ترامب المتقلّب.. ماذا بعد؟

مصدرك 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

رائد برقاوي

يبدو أن حقبة قيادة ترامب لأمريكا ستدفعنا لنعيش ظاهرة جديدة على مستوى العالم عنوانها الرئيسي، «التقلّب»، وسنضطر إلى التعايش معها كل صباح ومساء، وخاصة في الشأن الاقتصادي.
بات واضحاً أن الرئيس الأمريكي - استناداً إلى خلفيته في عالم الأعمال - يتبع نظرية المفاوضات الصعبة «على الحافّة»، برفع سقف مطالبه ليشكّل «الصدمة» ليبدأ بعدها بالتنازل إلى أن يصل إلى اتفاق الحد الأدنى الذي يكون محدداً مسبقاً قبل أن يطلق صدمته.
وما بين «الصدمة والواقع» كما يفعل الآن في إطار التعريفات الجمركية العقابية التي يطلقها على دول جارة أو حلفاء، وأخرى على بعد عشرات آلاف الأميال، يكون الكثيرون قد تضرروا، والأسواق تأرجحت، وتلاشت المليارات، وانتقلت من جيوب هؤلاء إلى خزائن آخرين، فيما الاضطراب يكون سيد الموقف، في البيت الأبيض ومقرات حكومات العالم بما ذلك حلفاء واشنطن الذين باتوا يخشون ما تحمله الأيام والأسابيع المقبلة من حقبة ترامب الثانية.
ما يفعله الرئيس الأمريكي في سياسته الحمائية وتحت شعار «أمريكا أولاً» هو قضاءٌ على أو تقييدٌ لسياسة العولمة التي بدأت في شكلها المعاصر مع حقبة ريغان-تاتشر في الثمانينيات من القرن الماضي، والتي تركز على التكامل الاقتصادي العالمي وتسهيل التجارة الدولية.
وفي الوقت الذي يعتقد فيه ترامب أن قراراته الجمركية هدفها حماية الصناعة الأمريكية وتحقيق التوازن التجاري لبلاده، فإننا في الواقع أمام حروب تجارية قد تؤدي إلى صدمة اقتصادية تهز أسس التجارة العالمية، وقد تتحول إذا توسعت إلى عزلة اقتصادية أمريكية.
من المؤكد أن فرض التعريفات الجمركية سوف يؤثر في الشركات الأمريكية التي تعتمد على الواردات، ما قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية في الأعمال، وزيادة التكاليف التصنيعية والخدمية، ليرتفع التضخم، وتتقلص القدرة الشرائية للمستهلكين، ويحدث انكماش اقتصادي للبلاد، وما يرافق ذلك من تبعات سلبية على الابتكار والاستثمار في التقنيات الحديثة، وعلى التنافسية الأمريكية.
ترامب وفريق البيت الأبيض الاقتصادي عليهم أن يدركوا أن ما حققته العولمة للاقتصاد الأمريكي منذ حقبة الرئيس الأسبق رونالد ريغان في الثمانينيات، وحتى الآن، يفوق بكثير قيمة الديون التي يتحدث عنها ترامب والبالغة 35 تريليون دولار، وهي لا تزيد كثيراً إذا ما قارناها بالقيمة السوقية لشركات التقنية الأمريكية المسيطرة على العالم، وقيمة الترسانة العسكرية الأمريكية التي تبسط نفوذ واشنطن شرقاً وغرباً.
بإمكان ترامب وفريق البيت الأبيض أن يركزوا - لرفد الاقتصاد الأمريكي بالقوة والتنافسية، وليرفعوا من رفاهية الشعب الأمريكي - على القطاعات الاقتصادية الواعدة، مثل التكنولوجيا الحديثة والطاقة المتجددة، والابتكار بشكل عام، فذلك سيساعدهم بشكل أكثر فاعلية على تعزيز الاقتصاد الأمريكي وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
على الرغم من أن أمريكا هي القوة الاقتصادية الأولى في العالم، إلا أن ذلك لم يكن ليتحقق لولا شراكاتها العالمية وتكامل أسواقها مع بقية أسواق العالم. وبالتالي لا يمكنها أن تبقى معزولة في إطار سياسة الحمائية التي يأخذها إليها ترامب.. وإذا كنا لا نعلم ما الخطوات المقبلة للإدارة الأمريكية، إلا أننا نعلم أن العالم شريك في النهوض والركود، ومترابط بغض النظر عن سياسة فريق بعينه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق