لا ندري إن كان ترامب قد أفاق من نشوة النصر أم مازال منتشياً حين أطلق تصريحاته الخاصة بسياسته الخارجية فيما يتعلق بجيرانه وما يتعلق بالشرق الأوسط، فجميعها خرجت من حالة انتشاء عالية جداً ومن عالم افتراضي!!
إذ كانت تصريحاته منطلقة من شخص يعتقد أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يكفيه أن يقول للعالم أجمع "كن فيكون"، وشخص يعتقد أن "العظمة" التي يسعى ليعيدها إلى أمريكا هي في إشارته بالعصا إلى القبعة العالمية فيخرح منها أرنبٌ.. تمهل أيها الرئيس.. فهناك واقع وهنا بشر وهناك حقائق لا يمكنك أن تؤشر لها فتتغير.
قولك إن الفلسطينيين سيرحلون من غزة وبهذه الثقة المطلقة يدل على أنك فعلاً مازالت في حالة انتشاء غير طبيعية، إنك تتحدث عن شعب في أرضه، لا مهاجرين ولا لاجئين إليها فتعيدهم إلى أوطانهم، وتتحدث عن شعب مرت عليه أهوال ومازال متمسكاً بأرضه وآخرها ما فعله صديقك نتنياهو الذي قتل منهم ما يقارب60 ألفاً معظمهم أطفال وهدم بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم على رؤوسهم وحال وقف إطلاق النار سار من تبقى منهم على الأقدام أميالاً عائدين لبيوتهم المدمرة، أطفالهم قبل كبارهم ونساؤهم قبل رجالهم.
80 عاماً لم تنجح كل المحاولات في إنهاء قضيتهم وتعتقد بأنك بمجرد أن تقول أريد أن أراهم في مصر والأردن سيغادرون سمعاً وطاعة؟ عليك أن تقتلع أظافرهم أولاً لأنهم سيستخدمونها في التشبث بتربتهم إن أردت إجبارهم على الخروج.
حين عدت للواقعية قليلاً وسمعت ردود الدول العربية الحازمة والرافضة وعلى رأسهم بيان المملكة العربية السعودية الذي صدر بعد 45 دقيقة فقط من مؤتمرك الصحفي عدت للأرض وقلت لست مستعجلاً على مقترحي!!
لذلك من الجيد أن تنصح صديقك الإسرائيلي بالتوقف عن الأحلام الفانتسية التي دفع الإسرائيليون ثمنها غالياً، فالمماطلة لن تغير من الاستحقاقات الواقعية شيئاً.
لقد نجحتما كثنائي إسرائيلي أمريكي ومعكما حلفاء منهم من كانوا مرئيين ومنهم من لم يكونوا كذلك في إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة والذي لم يكن يسعى لا للسلام ولا لخدمة الفلسطينيين ولا حتى الإسرائيليين، وهذه إشادة لكما كثنائي يحارب الإرهاب إن شئتما أن يطلق هذا الوصف عليكما، إنما حين تسعون للسلام فاسمحوا لنا لديكم شركاء حقيقيون فانتهزوا الفرصة واتفقوا معهم وهذا أنسب وقت.
إنما مرئياتكم أبعد ما تكون عن الواقع "ريفيرا وناطحات سحاب ومدن و موانئ ..." قائمة على تهجير السكان أو إبادتهم فإنها أفكار ستعيد المنطقة وإسرائيل قبلها للمربع الأول، وستؤدي إلى استمرار لحالة عدم الاستقرار وعدم الشعور بالأمن.
نقلهم كما تريدون لمصر أو الأردن يعني أنكم تسعون لترحيل المعارك من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب فقط، الفلسطيني سيتنقل إنما لن يتوقف عن المطالبة بدولته واستقلاله وإنهاء الاحتلال، ما ترونه حلاً لن يكون سوى تجديد للاقتتال من موقع لآخر.
الواقع هو أن استبعاد النفوذ الإيراني عن المنطقة يعني أنكم الآن وجهاً لوجه مع من يسعى للسلام، ومن وعد بالاعتراف بدولة إسرائيل، والقبول بمبدأ التعايش السلمي مع الشعب الإسرائيلي، وحين ترون هذه الحقائق يعني أن مرحلة الانتشاء قد توقفت وأنكم ستنزلون لأرض الواقع حتماً وستجدون شريكاً حقيقياً يضمن السلام المستدام من خلال المبادرة العربية.
وأرضاً صغيرة كالتي تراها لدولة إسرائيل ولا يعجبك حجمها عزيزي ترامب، هي أفضل ألف مرة أن تكون آمنة ومستقرة بالرغم من صغر حجمها، من أرض تتوسع وتعيش مستقبلها كله مهددة بلا استقرار.
هذا هو الفرق بين أحلام الانتشاء والواقع الحقيقي.
0 تعليق