يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام عبر إطلاق تصريحات استفزازية تتنافى مع الواقع، وكان آخرها خلال مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، حيث اتهم مصر بعرقلة خروج سكان غزة من القطاع، مشيرًا إلى أن بعضهم يضطر لدفع رشاوى للعبور، ما يسمح فقط للأثرياء بالمغادرة، بينما يُمنع الآخرون من ذلك. كما طرح فكرة منح الفلسطينيين خيار الانتقال إلى أماكن أخرى، في إشارة واضحة إلى مخططات التهجير التي ترفضها مصر والعالم العربي.
جاء الرد المصري سريعًا وحاسمًا، إذ أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا شديد اللهجة، أعربت فيه عن رفضها القاطع واستنكارها التام لهذه التصريحات المغلوطة، معتبرة أنها محاولة متعمدة لتشويه الحقائق وصرف الأنظار عن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الفلسطينيين.
وأكدت مصر أنها كانت ولا تزال تؤدي دورًا رئيسيًا في دعم الأشقاء الفلسطينيين، مشيرة إلى أنها قدمت أكثر من 5000 شاحنة مساعدات إنسانية منذ بداية العدوان على غزة، إلى جانب تسهيل عبور الجرحى والمصابين ومزدوجي الجنسية، في إطار دورها الإنساني والتاريخي تجاه القضية الفلسطينية.
كما شددت القاهرة على أن تصريحات نتنياهو ليست سوى محاولة يائسة للتغطية على الجرائم الإسرائيلية،
وأعادت مصر التأكيد على رفضها القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين، سواء إلى مصر أو الأردن أو أي دولة عربية أخرى، مشددة على التزامها الثابت بدعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
لم تقتصر تصريحات " نتنياهو "المثيرة للجدل على مصر فحسب، بل امتدت أيضًا إلى اتفاقيات أبراهام، حيث كشف صراحة أن هذه الاتفاقيات لم يكن هدفها حل القضية الفلسطينية، بل تحقيق مصالح إسرائيل الاستراتيجية.
هذا التصريح يضع الدول العربية التي وقّعت هذه الاتفاقيات، مثل الإمارات والمغرب والبحرين، في موقف حرج، إذ يتناقض مع ما كانت تروج له هذه الدول من أن التطبيع مع إسرائيل قد يساهم في حل القضية الفلسطينية ودفع عملية السلام.
واللافت أن أيًّا من هذه الدول لم يصدر تعليقًا رسميًا حتى الآن على هذه التصريحات، مما يطرح تساؤلات حول مدى استعدادها لإعادة تقييم العلاقات مع إسرائيل في ظل سياستها العدائية المستمرة.
تصريحات نتنياهو تكشف بوضوح أن إسرائيل لم تنظر إلى اتفاقيات أبراهام باعتبارها خطوة نحو السلام، بل مجرد وسيلة لتعزيز مكانتها الإقليمية دون تقديم أي تنازلات. وهذا ما يضع الدول العربية الموقعة في موقف صعب، إذ تصبح هذه الاتفاقيات مجرد غطاء سياسي لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي، بدلًا من أن تكون وسيلة لتحقيق سلام عادل وشامل
اتفاقيات أبراهام هي سلسلة من الاتفاقيات التطبيعية التي تم توقيعها بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وأمنية. بدأت هذه الاتفاقيات في عام 2020، وشملت حتى الآن الإمارات والبحرين والمغرب والسودان
تصريحات نتنياهو الأخيرة تعكس حالة من الضعف السياسي، إذ يحاول التغطية على الأزمات الداخلية التي تواجهها حكومته في إسرائيل، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي.وتصاعد الغضب الدولي ضد سياسات الاحتلال، خاصة بعد التقارير الحقوقية التي كشفت حجم الانتهاكات الإسرائيلية في غزة.
وكما يقول المثل: “القوي لا يتحدث عن قوته، بل يُظهرها بالأفعال، أما الضعيف فيملأ الدنيا صراخًا” – وهذا بالضبط ما يفعله نتنياهو في محاولته البائسة لتبرير سياسات حكومته.
استمرار الصمت العربي على تجاوزات نتنياهو سيزيده جرأةً على التصعيد والمضي قدمًا في سياساته العدوانية. لذلك، فإن مصر، السعودية، الإمارات، وبقية الدول العربية مطالبة اليوم باتخاذ مواقف واضحة وحاسمة، تتجاوز الإدانات الدبلوماسية إلى إجراءات عملية تمنع إسرائيل من فرض أجندتها.
البيانات الدبلوماسية وحدها لم تعد كافية، إذ يحتاج الموقف العربي إلى إجراءات عملية أقوى وأكثر تأثيرًا، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، لمنع إسرائيل من استغلال هذه الاتفاقيات كغطاء لمواصلة الاحتلال والعدوان.
وعلى الرغم من الرفض الدولي الكبير لخطة ترامب، التي سعت إلى فرض تسوية سياسية منحازة تمامًا لصالح الاحتلال الإسرائيلي، فإن تل أبيب لا تزال تعتبرها وسيلة ضغط تهدف إلى تكريس واقع جديد في المنطقة، وجعل التطبيع العربي مجرد ستار سياسي يتيح لها مواصلة الاحتلال
فالقضية الفلسطينية ليست مجرد ملف سياسي، بل هي قضية أمن قومي عربي، وعلى رأسه الأمن القومي المصري، حيث تدرك القاهرة أن أي مساس بالحقوق الفلسطينية هو تهديد مباشر لاستقرار المنطقة بأكملها.
ومع كل هذه التحديات، يظل الشعب المصري كما كان دائمًا – داعمًا لقضاياه العادلة، ومساندًا لقيادته وجيشه الباسل، حتى يأتي دور الشعوب في الدفاع عن حقوقها بكل الوسائل المتاحة.
0 تعليق