حدود الطغاة

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تيد غليك* - (شبكة زِد) 2025/2/2

"السلطة لا تتنازل عن أي شيء من دون طلب. لم تفعل ذلك قط ولن تفعله أبدًا. حاول فقط معرفة ما الذي يخضع له أي شعب بصمت، وسوف تكتشف بالضبط مقدار الظلم والجور اللذين سيُفرضان عليه، واللذين سيستمران ما لم تتم مواجهتهما، بالكلمات، أو بالضربات -أو بكليهما. إن حدود الطغاة تُرسم بمدى تحمل أولئك المضطهَدين".اضافة اعلان
‏- فريدريك دوغلاس، 3 آب (أغسطس) 1857، في كانانديغوا، نيويورك.
***
قبل 65 عاما من هذه الأيام، في 1 شباط (فبراير) 1960، بدأ أول اعتصام طلابي على طاولات الغداء في جميع أنحاء الجنوب الذي كان يعاني من الفصل، في وسط مدينة غرينسبورو في متجر وولورث. في ذلك اليوم، وضع الشباب أجسادهم حرفيًا على المحك، وتعرضوا للضرب والسجن بسبب احتجاجهم للمطالبة بوضع حد للقوانين العنصرية والممارسات اليومية التي تحظر على السود استخدام المرافق العامة والخاصة -فقط بسبب لون بشرتهم.‏
‏وسرعان ما أطلق ذلك العمل احتجاجات مماثلة في كل أنحاء الجنوب الأميركي، وأدى إلى تشكيل "لجنة التنسيق الطلابية اللاعنفية" (SNCC)، وظهور حركة جماهيرية وطنية ضد الفصل العنصري والعنصرية. وبعد أربعة أعوام، في العام 1964، تم تمرير "قانون الحقوق المدنية" في الكونغرس الأميركي، تلاه في العام التالي "قانون حقوق التصويت".‏
أنا على يقين من أنه كان هناك القليل جدًا من الأشخاص الذين اعتقدوا، قبل ذلك الاعتصام، أنه يمكن في غضون خمس سنوات التغلب قانونيًا، وبنجاح، على طريقة الحياة العنصرية، الفاشية في الأساس، السائدة في الجنوب، والتي تعود بداياتها إلى ما يقرب من قرن من الزمان، على الرغم من أن الأمر استغرق، بطبيعة الحال، سنوات عديدة ونضالاً مستمرًا حتى تجلب هذه القوانين أخيرًا ثورة في الحقوق المدنية. وعلى الرغم من بعض الضعف الذي اعترى بعض هذه القوانين في العقد الماضي أو نحو ذلك، إلا أنها ما تزال سارية وفاعلة إلى حد كبير، قانونيًا وثقافيًا.‏
‏بعد أسبوعين تقريبًا من تولي ترامب سدة الرئاسة، أصبح من الواضح أن لديه هو وحركة "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (ماغا)، كل النية لاستخدام سلطتهما للتراجع -ليس عن عقود من مكاسب حركة الحقوق المدنية فحسب، وإنما عن مكتسبات جميع الحركات التي تدافع عن -وتعمل على تعزيز- حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وحقوق المرأة، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وهذا بالتأكيد نظام استبدادي.‏
حضرت المقاومة لهذا الاستبداد فعليًا، بدءًا من مئات الآلاف من الأشخاص الذين تظاهروا في أكثر من 300 منطقة في 18 كانون الثاني (يناير)، واستمرت من خلال العمل في المجتمعات المحلية في جميع أنحاء البلاد لمساعدة المهاجرين المعرضين لخطر الترحيل على معرقة حقوقهم وتنظيم أنفسهم للدفاع عنها. وتجلت المقاومة هذا الأسبوع عندما تحدت 23 ولاية جهود ترامب لمنع صرف تريليونات الدولارات التي كان قد خصصها الكونغرس ووقعها بايدن لتصبح قانونًا.
ودعا "الاتحاد الأميركي لموظفي الحكومة" إلى مظاهرة حاشدة في واشنطن العاصمة في 11‏‏ شباط (فبراير) ضد جهود‏‏ الترامبيين للتخلص من عمال الخدمة المدنية المحترفين. وهناك العديد من الطرق الأخرى التي رفضت بها حركة المقاومة الأميركية، في قضية تلو الأخرى، الانحناء للديكتاتور المحتمل.‏
‏وماذا عن المظاهرات والعمل المباشر اللاعنفي؟ كانت هناك بعض الأصوات التي ارتفعت لتقول إن هذه الجهود، في ظل نظام ترامب، ليست مهمة بما يكفي، أو أنها محفوفة بالمخاطر، مقارنة بما ستكون عليه في ظل نظام ديمقراطي.‏
ثمة قدر من الصحة في هذا النقد. إن التنظيم الناجح يتجاوز بكثير مجرد الأفعال الاستعراضية المرئية، ليشمل: المحادثات الفردية مع أفراد المجتمع أو زملاء العمل؛ المكالمات الهاتفية، ورسائل البريد الإلكتروني، والرسائل النصية؛ والاجتماعات مع أصحاب النفوذ الذين لديهم القدرة على تصحيح الأخطاء أو إحداث تغيير إيجابي؛ والإجراءات القانونية؛ والاجتماعات الداخلية للتوصل إلى توافق داخل المجموعة المعنية أو مع شركاء التحالف بشأن الاستراتيجية والتكتيكات؛ الكتابة، والتصوير الفوتوغرافي، ومقاطع الفيديو، ونشرها على أوسع نطاق ممكن؛ والإدلاء بالشهادات أمام الهيئات الحكومية لدعم أو معارضة سياسة أو قرار معين؛ وأكثر.
‏ولكن في غياب النشاطات العلنية والمرئية التي تكون كبيرة الحجم، و/أو تنطوي على أكبر قدر ممكن من المخاطرة الإبداعية، سيكون من الصعب تحقيق الانتصارات. إليكم كيف كتبت عن هذا في كتابي "ثورة القرن الحادي والعشرين" 21st Century Revolution:‏
"لم تحدث أي ثورة من أي نوع من دون أن يُظهر الناس غضبهم من القمع أو الظلم، من خلال المسيرات العلنية، والتظاهرات، والإضرابات (بما في ذلك الإضرابات عن الطعام)، والعصيان المدني، للتعبير عن مشاعرهم القوية ونشر رسالتهم للآخرين حول هدف مقاومتهم. يحتاج المضطهَدون إلى رؤية أن هناك آخرين يشاركونهم المشاعر ذاتها ومستعدين للقيام بعمل لتغيير الواقع. كما أن المسؤولين المنتخبين، حتى أولئك الداعمين للاحتجاجات، يحتاجون إلى إدراك قوة مشاعر الناس من خلال رؤيتها قيد العمل ومجسدة على أرض الواقع. وبطبيعة الحال، يحتاج المستهدف/ المستهدفون من التظاهرات الجماهيرية إلى أن يروا أعدادًا كبيرة من المشاركين، بالإضافة إلى الشعور بمدى الإلحاح والشدة في مشاعر هؤلاء المشاركين".
‏في الخطاب الذي ألقاه فريدريك دوغلاس في كانانديغوا في العام 1857، قال أيضًا شيئًا لا يتم اقتباسه على النطاق نفسه مثل اقتباس "حدود الطغاة" المذكور في بداية هذا المقال، ولكنه لا يقل عنه أهمية:‏
‏"قد لا يحصل الناس على مقابل لكل ما يدفعونه من أجل هذا العالم، لكنّ عليهم بالتأكيد دفع ثمن لما يحصلون عليه. إذا كنا لنتحرر أبدًا من الاضطهاد والمظالم التي تُهال علينا، يجب أن ندفع ثمن رفع هذه المظالم. يجب أن نفعل ذلك عن بالعمل، بالمعاناة، بالتضحية، وإذا لزم الأمر، بحياتنا وحياة الآخرين".‏

*تيد غليك Ted Glick: ناشط كرّس حياته لحركة التغيير الاجتماعي التقدمي. بعد عام من النشاط الطلابي كطالب في السنة الثانية في كلية غرينيل في ولاية أيوا، ترك الكلية في العام 1969 للعمل بدوام كامل ضد حرب فيتنام. بصفته مجندًا للخدمة الانتقائية، أمضى 11 شهرًا في السجن. وفي العام 1973، شارك في تأسيس "اللجنة الوطنية لعزل نيكسون". عمل كمنسق وطني لأعمال الشوارع الشعبية في جميع أنحاء البلاد، مع الحفاظ على الحرارة على نيكسون حتى استقالته في آب (أغسطس) 1974. 
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Limits of Tyrants

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق