مارس 4, 2025 12:39 م
كاتب المقال : عدنان حميدان

في الوقت الذي تسعى فيه الحكومات إلى فرض سياسات وإجراءات تهدف إلى التحكم في مختلف جوانب الحياة العامة، يتبين على أرض الواقع واقع مغاير يعكس الفجوة الكبيرة بين السياسات الرسمية والممارسات الفعلية للمواطنين. إحدى هذه الظواهر التي تبرز هذا التباين بوضوح هي قضية منصات التواصل الاجتماعي في الأردن، وتحديدًا منصة “تيك توك”.
رغم الحظر الرسمي المفروض على “تيك توك” في الأردن، تشير الأرقام الرسمية التي نشرتها قناة المملكة إلى أن هذه المنصة هي الأكثر متابعة في المملكة، حيث بلغ عدد المتابعين فيها أكثر من 2.3 مليون مستخدم. ما يثير الاستفهام هنا هو كيف يمكن أن تكون المنصة الأكثر متابعة في الوقت الذي يتم فيه حظرها رسميًا؟ كيف يمكن للمواطنين في الأردن التفاعل مع هذه المنصة رغم الحظر المفروض عليها؟ الإجابة بسيطة: يستخدم العديد من الأردنيين تطبيقات كسر الحظر (VPN) للوصول إلى “تيك توك”، وهو ما يُعد خرقًا للقانون.
تُظهر هذه الحالة التناقض بين السياسة الرسمية والممارسات الفعلية للمواطنين؛ فالحظر لم يُشكّل عائقًا أمام المستخدمين الذين يواصلون استخدام المنصة رغم محاولات حظرها. بل إن هذا الحظر يعزز من استخدام “تيك توك” بشكل غير مباشر، حيث يثير فضول الناس ويزيد من رغبتهم في الوصول إلى المحتوى الذي يُعتبر “ممنوعًا”. يتضح هنا أن محاولات الحظر والتقييد لم تحقق الأهداف المرجوة، بل كان لها تأثيرات عكسية.
من المهم أن نعي أن التقييد والمنع ليس الحل الأنسب لمواجهة تحديات العصر الرقمي، بل إن الحوار المفتوح والمشاركة السياسية الحقيقية هي التي تساهم في بناء بيئة من التفاهم المشترك والتوافق حول القضايا التي تهم المجتمع. ففي الوقت الذي تتزايد فيه رقعة الحوار والنقاش على منصات التواصل الاجتماعي، وتصبح هذه المنصات وسيلة للتعبير عن الرأي والمشاركة السياسية، تظل الحكومات في وادٍ آخر، حيث تواصل محاولاتها للسيطرة على هذه الفضاءات بدلاً من الانخراط فيها بشكل بنّاء.
هذا التناقض بين السياسات الرسمية والممارسات على الأرض ليس جديدًا في الأردن، بل هو جزء من حالة أوسع من التباين بين الحكومة والمجتمع. فقد أظهرت العديد من الدراسات والأرقام الرسمية وجود فجوة في التفاعل بين السياسات الحكومية والمواطنين في مجالات عدة، بما في ذلك الحريات العامة، والحقوق السياسية، والتعبير عن الرأي.
على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها “منظمة المادة 19” أن نسبة كبيرة من الأردنيين يشعرون بأنهم غير قادرين على التعبير عن آرائهم بحرية في الفضاء العام بسبب القيود المفروضة على حرية التعبير، لكن في الواقع، نجد أن هذه القيود لا تعيق المواطنين عن إيجاد سبل بديلة للتعبير عن آرائهم، كما يظهر جليًا في استخدام منصات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك”، “فيسبوك”، و”تويتر”، التي أصبحت منصات حيوية للنقاش العام.
إن الإصرار على فرض قيود صارمة في وقت تسير فيه معظم دول العالم نحو مزيد من الانفتاح الرقمي قد يعكس غيابًا للوعي بالتطورات المتسارعة في الفضاء الرقمي. لا يمكن للحكومة أن تستمر في تجاهل هذه الفجوة بين السياسة والممارسة. ربما حان الوقت لإعادة التفكير في الأساليب المتبعة، والتركيز على الحوار والمشاركة بدلاً من القمع والتقييد، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لبناء علاقة أكثر تفاعلاً بين الدولة ومواطنيها في العصر الرقمي.
ختامًا، يتطلب الوضع في الأردن مراجعة جادة لسياسات التواصل الاجتماعي، وفهمًا أعمق للواقع على الأرض. يجب على الحكومة أن تدرك أن فرض القيود لم يعد الخيار الأمثل، بل الانفتاح على فضاءات الحوار الرقمي والمشاركة الحقيقية هو الطريق الأصح للمستقبل.
0 تعليق