أرقام هائلة.. نتائج باهتة

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تُعد الأرقام أداة دقيقة في قياس الأداء واتخاذ القرارات، حيث تعتمد الكيانات في مختلف القطاعات على المؤشرات الرقمية لمتابعة التقدم نحو أهدافها، لكن في كثير من الحالات، يُفضي التركيز على المؤشرات غير المناسبة إلى استنتاجات خاطئة تؤدي إلى قرارات لا تعزز النجاح الفعلي، بل قد تُبعد الكيان عن تحقيق غاياته الرئيسية، وهذا ما يعرف بـ"تحيز المؤشرات" (Metric Bias)، حيث يُختار مقياس أداء لا يعكس الهدف أو الغاية بدقة، فيمنح شعورا زائفا بالإنجاز دون تحقيق نتائج ملموسة.

في قطاع الخدمات اللوجستية على سبيل المثال، قد تعلن شركة شحن أنها نفذت مليون عملية توصيل خلال شهر واحد، وهو رقم يوحي بتوسع العمليات ونجاح المنظومة التشغيلية، لكن هذا الرقم لا يحمل دلالة واضحة ما لم يُنظر إليه من زاوية أخرى: كم عدد الشحنات التي وصلت في وقتها المحدد؟ ما نسبة الأخطاء أو التلف؟ وكم عميلا قرر عدم تكرار التجربة بسبب مشكلات في الخدمة؟

إن عدم الاهتمام بهذه التساؤلات والإجابة عنها بمؤشرات تبنى وفق أسس علمية، مثل معدل الالتزام بالمواعيد، ومعدل رضا العملاء، ومعدل العودة لاستخدام الخدمة، يجعل الرقم المعلن لا يعبر سوى عن حجم النشاط، متجاهلا الكفاءة والأثر الفعلي، وهنا تكمن المعضلة الحقيقية التي تواجه معظم الكيانات اليوم: خلط مؤشر العمليات، الذي يقيس حجم النشاط، بمؤشر المخرجات، الذي يقيس الأثر الفعلي لهذا النشاط؛ والنتيجة أرقام لا تعكس الواقع.

عواقب سوء اختيار المؤشر على تحقيق الأهداف:

  • إنجازات مؤقتة وخسائر مستقبلية:
قد تحقق الكيانات أرقاما ضخمة على المدى القصير، لكنها تكتشف لاحقا أن النمو كان وهميا وأنها كانت تطارد سرابا رقميا.
  • اتخاذ قرارات غير دقيقة وسوء توزيع الموارد:
الاعتماد على مؤشر خاطئ يوجه الجهود في الاتجاه الخطأ، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد دون تحقيق الأهداف الحقيقية.
  • التضحية بالجودة لصالح الكم:
التركيز على زيادة العمليات دون تحسين الجودة يؤثر على رضا المستفيدين، ويضعف ولاءهم للخدمة أو المنتج.
  • التأخر في اكتشاف المشكلات وتصحيح المسار:
المؤشرات غير المناسبة تظهر صورة وردية للأداء، مما يؤخر اكتشاف الأزمات واتخاذ الإجراءات التصحيحية.
  • فقدان الثقة بالكيان على المدى البعيد:
عندما يدرك العملاء (المستفيدون) والممولون أن الأرقام لا تعكس الواقع، تتآكل الثقة، مما يهدد استدامة الكيان.

ختاما، الكيانات الذكية اليوم لا تكتفي بقياس ما تفعله، بل تقيم كيف يغير ما تفعله الواقع من حولها، وبما يحقق الأثر الحقيقي الذي تسعى إليه، وحين تكون المؤشرات دقيقة، تصبح الأرقام شاهدا على التقدم، لا غطاء للوهم، وحين تقاس الأهداف بالمعايير الصحيحة، يتحول الجهد إلى نتائج يشعر بها الجميع، وما يبنى على الدقة والوضوح، يبقى أثره طويلا، محفورا في ذاكرة الزمن.

AbdullahAlhadia@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق