"البلدة المجنونة" في عهدة ترامب

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
ملفين غودمان‏* - (كاونتربنش) 2025/2/10
"بينما تقترب الديمقراطية من الاكتمال، يجسّد منصب الرئيس، أكثر وأكثر، الروح الداخلية للشعب. في يوم عظيم مجيد، سيصل الناس البسطاء في البلاد أخيرًا إلى تحقيق مبتغاهم ويتزين البيت الأبيض بأبله صرف".اضافة اعلان
- هـ. ل. منكن، "بالتيمور إيفنينغ صن"، 26 تموز (يوليو) 1920.
***
لم يمض على احتلال دونالد ترامب البيت الأبيض أكثر من ثلاثة أسابيع فقط، وأصبح وصف "البلدة المجنونة"، الذي أطلقه كبير موظفي البيت الأبيض السابق، جون كيلي، على واشنطن ترامب في الولاية الأولى، يكتسب المزيد من المصداقية والمعنى. وفقًا لكتاب بوب وودوارد، "الخوف"، قال كيلي إن ترامب كان "أحمق. من العبث محاولة إقناعه بأي شيء. لقد خرج عن السكة تمامًا. نحن في بلدة مجنونة. لا أعرف لماذا يوجد أيٌّ منا هنا. هذه أسوأ وظيفة شغلتها على الإطلاق".‏
والآن، ‏يستطيع كيلي أن يقول "لقد قلت لكم هذا"، لأن "البلدة المجنونة" عادت. ثمة كندا باعتبارها الولاية الواحدة والخمسون؛ و"خليج أميركا" الذي ينتظر قيام الجغرافي الرسمي بتغيير خرائطنا؛ وهناك الاستيلاء المحتمل على قناة بنما؛ وهناك، بالطبع، شراء غرينلاند من أجل الأمن القومي للولايات المتحدة. أما خطة الاستيلاء على قطاع غزة وإعادة بنائه، وترحيل مليوني فلسطيني من أجل إنشاء "ريفييرا الشرق الأوسط" -حسنًا. لا يمكن أن يكون هناك ما هو أكثر غرابة وجنونًا.‏
‏ولكن، من ناحية أخرى، ما الذي يمكن أن يتوقعه المرء من ثلاثة مطورين عقاريين: دونالد ترامب؛ ومبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف؛ وصهره الضال جاريد كوشنر، الذي أخبر جمهورًا في جامعة هارفارد -الجامعة التي تخرج منها- عن فرص التنمية الرائعة على 25 ميلاً من الواجهة البحرية لغزة المواجهة لغروب الشمس. أضف إلى قائمة المطورين العقاريين ديفيد فريدمان، سفير ترامب إلى إسرائيل في فترة ولايته الأولى، الذي وصف الفكرة بأنها "رائعة وإبداعية من خارج الصندوق، وبصراحة الحل الوحيد الذي سمعته في 50 عامًا الذي لديه الفرصة لتغيير الديناميات في ذلك الجزء المضطرب من العالم".‏
‏حسنا، لم يتفاعل "العالم" بالضبط بالطريقة التي عبّر عنها فريدمان. رفضت الدول العربية الرئيسية الثلاث (المملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن) التي كان من المفترض أن تدعم هذه العملية وتستوعب العديد من الفلسطينيين النازحين أو معظمهم، هذه الفكرة على الفور. كان قادة هذه الدول الثلاث يعرفون أن مجرد الإعلان عن الفكرة سوف يسهم في زعزعة استقرار المنطقة. كما أن الفلسطينيين أنفسهم، الذين واجهوا تهجيرًا غير قانوني وغير أخلاقي من الإسرائيليين على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية، والذين بالكاد نجوا من حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية الحالية، لم يشاركوا ترامب وجهة نظره بشأن "العطف" في خطته.‏
كان الرجعيون المتخلفون في حكومة الأمن القومي برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وداخل المجتمع الأميركي المؤيد لإسرائيل فقط هم الذين أيدوا الفكرة. كان نتنياهو، الذي لم يكن قد تلقى إشعارًا مسبقًا بخطة ترامب، يبتسم بينما كان ترامب يتحدث، ما يوحي بأنه حتى هو كان يعلم أنه في "بلدة مجنونة". وبين الابتسامات، ظل نتنياهو ينظر إلى رون ديرمر، مستشاره للأمن القومي، بطريقة تنم عن عدم التصديق. بعد أن كان نتنياهو قد حصل على رخصة للتصرف بحرية في حملته العسكرية ضد غزة من إدارة بايدن، من المفترض أن يدرك أن لديه حاليًا إدارة أميركية ستوفر له أيضًا "تفويضًا مطلقًا" لتنفيذ سياساته، على الرغم من أنها ستتطلب معالجة دقيقة من حين لآخر.‏
