الرفاه الاجتماعي بحسب تعريف الأمم المتحدة في (مجموعة متسقة من الأنشطة والبرامج الموجَّهة نحو الخدمات الاجتماعية لتحسين حالة المجتمع المحلي والأفراد)؛ إذ يرتبط بحماية المواطنين ورعايتهم اجتماعيا واقتصاديا، ولهذا فإن دولة الرفاه تقوم على مبدئي المساواة والعدالة بوصفهما أساسين ينظمان حياة المجتمع وينطلقان من اعتبارات حفظ النظام والأمن الاجتماعي في الدولة من ناحية، وحماية حقوق المواطنين ورعاية مصالحهم من ناحية أخرى.

ولهذا فإن الرفاه في المجتمع يفرض توفُّر الخدمات الاجتماعية والصحية والاقتصادية والإسكانية وغيرها، بطريقة تضمن المساواة والعدالة، وتقدِّم تسهيلات تتناسب مع قدرات الأفراد وإمكاناتهم، ولكي تكون الدولة (دولة رفاه) عليها أن تتمتَّع بالقدرة التي تؤهلها بأن تعترف بالحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية لمواطنيها، كونها حقوق أساسية وأصيلة لأفراد المجتمع، إضافة إلى إمكانات توفير الخدمات التعليمية والصحية والإسكانية والاجتماعية وغيرها باعتبارها حقوقا مستحقة للمواطنين.

إن الرفاه بذلك يقدِّم نفسه نتيجة لتلك الجهود التي تقدمها الدولة لمواطنيها، وتلك التسهيلات والخدمات التي تمنحها لهم، باعتبارهم مواطنين، فمؤسسات الدولة كلها تعمل من أجل المواطنين وفق سياسات وتشريعات تضمن حقوقهم وتراعي مصالحهم وتحمي خصوصياتهم، لذلك فإن دولة الرفاه هنا لا تقدِّم ذلك لمواطنيها وحسب بل أيضا لأولئك المقيمين والعاملين فيها باعتبارهم جزءا من المنظومة المجتمعية، وهي مسؤولة عن حماية حقوقهم ورعايتها رعاية كاملة.

فدولة الرفاه تقدِّم خدماتها لأفراد المجتمع (مواطنين ومقيمين) بأحدث الوسائل وأفضل المعايير؛ حيث تصل تلك الخدمات إلى كل مواطن أو مقيم أينما كان في ربوع الدولة؛ لأن المرتكز الذي تنطلق منه هو قدرتها على رعاية مجتمعها وحمايته سواء أكانوا جماعات أو أفرادا، من خلال تقديم رعاية اجتماعية منصفة بالتزامن مع حماية المنظومة الاقتصادية للدولة التي تتيح لها تقديم تلك الرعاية، وتوفِّر لها الموازنة الكافية لتقديم تلك الخدمات.

ولأن الرفاه لا يتحقَّق سوى بإيجاد منظومة اقتصادية متوازنة ومستدامة وقادرة على الصمود والنمو، فإن دولة الرفاه لا يمكنها أن تقوم بواجباتها إلَّا إذا تولَّت دورا إيجابيا في إدارة الاقتصاد، بحيث تستطيع تأمين الخدمات، وتقديمها بشكل يضمن مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية، ولهذا فإن الدولة تعمل وفق مقتضيات الرفاه، على دعم منظومتها الاقتصادية من خلال تنمية الاقتصاد وتنويع موارده، وتأسيس شراكات إقليمية وعالمية تساعدها على توسعة تلك المنظومة وإتاحة فرص العمل للجميع.

والرفاه هنا لا يقتصر على توفير الخدمات وحسب، بل إن حماية الحرية الشخصية وحرية التعبير عن الرأي، يعَدان من أصول دولة الرفاه؛ ذلك لأنها دولة تؤمن بأفرادها، وتعتمد على شراكتهم وتعاونهم في البناء الوطني، ولهذا فإنها تعتقد أن هذه الحرية ضرورة وحق أصيل من حقوق مواطنيها، وتأكيد لمشاركتهم الفاعلة في التنمية وإمكاناتهم في فهم المرحلة التنموية التي تمر بها الدولة، وقدرتهم على التعاون الإيجابي البنَّاء.

إنها عُمان؛ الدولة التي تشهد سباقا تنمويا قائما على مفهوم الرفاه الاجتماعي، حيث تعمل على تطوير منظوماتها التعليمية والصحية والإسكانية والاقتصادية والبيئية وغيرها، من خلال تحديث التشريعات والسياسات والاستفادة من التطورات التقنية المتسارعة، وإيجاد شراكات إقليمية وتنموية واسعة النطاق، إضافة إلى تطوير منظومة (الحماية الاجتماعية) وتوسعة منافعها، وغير ذلك من أجل تحقيق (الرفاه الاجتماعي) الذي وعدت به «الـرؤية الوطنية 2040».

فلقد أسهمت منافع الحماية الاجتماعية في تعزيز مستوى الطمأنينة الاجتماعية، إضافة إلى دورها في تعويض بعض الفروقات التي يواجهها أفراد المجتمع في غلاء المعيشة ومواسم ارتفاع أسعار البضائع، وغيرها من الظروف الاقتصادية التي يمر بها الكثير من الأسر في المجتمع، ولأن تلك المنافع تدعم توجهات الرفاه، فإنها أيضا تتيح فرص الارتقاء الاجتماعي من خلال دعم دخل الأسرة، وفتح مجالات الأعمال الحرة وغير ذلك، مما يفتح مجالات جديدة للعمل والإنتاج.

إن منظومة الحماية الاجتماعية لا تُسهم في حماية أفراد المجتمع ورعاية مصالحهم وحسب، بل إنها تعزِّز الأمن الاجتماعي، وتعظِّم من الثقة والتضامن المجتمعي، الأمر الذي ينعكس أثره على تحقيق أهداف المواطنة الإيجابية والحفاظ على أمن الدولة من ناحية، والمشاركة الفاعلة في التنمية المجتمعية من ناحية أخرى، إضافة إلى دعم مبدأ الشراكة الاجتماعية القائم على المساندة والمساعدة من الجميع باعتبارهما مبدأً أصيلا في المجتمع.

فعُمان تتَّخذ من الرفاه هدفا لا يتحقَّق سوى بضمان توفير الحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمواطنين، من خلال العمل المتسارع في تنمية الاقتصاد، وإيجاد منظومة اقتصادية مرنة وصامدة ومتوازنة، وذات أبعاد اجتماعية تنطلق من المجتمع وأولوياته التنموية، إضافة إلى تعزيز آفاق الأمن والسلامة المجتمعية؛ فالأمن أصل من تلك الأصول التي ترسِّخها الدولة وتعمل على ضمانها لمجتمعها من خلال توفير التشريعات النافذة التي توفر الحماية المجتمعية اللازمة لأفراد المجتمع.

إن أهداف الرفاه في عُمان تقوم على تحقيق (سعادة المواطنين)، التي تتمثَّل في دعم الإنتاجية الوظيفية والتعاون المجتمعي، والمشاركة الفاعلة، والتي تظهر في الصحة النفسية والبدنية للمجتمع، والتطوُّر التنموي في شخصية الأفراد، ومدى إدراكهم للرفاه وفاعلية أنماطه في تحقيق الأهداف الوطنية والقدرات الفردية، فالرفاه يظهر تأثيره على القطاعات التنموية من خلال عملها المتواصل للتطوير وتعزيز القيمة المضافة، كما يظهر في الوعي بأهميته في دعم التنمية البشرية للأفراد، وإمكاناته في تعزيز الأمن المجتمعي.

إن مفهوم الرفاه يقوم على مجموعة من الأبعاد حسب الأدبيات (البعد العاطفي) و(البعد المهني) و(البعد الاجتماعي) و(البعد المعرفي) و(البعد الجسدي والنفسي). وهذا يعني أن الرفاه هدف «للرؤية الوطنية 2040»، لأنه يعزِّز مشاركة المجتمع في التنمية، ويحفِّز الازدهار المجتمعي، ويُسهم في بناء علاقات ديناميكية بين الحكومة والشعب، وبين أفراد المجتمع أنفسهم من خلال تبادل المنافع ودعم منظومة التنمية المجتمعية. إنه الهدف الأسمى الذي يدفع قاطرة التنمية في الدولة.

فلأننا ننشد الرفاه، فإننا نسعى دوما وبخطى متسارعة لتحقيق التوازن الاقتصادي وتطوير الخدمات التعليمية والصحية وغيرها ودعم شبكات التواصل والنقل وتعزيز الأمن إلى غير ذلك، مما يؤدي بنا إلى تحقيق هذا الهدف الأسمى، ولهذا فإن توفير فرص العمل وتوسعة سوق الأعمال أحد أهم توجهات الدولة، التي تدفع إلى تنمية الرفاه وتحقيق (سعادة المواطنين)، وفتح فرص مجتمعية واسعة تعزِّز الحماية الاجتماعية وتدعم أهدافها.

إن ما تقوم به الدولة من توجهات وسياسات تنموية يهدف إلى تحقيق الرفاه الاجتماعي، الذي نطمح إليه جميعا، وهو هدف يحتاج منا إلى المشاركة والتعاون ودعم تلك التوجهات من خلال العمل المهني والمجتمعي، الذي يُسهم في بناء مجتمع متعاضد ومتعاون، ينعم أفراده بالأمن والسلام والمحبة، والتكافل الاجتماعي.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق