ما يحدث في الساحل السوري حاليًا، هو جزء من حالة الاحتقان التي يعيشها قطاع ليس صغيرًا من الشعب السوري؛ صحيح هناك تحديات تتعلق باستقرار النظام السياسي الحالي، وقد يكون المسلحون في الساحل مدعمون من بعض الدول الإقليمية ذات المصلحة، ولكن ما لا يجب أنّ ننساه أنّ بعض الطوائف لديها مشكلة في التعاطي مع النظام السياسي الوليد في سوريا، من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، الأكراد والدروز والعلويين، فضلًا عن التيار الليبرالي أو العلماني.
خاصة وأنّ النظام السوري الحالي يحمل قدرًا كبيرًا من التنوع ولكن أغلبه من المجموعات الإسلاموية؛ فهو يرى أنه صاحب هذه الثورة عمليًا، صحيح يدلي بتصريحات خلاف ذلك، ولكن المواقف العملية له تؤكد أحقيته بهذه الثورة، وفق منطق صاحب القوة هو من يحكم.
وهنا تم استثناء أغلب قوى الثورة والتي كانت تمثل المعارضة في الخارج، وكانت تمثلها في المحافل الدولية؛ التغيير في سوريا كان سياسيًا وليس دينيًا ولا أيديولوجيًا، فما بدا لأغلب المكونات السورية منذ 8 ديسمبر العام الماضي أنّ التغيير جاء وفق القناعات الدينية والسياسية لهيئة تحرير الشام.
على كل الأحوال وصل أعداد القتلى جراء التمرد الحالي، إلى قرابة 70 فضلًا عن عشرات الجرحى، وأغلبهم من قوات الأمن السوري الحكومية، وهو ما اضطرها لاستخدام الطيران الحربي في قصف المترددين، وهو ما نتج عنه مقتل أربعة مدنيين حتى الآن، فضلًا عن الاعتصام السلمي الذي دعت إليه الطائفة العلوية ردًا عى ما وصفته بالتصعيد.
الموقف العملياتي في سوريا لصالح قوات الأمن الحكومية بلا شك، خاصة وأنّ هذه القوات مدعومة دوليًا وإقليميًا وهناك قطاع من الشعب السوري بطبيعة الحال يُدعمها ويُؤيدها، ولذلك الرهان على سقوطها وسريعًا أمر قد لا نستطيع قرأته حاليًا.
ولكن في نفس الوقت تحتاج هذه القيادة إلى ضرورة معالجة ما يحدث في الداخل السوري بحكمة وسياسة تكون قادرة على احتواء كل المكونات السورية، كما أنّ النظام مطالب بتقديم تطمينات أكثر لكل الشعب السوري، هذه هي الوسيلة الوحيدة التي قد تقضي من خلالها هذه القيادة على حالة التمرد التي تزداد مثل كرة الثلج مع الوقت.
كل مقومات التمرد موجودة في سوريا، سلاح وجغرافيا وتنوع عرقي ومواقف سياسية، ولذلك الكرة ما زالت في ملعب القيادة العامة في دمشق، في محاولة لنزع فتيل هذا التمرد بمزيد من المشاركة السياسية لكل المكونات السورية بلا استثناء، وعدم الإتكال على فكرة وصف هؤلاء المتمردين بأنهم فلول النظام السابق، فإذا كان ذلك فلماذا دعت الطائفة العلوية لاعتصام سلمي اليوم الجمعة؟ ولماذا يرفض المكون الكردي حتى الآن تسليم سلاحه؟
التركيبة السياسية في سوريا معقدة، وهو ما يتطلب التعامل مع إعادة البناء بحذر وبدون تهميش، صحيح يبدو أنّ قيادة أحمد الشرع تحاول أنّ تتعامل بهذه الطريقة، لكن في تقديري أنها أخطأت البوصلة، ولم تُقدم ما ينبغي عليها، ربما يكون ذلك لقناعات أيديولوجية وسياسية، خاصة وأنّ هناك جهات إقليمية تواجهها، فسوريا ساحة صراع بين كل من تركيا وإيران وإسرائيل.
استخدام الطيران الحربي ومقتل مدنيين، وكذا الأسلحة الثقيلة وراجمات الصواريخ والطائرات المسيرة الشاهين، فضلًا عن الاستعانة بقوات تركية يُعقد من المشهد السياسي والعسكري في سوريا، والحل قد يكون خارج عن استخدام القوة العسكرية إلى ضرورة إيجاد حل سياسي يضمن حرية كل المكونات السورية بما فيهم العلويين أنفسهم وضمان تحقيق العدالة الانتقالية، كما يتم ضمان حرية التمثيل السياسي لكل المكونات السورية بل لكل الشعب السوري دون صبغ النظام السياسي بأي صبغة.
0 تعليق