تكشف بعض الوثائق المنقولة فـي كتب الفقه عن أسماء قديمة من الأعلام مما تسمى به بعض أهل عمان فـي تلك القرون الغابرة، ولعل من نافلة القول إن رصد تلك الأسماء العمانية يمكن أن يكون نواة معجم لما تسمّى به أهل عُمان عبر تأريخهم.
وعلى نحو ما رأيناه من أسماء فـي الوثائق التي تعرّضنا لها فـي الحلقات الفائتة من هذه السلسلة فإن وثيقة صداقٍ آجلٍ هذه المرة نستعرضها هنا، وهي الأخرى حملت بعض الأسماء من قرى عمان الداخلية فـي زمن لعله زمان أبي سعيد محمد بن سعيد الكدمي فـي القرن الرابع الهجري، وتشير إلى ذلك العبارة التي سبقت نص الوثيقة المنقولة فـي كتاب بيان الشرع، ونصها:« .. وجدتُ هذا الكلام فـي رقعة من كلام أبي سعيد مما يُكتَب فـي الصكوك»، ونص الوثيقة:
«هذا ما أشهدنا به محمّد بن المهلّل النازل المحلة من قرية سلّوت من عمان، وهو يومئذ بالغ الحلم، لا نعلم فـي عقله نقصانًا ونحن به عارفون، وأقرّ به على نفسه أنّ عليه لزوجته هند بنت أبي مالك النازلة قرية بسيا من عمان ألف درهم، وازنة جياد من النقا نقد عُمان، حالّة عليه لها متى شاءت أَخْذَ ذلك أخَذَتْهُ، ومائة نخلة وشربها من الماء صداقًا لها عليه ثابتًا على سبيل سنّة نسائها من أهل قرية سلّوت، وسبيل القضاء فـي صَدُقات النساء من قرية سلّوت وثابت ذلك عليه لها فـي قرية سلّوت من عُمان آجلة عليه مؤجّلة إلى أن يحدث الله بينهما حدثًا من موت أحدهما، أو أن يطلّقها أو تَبِين منه بحرمة أو بوجه من وجوه البينونة، أو يتزوّج عليها غيرها من النساء أو يتسرّى. فإذا كان أحد ذلك من محمّد بن مهلّل هذا المنسوب فـي صدر هذا الكتاب، فقد حلّ لزوجته هند هذه المائة النخلة التي فـي صداق لها من قرية سلّوت من عمان على سبيل ما تقدّم من ذكر ذلك، وشرطه لا براءة لمحمّد بن مهلّل هذا المنسوب فـي صدر هذا الكتاب من هذا الحقّ الذي أقرّ به لزوجته هذه هند بنت أبي مالك، ولا من شيء منه إلا بأدائه إليها أو إلى من يقوم مقامها من وكيل أو مأمور أو وارث، شهد الله وكفى بالله شهيدًا، وشهد على ما فـي هذا الكتاب محمّد بن المهلّل المنسوب فـي صدر هذا الكتاب بعد أن قرئ عليه، وقال: إنّه عارف به وبمعانيه، وقال لمن حضر أن يشهد عليه بما فـيه».
جمعت هذه الوثيقة بين قريتين متجاورتين من الأماكن القديمة فـي داخلية عمان هما بسيا وسلّوت، وفـي أرضهما كشفت التنقيبات الأثرية عن آثار موغلة فـي القِدَم بعضها معروض الآن فـي مركز زوّار بسيا وسلّوت بولاية بهلا، وهو من مشروعات وزارة التراث والسياحة. ولما كانت هذه الوثيقة صك صداق آجلٍ دان به محمد بن المهلل لزوجته فمن البديهي أن يكون الصداق شيئًا من المال، لكن العجيب أن مقدار الصداق المذكور قد يكون كبيرًا بمقاييس زمانهم، فألف درهم ومائة نخلة وشربها ليست بقليلة. كما أنه جاء فـي النص أن ذلك على سبيل سنة نساء قرية سلّوت، وهذا معناه أن ذلك من أعراف أهل بلده هو، بينما جاء فـي أول النص أن المرأة من أهل بسيا فـي عبارة: «لزوجته هند بنت أبي مالك النازلة قرية بسيا من عمان». وتثير عبارة «نقد عُمان» تساؤلًا إن كان معناها «ضرب عُمان» فهذا قد يشير إلى سك النقود فـي عُمان فـي تلك الفترة من العصر الإسلامي، سواء أكان ذلك من الحكّام العمانيين أو ممن حكموا عُمان من غيرها من الممالك والدُّول.
0 تعليق