مسألة الباحثين عن العمل وتراكم أعدادهم بشكل سنوي أصبح حديث الرأي العام؛ نظرًا لما تمثله من تأثير في تعزيز النمو الاقتصادي وأيضا تأثيرها على الاستقرار الاجتماعي لأفراد المجتمع. أعداد الباحثين عن العمل خلال مدة زمنية عادة تقاس باستخدام معدل الباحثين عن العمل (Unemployment Rate) أو ما يعرف بمعدل البطالة، هذا المعدل يقيس تطور أعداد الباحثين عن العمل. على وجه العموم فكلما كان المعدل منخفضًا أعطى حالة عن الازدهار الاقتصادي، أيضا في حال ارتفاعه فإنه يتطلب من الحكومة التدخل في اتخاذ قرارات تصحيحية على المستوى الاستراتيجي والتشغيلي في سوق العمل للحد من الآثار المترتبة على ارتفاعه. من هنا تكمن الحاجة إلى بناء استراتيجية وطنية موحدة للتشغيل.
تجدر الإشارة إلى أن هناك لبسًا لدى البعض في طريقة حساب معدل الباحثين، فهو يحسب بتحديد عدد الباحثين - النشطين - خلال مدة زمنية معينة ونسبتهم من إجمالي عدد القوى العاملة وليس من عدد السكان. على المستوى الوطني وطبقًا لبيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات - التي تستخدم في هذا المقال - وهي لشهر ديسمبر (2024) فقد بلغ عدد الباحثين عن العمل ما يزيد قليلًا على (91) ألفا، عليه يصبح معدل الباحثين عن العمل (3.4 %) من إجمالي القوى العاملة في الدولة سواء كانت تلك القوى العاملة عمانية أو وافدة والذين تجاوز عددهم (2.6) مليون عامل. واللافت في الأمر أن قوة العمل في الدولة تغلب عليها الأيدي العاملة الوافدة بنسبة بلغت (67.8 %) وما تبقى من تلك النسبة فهي تمثل قوة العمل الوطنية. في المقابل فإن الزيادة في عدد الباحثين عن العمل المسجلين حتى نهاية ديسمبر (2024) كان أقل من ثلاثة آلاف باحث عن العمل مقارنة بعددهم في المدة التي سبقتها.
هذا يعطي إشارة إلى أن الإضافة السنوية للباحثين عن العمل استطاع سوق العمل استيعابهم وإن كان أكثرهم يتم تشغيلهم في القطاعات العسكرية والأمنية. وبالتالي، العدد التراكمي للباحثين عن العمل الذي تمت الإشارة إليه سابقًا قد يكون حدث بسبب ضعف استدامة النمو الاقتصادي والإنتاجي وأيضًا بسبب ترشيد الإنفاق الناتج عن انخفاض أسعار النفط في الفترات السابقة.
كما بلغ إجمالي القوى العاملة الوطنية في جميع القطاعات الحكومية والخاصة والعائلية إلى ما يزيد على (857) ألفا وإن كانت هناك زيادة ملحوظة في العمانيين الذي تم تشغيلهم في القطاع الحكومي والذي يتضح بأنه ما زال يستوعب العدد الأكبر من الباحثين بعدد يفوق (14) ألفًا خلال العام الماضي.
إلا أن الانخفاض في أعداد الأيدي العاملة العمانية في القطاع العائلي كان بنفس العدد تقريبًا الأمر الذي أدى إلى تقليص الإضافة السنوية للذين تم تشغيلهم بما يزيد قليلًا على أربعة آلاف خلال عام (2024) مقارنة بالعام الذي سبقه. ولم يكن متوقعًا أيضًا خلال المدة نفسها بأن القطاع الخاص لم يستوعب سوى أقل من خمسة آلاف باحث عن عمل، الأمر الذي لا يتوافق مع سياسات تنظيم سوق العمل التي تقوم بها وزارة العمل والجهات المختصة وحظر مزاولة مهن كثيرة ليكون التعيين فيها للعمانيين. هذه الأرقام الخجولة للذين تم تشغيلهم بالقطاع الخاص وهو المنتظر منه بأن يستوعب العدد الأكبر من الباحثين، تطرح تساؤلات حول مدى نجاح سياسات التعمين التي انطلقت قبل ما يزيد على ثلاثين عامًا عن طريق فرض نسب قطاعية يتم تحقيقها سنويًا للحد من تراكم أعداد الباحثين عن العمل.
أيضا كان هناك انخفاض كبير في أعداد الوظائف التي يشغلها العمانيون ضمن أنشطة المجموعات المهنية في بند - غير مبين - بنسبة وصلت (34.7 %) وبعدد يتجاوز (17) ألفا خلال عام واحد. وبالتالي، التساؤل في وجود هذا العدد الكبير من المهن غير المصنفة يعطي انطباعًا نحو غياب التصنيف المهني للوظائف. في الجانب الآخر بالنسبة لتوزيع الباحثين عن العمل حسب المحافظات فهناك ارتفاع وانخفاض متفاوت بين المحافظات.
فجاءت محافظة شمال الباطنة في المرتبة الأعلى لعدد الباحثين عن العمل، حيث تجاوز عددهم (22) ألفًا تتلوها محافظتا مسقط وجنوب الباطنة، هذه الأعداد تزيد وتنقص من محافظة لأخرى طبقًا لعدد السكان في كل محافظة. الإشكالية تكمن في المستويات التعليمية فالنسبة تجاوزت (59 %) للباحثين عن العمل في مستوى دبلوم التعليم العام فما دون. عليه قد يدل ذلك بتزايد حالات التسرب الدراسي لمن هم دون دبلوم التعليم العام، وأيضًا هناك أعداد كبيرة من مخرجات دبلوم التعليم العام الذين لم يجدوا فرص لاستكمال دراستهم في مؤسسات التعليم العالي، ولم يتم استيعابهم في سوق العمل. كما أن الباحثين عن العمل من خريجي دبلوم التعليم العالي فأعلى بلغ عددهم (37) ألفا أو نسبة (40.6 %) من إجمالي عدد الباحثين.
بالنسبة للأيدي العاملة الوافدة فقد انخفضت نسبتها بشكل طفيف بلغت (1 %) حيث وصل إجمالي عددهم (1.8) مليون عامل، تمركزت تلك الأعداد في المهن الهندسية الأساسية والمساعدة بعدد يفوق على (699) ألفا تلتها مهن الخدمات ثم مهن البيع. في المقابل ومن الجوانب التي ينبغي التوقف معها، هي الزيادة المطردة في أعداد الأيدي العاملة الوافدة التي تشغل وظائف - مديري الإدارة العامة والأعمال - وارتفاع عددهم بنسبة تجاوزت (34 %) خلال عام واحد وبعدد يفوق (94) ألفا، علمًا أن هناك قرارات وزارية تحظر التوظيف لغير العمانيين في مهن كثيرة منها الوظائف القيادية والإشرافية.
الأمر الذي يطرح تساؤلات كثيرة، منها هل هناك نمو اقتصادي حقيقي يتمثل في زيادة أعداد المشاريع والشركات الكبيرة أو المتوسطة التي عادة ما تحتاج إلى التعيين في الوظائف القيادية والإشرافية من مستوى - مدير- أو أن هناك نوعًا من عدم الدقة في تحديد مسميات الوظائف بهدف الحصول على تصاريح العمل؟ من خلال بيانات المؤسسات الخاصة النشطة يتضح أن الزيادة المطرة لم تكن في المؤسسات الكبرى أو المتوسطة، حيث كانت الزيادة في المؤسسات الصغرى - عادة لا يزيد عدد عمالها عن عشرة - بزيادة تتعدى (29) ألف مؤسسة حتى الربع الثالث من (2024) قياسا بالربع الثالث للعام الذي سبقه. في المقابل كان هناك انخفاض في عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
لكي نتقدم بثقة، هناك حاجة إلى وضع استراتيجية وطنية موحدة للتشغيل بمؤشرات سنوية تتشارك بها جميع الجهات المعنية بملف التشغيل مع توفير حوكمة وخطط تنفيذية تعتمدها المستويات العليا بالدولة قد يساعد في تذليل التحديات التي تعيق انسيابية عمل العمانيين في القطاع الخاص.
هذه الاستراتيجية يجب أن تضم جميع الجهات والقطاعات المعنية بموضوع الباحثين عن العمل ومنها: وزارة العمل والبرنامج الوطني للتشغيل، وزارة التربية والتعليم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ووحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان والمحافظات بالشراكة مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، لتذليل التحديات التي تحول دون تخفيض أو حتى تصفير أعداد الباحثين العمل. مثل هذه الاستراتيجيات التشغيلية التي تعنى بالباحثين عن العمل مطبقة في أغلب دول الخليج العربية، بيد أن الاستمرار في أغلب اللقاءات الرسمية بأن هناك تحديات، تعيق حلحلة مسألة الباحثين عن العمل وسوف نصل قريبا بتجاوز عددهم مستوى (100) ألف باحث عن العمل. كما أن الاستراتيجية الوطنية الموحدة للتشغيل تبنى لتكون مكملة للمبادرات والأهداف المضمنة بـ(رؤية عُمان 2040).
0 تعليق