مايا روزنفيلد 21/2/2025
في الشهر الماضي دخل إلى حيز التنفيذ قانون "وقف نشاطات الأونروا في أراضي دولة إسرائيل" الذي تم سنه في الكنيست في 28/10/2024. القانون يتضمن قرارين يكملان بعضهما. الأول يمنع الأونروا، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة، من العمل في الأراضي السيادية لإسرائيل، أي أنه يسري على نشاطات الوكالة في شرقي القدس. والثاني يعلن عن وقف علاقات العمل واتصالات إسرائيل مع الوكالة، وإلغاء التزام إسرائيل من العام 1967 بمنح الحماية وحرية الحركة لموظفي الوكالة في المناطق المحتلة.اضافة اعلان
إسرائيل لا يمكنها منع الوكالة من العمل في الضفة وفي القطاع لأنها خارج أراضيها السيادية. ولكن طالما أنها تواصل السيطرة بالفعل على هذه المناطق وعلى المعابر المؤدية اليها فان وقف علاقات العمل مع الأونروا وحرمان موظفيها من الحماية وحرية الحركة يشبه فرض الشلل شبه المطلق على الوكالة. بدون مصادقة السلطات الإسرائيلية فان الأونروا لا يمكنها استخدام موانئ إسرائيل من اجل نقل المنتجات الغذائية والأدوية والمعدات الطبية والوقود والمياه في النقاط الحدودية والمعابر الموجودة تحت سيطرة إسرائيل ونقلها إلى منشآتها ومؤسساتها في القطاع وفي الضفة. بدون مصادقة الجيش والتنسيق معه فان طواقم الطوارئ التابعة للوكالة والطواقم الطبية والسائقين وموزعي المساعدات والممرضين، جميعهم سيكونون معرضين لخطر دائم على حياتهم.
المبادرة إلى وقف نشاطات الوكالة ولدت قبل الحرب في غزة بفترة طويلة. ومصدرها جاء من عداء إسرائيل لهذه المنظمة التي تجسد التزام المجتمع الدولي باللاجئين الفلسطينيين. الحرب وفرت الفرصة للدفع قدما بهذا القانون، والاتهامات التي تقول بأن بعض موظفي الوكالة شاركوا في مذبحة 7 أكتوبر (في كانون الثاني 2024 ادعت إسرائيل بأن لديها دلائل ضد 12 من بين الـ 13 ألف موظف في الوكالة في قطاع غزة)، وفرت لها الذريعة.
القانون تم عرضه كعملية وقائية امام "منظمة معادية لدولة إسرائيل، التي تم ضبطها وهي تتعاون مع منظمات وتشكل خطر على أمن الدولة"، (قال عضو الكنيست يولي ادلشتاين في جلسة الكنيست في 28/10/2023). هذا رغم غياب ادلة على وجود تعاون بين الأونروا كمنظمة وبين حماس، بالتالي، تورط الوكالة. لجنة تحقيق مستقلة برئاسة وزيرة خارجية فرنسا السابقة، كاثرين كولونا، التي عينها السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قالت بأن إسرائيل لم تقدم أي ادلة على اتهاماتها.
اذا ما الذي يقف وراء القانون ضد الأونروا؟ لا يمكن الإجابة على ذلك بدون وصف وفهم أولا الكارثة التي ينطوي عليها تطبيق القانون بالنسبة لملايين الفلسطينيين في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، الذين يعتمدون على المساعدات الطارئة والخدمات الاجتماعية للوكالة. المس الشديد والفوري سيكون لسكان القطاع الذين استمرار بقائهم في الفترة الأخيرة – بعد النجاة من الـ 15 شهر للقتل الجماعي ومن تدمير بيئة العيش والتهجير المتكرر والتعطيش والتجويع والأمراض – مرهون بقدرة جهات الإغاثة على مواصلة توفير الخدمات التي تنقذ حياتهم.
الأونروا هي منظمة الإغاثة الدولية الاقدم والاكبر والأكثر تجذرا التي تعمل في القطاع، وهي الوحيدة التي توجد لها البنية التحتية الممأسسة والموارد الإنسانية والخبرة، التي تسمح لها بتزويد اعداد كبيرة من السكان خدمات صحية وطبية حيوية ومناطق إيواء ومواد غذائية أساسية حتى في حالات الطوارئ الشديدة والطويلة.
هذا التميز للاونروا ما يزال قائما حتى الآن رغم المس المتراكم بقدرتها على تقديم رد على المتضررين من الهجوم الإسرائيلي في القطاع. المس بقدرتها لا ينبع فقط من العدد الكبير للمصابين الذي يشمل تقريبا جميع سكان القطاع، من شدة الاضرار بالارواح وحجم الاضرار والنقص، بل أيضا من أنه في هذه الحرب نشاطات الإنقاذ والمساعدة، والمؤسسات والتنظيمات التي تنفذها، هي أيضا أصبحت هدفا لهجمات الجيش.
حتى بداية كانون الثاني 2025 فان 201 مؤسسة ومنشأة تابعة للوكالة تضررت في عمليات القصف، من بينها عيادات ومراكز مجتمعية ومؤسسات تعليم ومخازن وعشرات المدارس من بين الـ 150 مدرسة، التي تم تحويلها إلى مناطق إيواء لمئات آلاف المهجرين. ليس اقل من 745 شخصا ماتوا في عمليات القصف اثناء الاحتماء في هذه المناطق، واكثر من 2200 شخص أصيبوا. عشرات الآلاف، يبدو مئات الآلاف، اضطروا إلى ترك هذه المناطق المحمية والبحث عن مناطق إيواء بديلة. 262 من موظفي الوكالة قتلوا في عمليات القصف، عدد كبير منهم اثناء تواجدهم في بيوتهم مع عائلاتهم، آخرون اثناء أداء عملهم.
التهجير القسري المتكرر للمواطنين قلص اكثر فاكثر هامش العيش لمليون شخص الذين كان يتم قصفهم، وتركت لهم مساحة تبلغ عشرات الكيلومترات فقط. الجيش قطع الطريق امام الأونروا من اجل الوصول إلى المناطق التي طلب من سكانها المغادرة، ومنعت من إيصال الخدمات إلى عشرات الآلاف الذين بقوا في أماكنهم رغم أوامر الاخلاء – من بينهم كبار سن ومرضى وأبناء العائلة الذين يعتنون بهم – وعشرات الآلاف الذين عادوا بعد فترة إلى ما كان يسمى ذات مرة بيوتهم، على امل التمكن من ترميمها. هذا بدون ذكر العقبات اللانهائية التي وضعتها إسرائيل امام ادخال المساعدات الإنسانية للقطاع بشكل عام، ولمواطنين معينين فيه بشكل خاص، والعدد الكبير من القيود التي فرضتها على محتويات المساعدات.
أبعاد التخريب والتدمير، والاضرار بمؤسساتها وموظفيها ومنع وصولهم، أجبرت الأونروا على تغيير نمط عملها في حالات الطوارئ. اذا كان تحويل مدارس الوكالة إلى أماكن إيواء لمئات الآلاف الذين هربوا خوفا من القصف في الهجمات السابقة هو جوهر المساعدة، وتوزيع المواد الغذائية الأساسية ومساعدة مئات آلاف العائلات، فانه في الحرب الحالية الأونروا اكدت على وصول الخدمات الصحية (بما في ذلك الصحة النفسية) لجمهور المهجرين الموجودين في أماكن الايواء أو في مخيمات المهجرين الكبيرة.
موظفو الصحة التابعين للوكالة عالجوا يوميا خلال الحرب حوالي 15 ألف شخص. هذه الخدمات شملت تقديم التطعيمات للأطفال والأولاد ومتابعة النساء الحوامل اللواتي يتعرضن للخطر ودعم النساء بعد الولادة وعلاج الاسنان والامراض المزمنة وما شابه. مئات العاملين الاجتماعيين ومستشاري التعليم في الوكالة قدموا الدعم النفسي للأطفال والبالغين، بالأساس في اطار نشاطات مجموعات، التي شارك فيها مئات آلاف الأشخاص. في نفس الوقت استمرت الأونروا في توفير مياه الشرب (بعضها من آبار الضخ التي تقوم بصيانتها) وتوزيع الطحين ورزم الغذاء ومواد النظافة وجمع القمامة. الآن تخيلوا حجم الكارثة المتوقعة اذا منعت إسرائيل الأونروا من الاستمرار في تشغيل منظومة المساعدات الطارئة في قطاع غزة.
لكن المساعدات الطارئة ليست المركب الرئيسي في نشاطات الأونروا في الأوقات العادية. فدورها الرئيسي خلال عشرات السنين هو تقديم خدمات التعليم لتجمعات اللاجئين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم الأساسية في الشرق الأوسط مثل قطاع غزة، الضفة الغربية، الأردن، لبنان وسورية.
50 في المائة من ميزانيتها السنوية العادية، بتمويل التبرعات، موجهة لجهاز التعليم الذي يشغل 700 مدرسة أساسية وإعدادية إلى جانب كليات أكاديمية لإعداد المعلمين والمسؤولين عن التدريب المهني، وحوالي 20 ألف معلم ومعلمة، الذين جميعهم من خريجي جهاز التعليم فيها.
في القطاع تعيش المجموعة السكانية الأكبر من اللاجئين الذين يعتمدون على خدمات الوكالة. في السنة الدراسية 2022 – 2023 عملت في القطاع 284 مدرسة أساسية واعدادية تابعة للوكالة، التي تعلم فيها 293.400 طالب وطالبة في الصفوف الأول حتى الصف التاسع، ودرس فيها 10 آلاف معلم ورجل تعليم. طلاب جهاز التعليم التابع للاونروا شكلوا 60 في المائة من الطلاب في المرحلة الأساسية والاعدادية، نصف اجمالي طلاب المدارس في القطاع.
منذ 7 أكتوبر 2023 وجهاز التعليم في القطاع في حالة شلل. حسب التقارير فإن 90 في المائة من مؤسسات التعليم، من رياض الأطفال وحتى الجامعات، تضررت بسبب عمليات القصف، بعضها تم تدميره بالكامل، وبعضها تضرر بدرجة مختلفة من الشدة، بما في ذلك عشرات مباني الأونروا التي أصبحت أماكن إيواء. آلاف الطلاب قتلوا وعشرات الآلاف أصيبوا وعشرات الآلاف اصبحوا ايتام أو فقدوا اخوتهم. إعادة بناء جهاز التعليم بكل لبناته، قبل أي شيء آخر إعادة حوالي الـ 600 ألف طالب إلى اطر التعليم، تشكل التحدي امام إعادة الترميم الأكثر أهمية التي تقف الآن على الاجندة في القطاع. تقدم إعادة تأهيل التعليم هو الذي سيحدد اذا كان القطاع سيعود إلى الحياة أم لا.
الأمم المتحدة، التي جمعيتها العامة تمدد تفويض الأونروا كل ثلاث سنوات، ومنظمات الصحة والتعليم وحقوق الانسان وحقوق الطفل التابعة لها تعمل بالتعاون معها، خرجت بعدة تصريحات غير مسبوقة في شدتها تدين التشريع الإسرائيلي وتحذر من تداعيات كارثية ستكون لتدمير الأونروا أو المس بنشاطاتها. ولكن حتى الآن هذه التصريحات لم ترافقها عملية يمكن أن تردع إسرائيل، مثل التهديد بفرض عقوبات أو تجميد عضويتها في مؤسسات الأمم المتحدة.
اذا لم يبادر المجتمع الدولي إلى حماية الأونروا من مؤامرة إسرائيل لتدميرها فهذا لن يكون فقط خضوع للزعرنة التي أصبحت منذ فترة طويلة جوهر سياسة إسرائيل، بل هو أيضا خيانة للالتزام العلني طويل المدى لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، من خلال تحقيق حق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة في حدود 1967.
0 تعليق