تطلب الأمر من إدارة ترامب أقل من 24 ساعة لمحاولة تنظيف الفوضى الدولية التي خلقتها. أوضحت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، التي من الواضح أنها غير مؤهلة على الإطلاق لشغل هذا الموقع، أن مصر والأردن لن يضطرا إلى استقبال سكان غزة إلا على أساس "مؤقت". مؤقت؟ وقال المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ويتكوف، لترامب، إن الأمر سيستغرق عقودًا ويتطلب مليارات الدولارات لإزالة الأنقاض التي صنعتها إسرائيل في غزة. وبالنسبة للدولارات، جاء مخطط ترامب لغزة في أعقاب تفكيك "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية"، التي من المفترض أن تكون الجهة المركزية لأي جهود لإعادة الإعمار في منطقة جعلتها إسرائيل غير صالحة للسكن.‏
‏كما ترتب على ليفيت أيضًا أن تشرح أن اقتراح ترامب بأن الجيش الأميركي سيشارك في التطهير العرقي لغزة لا يعني أنه "ملتزم بنشر جنود على الأرض". وواجهت ليفيت كل أنواع المتاعب في التعامل مع السلك الصحفي، ببساطة لأنها كانت تشرح "خطة" لم تتم مناقشتها مطلقًا في مجلس الأمن القومي، أو البنتاغون، أو مجتمع الاستخبارات. وقد أشار مستشار الأمن القومي، مايك والتز، الذي من الواضح أنه غير مؤهل هو الآخر لشغل المنصب الذي يحتله، إلى "الخطة" بأنها "جريئة للغاية" بـ"أفكار جديدة طازجة"، ولم يعتقد أنه "يجب انتقادها بأي شكل من الأشكال".‏
‏وكما لو أن هذا الجنون لم يكن غريبًا وطريفًا بما فيه الكفاية، تلقى البيت الأبيض في اليوم نفسه الذي يتدبر فيه أمر التراجع الجزئي عن خطته، رسالة بريد إلكتروني من وكالة المخابرات المركزية تضم أسماء جميع الموظفين الذين تم تعيينهم خلال العامين الماضيين. ولم يكن هذا غير عادي في حد ذاته، لكن حقيقة أنه تم إرسال القائمة كبريد إلكتروني غير سري شكلت كابوسًا لأجهزة مكافحة التجسس. وأستطيع أن أسمع ضحكات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الصيني شي جين بينغ اللذين يتوقعان الآن أيامًا مقبلة أفضل لأوضاع الأمن القومي لبلديهما في مواجهة ولايات متحدة تصبح أدنى مكانة بكثير.‏

‏*ملفين أ. غودمان Melvin A. Goodman: زميل رفيع في "مركز السياسة الدولية" وأستاذ الحوكمة في جامعة جونز هوبكنز. محلل سابق لوكالة المخابرات المركزية (سي. آي. إيه). مؤلف كتب "‏‏فشل الاستخبارات: تراجع وسقوط وكالة المخابرات المركزية" Failure of Intelligence: The Decline and Fall of the CIA؛‏‏ ‏‏و"انعدام الأمن القومي: تكلفة النزعة العسكرية الأميركية" National Insecurity: The Cost of American Militarism؛‏‏ ‏‏و"مبلغ عن المخالفات في وكالة المخابرات المركزية" A Whistleblower at the CIA. أحدث كتبه هي "مذبحة أميركية: حروب دونالد ترامب" American Carnage: The Wars of Donald Trump ، (منشورات أوبس، 2029)؛ و"احتواء دولة الأمن القومي" Containing the National Security State، (منشورات أوبس، 2021). وهو كاتب كاتب عمود الأمن القومي في مجلة "كاونتربنش".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The American President is a “Meshuggener”

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق