الأوطان ليست للبيع

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نحن في زمن الهوان العربي، في أيام لا يعلم نهايتها إلا الله، يقرر الآخرون عنا، ويفرضون رأيهم، ويجاهرون بعدائهم، بينما يحاول العرب الصراخ في وجه ظالميهم، ومع ذلك لا يستطيعون اتخاذ موقف واضح، وحاسم، وصريح، يأتي «ترامب» الرئيس الأمريكي ليعلن خطته حول تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وإعادة استعمارها من قبل بلاده، ويقترح أوطانا بديلة لسكان غزة، وكأنه يجلس في دكان سمسار يعرض بضاعته على المارة، بل ويؤكد ثقته المطلقة أن مصر والأردن و«دولا أخرى» ستقبل عرضه عاجلا أم آجلا، يصرح بذلك، ولا يشكك فيه، ويضغط على الدول العربية من باب «المعونات الأمريكية» التي تعتمد عليها اقتصادات بعض الدول العربية، وهي ورقة مساومة، وضغط كبيرين، ولا نعلم ما الذي تحمله الأيام القادمة.

في المقابل يطل «بنيامين نتنياهو» برأسه، مدفوعا بتصريحات حليفه الأمريكي ليعلن «أن على السعودية إقامة الدولة الفلسطينية على أراضيها»، ولأنه لا يعرف معنى الوطن، ولأنه سارق لأراضي الآخرين، يعتقد الرجل أن الصفقة يمكن أن تمر، ويمكن له أن يهجّر المواطنين الأصليين من أراضيهم، كما فعل أسلافه الأوروبيون في الولايات المتحدة قبل قرون حين أبادوا سكان الأرض الأصليين، واحتلوا ترابهم، وسكنوا في مساكنهم، وصار الهنود الحمر مجرد «أوباش ومتوحشين» في أفلام رعاة البقر الأمريكية.

يعتقد «نتيناهو» ومن خلفه حليفه الأبدي «ترامب» أن الوطن مجرد بقعة أرض قابلة للبيع، والشراء، والعطاء، والهبة، والاستثمار، ولعلهم لم يستوعبوا الدرس البطولي الذي قدمه أهل غزة طيلة أكثر من 500 يوم للعالم، وهم يقاتلون، ويدفعون دماءهم ثمنا للحرية، ولم يفهم المحتل الإسرائيلي، والرئيس الأمريكي أن الأوطان ليست للبيع، وأن فلسطين قادمة لا محالة، شاءوا أم أبوا، وأن هذه التصريحات المجنونة وغير المسؤولة، لتشتيت انتباه العالم عن القضية الأصلية، وإلهاء أعين الدول الحرة عن الملاحقات القانونية ضد القتلة، ومرتكبي الإبادة الجماعية في غزة لن تجدي نفعا، وأن رمي كرة النار في ملعب العرب لاختبار ردة فعلهم لن يكون في صالح تحالفاتهم على المدى البعيد، وأن سياسة الإملاءات الحمقاء لن تغيّر من الوضع شيئا، وأن القضية الفلسطينية ستنتصر شاء من شاء، وأبى من أبى، وأن الأوطان ليست للتنازل أو المساومة. إن الفوضى السياسية التي يشعلها «ترامب» والتعامل بفوقية تجاه كل العالم حتى حلفائه المقربين، ستزيد من عزلة الولايات المتحدة، وسيضع هذا الرئيس خلال السنوات الأربع القادمة العالم على شفا «الجحيم»، وسيضع على كاهل الرئيس القادم للولايات المتحدة عبئا كبيرا، لإزالة الركام، والأنقاض التي سيخلفها خلال فترة رئاسته، وسيكون للقرارات الارتجالية التي يتخذها ضد كل دولة لا تروق له، أثر كبير على تحالفات بلاده، فمنذ اليوم الأول اتخذ الرئيس الأمريكي قرارات تشبه الخيال، ولا تستند إلا إلى غطرسة أمريكية فعلية، فمع سياسة ترحيل المهاجرين، إلى الدعوة لضم كندا إلى دولته، إلى فكرة احتلال جزر «جرينلاند»، إلى منع المساعدات عن دولة جنوب إفريقيا بسبب موقفها من حرب غزة، إلى فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، و«وعده» بإنهاء الحرب في أوكرانيا في «أسرع وقت»، بضم كييف إلى روسيا!!.. وما هو آت من بنات أفكار الرئيس الأمريكي لا يمكن توقعه. يجلس الرئيس الأمريكي على تلة عالية، في برج عاجي، يقسّم العالم، ويتصرف بعقلية الحاكم المطلق للكرة الأرضية، ولكن ما يعنينا من كل مقترحاته الغريبة، هو دعوته إلى اقتلاع سكان غزة من أراضيهم، دون عودة، واستيلاء الولايات المتحدة عليها، وهو يعني بالطبع استيلاء «إسرائيل» على القطاع، والتي ستبوء بالفشل حتما، ومع ذلك لا نعلم ما الذي يخبئه «ترامب» في جعبته خلال فترة رئاسته الحالية، ولا يمكن التكهن بالنقطة التي يقود العالم إليها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق