سياحة تبادلية لشعبين من أصول واحدة
في غضون 20 دقيقة ينتقل البحريني من المملكة إلى الشقيقة المملكة العربية السعودية، متجاوزاً منفذ جسر الملك فهد، وصولاً إلى أقرب مدينة تطل على البحرين من الجهة الغربية وهي الخبر التي تعتبر واحدة من 12 محافظة تابعة للمنطقة الشرقية، وتحدها من الشمال والشمال الغربي مدينة الدمام، العاصمة الإدارية للمنطقة، فضلاً عن كونها محطة عبور تجارية وسياحية، إذ يمتد من سواحلها جسر الملك فهد، المنفذ البري.
ومثلت كلاً من الخبر والدمام مدينتين مفضلتين للعديد من المواطنين في البحرين، سواء لقضاء وقت ممتع على شواطئ الخبر أو التسوق من أسواق الدمام التي لا تبعد عن الخبر كثيراً، ونتيجة للتمدد والتطور العمراني في المملكة العربية السعودية، فقد أصبحت الخبر والدمام مدينة واحدة ممتدة لا يفصلهما عن بعض سوى مجتمعات سكانية وتجارية كثيرة.
ولئن كانت السياحة في البحرين تعتمد بنسبة كبيرة على الأشقاء القادمين إلا أن هناك سياحة عكسية من أهل البحرين إلى السعودية تتجه بنسبة كبيرة إلى الدمام والخبر، خاصة وأن الأخيرة تعد واحدة من الوجهات السياحية في المملكة العربية السعودية، والتي يصل طول واجهاتها البحرية إلى 30 كلم، فيما يعتبر كورنيش الخبر من أهم المعالم التي تميز المدينة وتتخلله المسطحات الخضراء وألعاب الأطفال.
وتعزيزا للتنمية الساحلية في الخبر فقد أطلقت هيئة تطوير المنطقة الشرقية الدليل الإرشادي للتصميم العمراني على الشريط الساحلي بحاضرة الدمام، بهدف ضبط جودة التنمية الساحلية وتعزيز الهوية العمرانية وتحسين المشهد الحضري، ويأتي هذا الدليل كمرجع إرشادي لتصميم البيئة العمرانية والمشاريع بما يتوافق مع المعايير والمتطلبات الفنية لتعظيم الاستفادة من المواقع الساحلية وتحويلها إلى مناطق جذب سياحية وتجارية وترفيهية واستثمارية.
وساهم اقتراب المسافات بين البلدين وسهولة التنقل في تعزيز أواصر العلاقات الشعبية المتجذرة عبر التاريخ، وهو ما أكده الباحث في التراث بالمملكة العربية السعودية والمحاضر في الفن الشعبي عبداللطيف المقرن، بأن أهل البحرين والسعودية في الحقيقة والأصول إخوان وعوائل تمددت وانتقلت أجزاء منها بين البلدين منذ قديم الأزل.
وتطرق المقرن إلى تجارة اللؤلؤ التي اشتهر بها أهل البحرين والمنطقة الشرقية، وكانت حاضرة في تاريخ المنطقتين قبل ظهور النفط، وقال إن اللؤلؤ كان التجارة الرئيسة لأهل المنطقة الذين يعتمدون عليها في الرزق والدخل، فكان البحر هو المنطقة الجامعة بين أهل البحرين والسعودية حيث يقضون أشهر في البحث عن اللؤلؤ. اما ثقافة البلدين وخصوصاً العادات والتقاليد، فيشير المقرن إلى تشابه الزي الشعبي مثل «البوشية والبخنق وثوب النشل»، وكذلك تقارب اللهجة بين الطرفين، وأرجع السبب في ذلك إلى صلات القرابة والأنساب التي تجمع الشعبين ومن أمثلتهم الدواسر الذين استقروا في الدمام والخبر وكانوا من أصل من «أوال». وأضاف الباحث في التراث قائلاً: لا شك أن الجغرافيا تصنع العلاقات بين البشر، ومن أكثر المناطق التي تجمعها روابط التاريخ والجغرافيا والدين والنسب هي العلاقة بين الملكتين عبر بوابة المنطقة الشرقية. أما أستاذ الآثار د. عبدالعزيز صويلح فقد عاد بالعلاقات الضاربة بجذورها إلى التاريخ الدلموني، وقبل أكثر من 3500 سنة، مشيراً إلى أن الآثار الدلمونية المكتشفة في البحرين، لها امتداد كبير في المنطقة الشرقية، وتحديداً في جزيرة تاروت بمنطقة القطيف والتي يرتبط تاريخها الممتد لقرابة 5 آلاف سنة بالبحرين، وتعد من أقدم البقاع التي عاش فيها الإنسان.
وأكد صويلح أن الجزيرة كانت إحدى أهم مراكز مملكة دلمون وكان لها دور كبير في تاريخ المنطقة، دللت عليه الاكتشافات الأثرية فيها، فهناك تم اكشاف مقابر وأواني وأختام مطابقة لنظيرتها المكتشفة في البحرين. وفي الختام يكون ذكر المسك، بالتنويه الذي لم يتركه الباحث السعودي في العلاقة الدينية حين وصلت إلى ملك البحرين رسالة النبي صلى الله عليه وسلم تدعو أهلها لدخول الإسلام فقبلوه ديناً وأسلموا، ليبدأ تاريخ جديد من العلاقات بين شعوب المنطقة مع بداية مشرق الإسلام على أهل الأرض جميعاً.
0 تعليق