‏اقتراح ترامب بشأن "امتلاك" غزة لن ينجح - لهذه الأسباب

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
‏‏رمزي بارود؛ ورومانا روبيو‏ -
(ذا بالستاين كرونيكل) 5/2/2025 
‏اقتراح ترامب بشأن الاستيلاء على "ملكية" غزة هو خطوة متهورة تشجع إسرائيل وتهدد الاستقرار الإقليمي.‏اضافة اعلان
*   *   *
‏بالبناء على تعليقاته السابقة، عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرة أخرى ليقترح أن تأخذ الولايات المتحدة "ملكية" غزة وتعيد تطويرها. ‏
جاءت التصريحات هذه المرة يوم الثلاثاء الماضي خلال مؤتمر صحفي مشترك في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو. ‏وقال ترامب مشيرا إلى غزة: "لا أعتقد أن الناس يجب أن يعودوا. لا يمكنك العيش في غزة الآن. أعتقد أننا في حاجة إلى موقع آخر. وأعتقد أنه يجب أن يكون موقعا سيجعل الناس سعداء". ‏
‏ومستفيدا من البيان الاستفزازي، ردّ نتنياهو بسرعة، واصفا ترامب بأنه "أعظم صديق حظيت به إسرائيل في البيت الأبيض على الإطلاق"، وأشاد به "لتفكيره خارج الصندوق والقدوم بأفكار جديدة". ‏
بطبيعة الحال، احتفل أنصار نتنياهو في إسرائيل بما اعتبروه لحظة تاريخية. ووصف وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، خطة ترامب بأنها "الرد الحقيقي على 7 تشرين الأول (أكتوبر)". وحث بن غفير نتنياهو على تبني هذه السياسة "على الفور"، وقال: "حان الوقت لتنفيذها والترويج لها". ‏
في المقابل، ‏ترفض الدول العربية بشدة أي محاولة للتطهير العرقي للفلسطينيين. وقد أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانا أكدت فيه موقف المملكة "الحازم والثابت" من إقامة الدولة الفلسطينية، ورفض "أي انتهاك للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، سواء من خلال سياسات الاستيطان الإسرائيلية، أو ضم الأراضي، أو محاولات تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه".
أثارت تعليقات ترامب اهتماما إعلاميا واسعا وردود فعل سياسية لسببين: ‏
‏أولاً، تم الإدلاء بها في حضور نتنياهو، مما يشير إلى تحول محتمل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة نحو مسار أكثر تدميرا، سواء كان ذلك في فلسطين أو في المنطقة الأوسع. ثانيا، لم يكن ترامب يتحدث ارتجالا، بل كان يقرأ من ملاحظات معدة مسبقا، في ما يشير إلى أنه يتم التفكير في هذا الاقتراح على أنه عقيدة فعلية للسياسة الخارجية. 
في محاولة لفهم توقيت وطبيعة تصريحات ترامب، ربطها العديد من المحللين بالنفوذ المتزايد للإنجيليين والمتطرفين المؤيدين لإسرائيل داخل إدارته. وأشار آخرون إلى أن ترامب كان يُعِد الولايات المتحدة لحرب إقليمية، في حين قلل البعض من شأن الاقتراح باعتباره مجرد عنصر آخر من تكتيكاته القائمة "الضغط الأقصى". ‏
نعتقد نحن ‏في مجلة "ذا بالستاين كرونيكل" أن اقتراح ترامب ليس واقعيا ولا جادا. ومع ذلك، سوف تكون عواقب هذه السياسة الخارجية المتهورة خطيرة على المديين، القصير والطويل. ‏وفي ما يلي بعض الأسباب التي دفعت ترامب إلى تقديم هذا الاقتراح، تليها أسباب أخرى تجعل من تهجير الفلسطينيين من غزة غير ممكن.
‏لماذا قدم ترامب هذا الاقتراح ‏
‏أولا، يبدو ترامب حريصًا على إدامة اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. ولكي يفعل، كان في حاجة إلى تقديم هدية سياسية لنتنياهو يمكن أن تهدئ الإسرائيليين من مختلف الأطياف السياسية، وتمنع ما يعتقد الكثيرون أنه انهيار وشيك لحكومته -وحتى نشوب حرب أهلية. ‏
ثانيًا، تركت الهزيمة العسكرية الإسرائيلية في غزة كلا من تل أبيب وواشنطن من دون أي نفوذ حقيقي لإعادة تشكيل نتيجة الحرب أو سياسات المنطقة. ومن خلال تحويل النقاش ليتركز على اقتراحه الغريب، يعتقد ترامب أنه يستطيع استعادة المبادرة للولايات المتحدة وإسرائيل. ‏
‏ثالثًا، يدرك ترامب أن المملكة العربية السعودية مترددة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وعلى مدار العام ونصف العام الماضيين، أصبح السعوديون ينظرون إلى إسرائيل كشريك محتمل لا يمكن الاعتماد عليه، بينما دفع الدعم الأميركي لإسرائيل المنطقة إلى الاقتراب من حرب شاملة.‏
كما حطمت هزيمة إسرائيل في غزة صورتها كقوة مهيمنة إقليمية، وعززت موقف معسكر المقاومة وإيران. في هذه الفترة، تلاشت فكرة إسرائيل ككيان يوفر الحماية ضد إيران تقريبا، مما جعل التطبيع أقل إلحاحًا -وما إذا كان ضروريا من الأساس. وكان اقتراح ترامب محاولة يائسة لتمكين إسرائيل وتحذير المنطقة من أنه ما يزال بإمكانها، بدعم من الولايات المتحدة، إحداث الدمار في أي لحظة. ‏
‏رابعًا، من خلال تصعيد خطابه بشأن غزة، يمنح ترامب إسرائيل مزيدًا من الوقت والمساحة لتنفيذ تطهير عرقي تدريجي في الضفة الغربية. ووفقًا لمحافظة جنين، فقد نزح ما يقرب من 4.000 عائلة من مخيم جنين للاجئين -ما يرقى إلى غالبية سكانه. وثمة حملات مماثلة تُشن في جميع أنحاء شمال الضفة الغربية.
وهكذا، بينما تركز وسائل الإعلام والسياسيون الدوليون على اقتراح ترامب بشأن غزة، تقوم إسرائيل بتنفيذ أكبر عملية تطهير عرقي في الضفة الغربية المحتلة منذ حرب العام 1967. ‏
‏خامسًا، يأمل ترامب أيضًا في استخدام الفوضى السياسية الناجمة عن تصريحاته لانتزاع تنازلات من الفلسطينيين والحكومات العربية. ويظل موضع تركيزه الرئيسي هو الضفة الغربية، حيث أكد يوم الأثنين على أن "إسرائيل دولة صغيرة من حيث الأرض". ‏
المقايضة التي يرجح أن ترامب يتصورها هي إما التخلي عن حملة التطهير العرقي التي يهدد بشنها في غزة مقابل تنازلات إقليمية فلسطينية وعربية في الضفة الغربية؛ أو تأمين التطبيع السعودي مع إسرائيل من دون التزام إسرائيلي بقيام دولة فلسطينية -أو كليهما.
‏لماذا تهجير الفلسطينيين
 من غزة لن يحدث ‏
‏أولاً، يعتمد ترامب على نفس التكتيكات التي استخدمتها إدارته خلال فترة ولايته الأولى. ومع ذلك، أعادت حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة والمقاومة الفلسطينية لها على مدار 471 يوما فلسطين إلى قلب السياسة في الشرق الأوسط. وانتهى عصر تهميش القضية الفلسطينية. ‏ 
ثانيا، أصبح صمود سكان غزة، الذين تمكنوا من إدامة المقاومة ضد إسرائيل على مدى 471 يوما، أقوى من أي وقت مضى. وعندما اقترح ترامب تهجير الفلسطينيين، لم يكن مليون شخص يتجمعون على الحدود بين غزة ومصر، بل كانوا يتجهون شمالا إلى مدنهم ومخيماتهم في عرض غير مسبوق لقوة الشعب. ومن الصعب تخيل هؤلاء الغزيين أنفسهم يغادرون أرضهم طواعية وتيسير "مُلكية" القطاع لترامب وحلفائه العقاريين. ‏
‏ثالثًا، ربما تكون المسألة الأكثر أهمية هي أن إسرائيل حاولت بالفعل -باستخدام أسلحة أميركية لا نهاية لها- تهجير سكان غزة إلى سيناء على مدى 471 يوما. ولتحقيق ذلك، دمرت معظم غزة وجميع بنيتها التحتية، وخلقت مجاعة، وقتلت أو جرحت أكثر من 173.000 فلسطيني -وهو رقم من المتوقع أن يرتفع بشكل كبير في الأشهر المقبلة.‏
ولم يكن أي من هذا ليتحقق لولا دعم الولايات المتحدة. لكنّ هذا كله فشل. ليس هناك شيء آخر يمكن للولايات المتحدة أن تفعله لم تفعله مسبقًا، بما في ذلك الإبادة الجماعية والتصفية الصريحة. ‏
‏رابعًا، رفضت الحكومات العربية بشكل جماعي اقتراح ترامب، الذي أدانته أيضا الحكومات في جميع أنحاء العالم بشكل مباشر أو غير مباشر. ‏
‏لا يكمن الخطر الحقيقي في غزو الجيش الأميركي لغزة لاقتلاع الفلسطينيين، بل في حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة قد تفسر كلمات ترامب على أنها شيك على بياض لتسريع جهود التطهير العرقي في الضفة الغربية، وربما العودة إلى الحرب في غزة، مدعية أنها تتصرف بما يتماشى مع رغبات الرئيس الأميركي. ‏
في حين أن إدارة جو بايدن أظهرت فعليا افتقارها إلى أي نسيج أخلاقي من خلال دعم الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة وإدامتها، فإن إدارة ترامب تجلب معها نهجا أكثر تهورا وجهلا. ‏
‏متسلحة بسوء فهم متعجرف للشرق الأوسط، وانفصال تام عن الحقائق التاريخية، وحماس ديني متعصب للنبوءة التوراتية، ليست سياسة ترامب الخارجية أقل من كارثة. ‏وإذا كان للمرء أن يصف عقيدته الجديدة في المنطقة، فإنها ستكون مثل ثور هائج في متجر للخزف الصيني. وعلى الرغم من أنها لا منطقية ولا عقلانية، فإن نتيجتها الوحيدة الممكنة هي التدمير المطلق.‏
*رمزي بارود Ramzy Baroud: صحفي وكاتب فلسطيني-أميركي معروف بعمله في القضايا الفلسطينية والجيوسياسة العالمية. وهو مؤسس ورئيس تحرير "ذا بالستاين كرونيكل"، وهي صحيفة إلكترونية مستقلة تغطي الشؤون الفلسطينية. ألف عدة كتب، من بينها "أبي كان مقاتلا من أجل الحرية: القصة غير المروية لغزة"؛ و"الأرض الأخيرة: قصة فلسطينية"، التي تركز على المقاومة الفلسطينية والتاريخ والسرديات الشخصية. نُشرت أعماله على نطاق واسع في وسائل الإعلام الدولية، وهو متحدث بارز في شؤون الشرق الأوسط، حيث يدافع عن حقوق الفلسطينيين وتقرير مصيرهم.
*رومانا روبيو Romana Rubeo: صحفية ومحررة وكاتبة إيطالية متخصصة في شؤون الشرق الأوسط، مع تركيز قوي على فلسطين. تشغل منصب رئيسة التحرير في صحيفة "ذا بالستاين كرونيكل". كتبت على نطاق واسع عن السياسة الفلسطينية، والانحياز الإعلامي، والعلاقات الدولية. ساهمت في العديد من المنشورات الدولية، وغالبًا ما تسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال. وبصفتها صحفية متعددة اللغات، فإنها تعمل أيضًا على ترجمة ونشر الأصوات الفلسطينية للجمهور الأوسع.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Trump’s Gaza ‘Ownership’ Proposal Will Not Work: This is Why – Analysis

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق