في حقبة الرئيس ترامب الثانية، يبدو العالم اليوم وكأنه في مرحلة مخاض عسير لولادة عصر مختلف عما عشناه على مدى قرن ونصف تقريباً، ولا تبدو الصورة أفضل من سابقتها، لكن (الجدر) يغلي بمزيج من الأحداث والتطورات التي لا نعرف ماذا سيكون طعمها في النهاية، على الرغم من أن التوقعات تشير إلى أنها «طبخة فاسدة».
في الشمال، تغيرت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، التي كانت حليفة راسخة، إلى عدو محتمل ونوايا لغزو تلك البلد وإضعافها وزعزعة استقرارها، ويتوقع حدوث انهيار لكندا التي تعتمد بشكل كبير على الجار الجنوبي. فيما لم تسلم المكسيك من مخالب السيد ترامب والتي استطالت، حيث تسللت أطماعه لتستحوذ على قناة بنما.
على الجانب الشمالي الشرقي من الكرة الأرضية، يواجه الرئيس زيلنسكي تحدياً كبيراً في معادلة صعبة للحصول على أسلحة لمواصلة حربه ضد روسيا، فالسيد ترامب يريد نصف المعادن الثمينة التي تمتلكها أوكرانيا، بينما تسعى أوروبا للحصول على النصف الآخر، مما يُنبئ بانهيار أوكرانيا في الأفق القريب.
لقد اجتمع الناتو مؤخراً، ولأول مرة في التاريخ، بدون حضور الولايات المتحدة، التي تمثل 70% من دعم الحلف. هذه الخطوة تُشير إلى بداية انهيار سريع وغير متوقع للناتو، خاصة بعد اتفاق فرنسا وألمانيا على تأسيس جيش موحد، وهو ما كان مستبعداً بعد عداوة الحرب العالمية الثانية. وتزايدت الأصوات التي تشير إلى أن التحالف مع أمريكا كان مجرد خرافة، ومع انهيار التحالف الأمريكي الأوروبي، نتوقع أيضاً انهيار أوروبا كاتحاد يبحث عن هويته بعيداً عن «العم سام».
وعلى العكس من تنصل الرئيس ترامب لكل تحالفات أمريكا التقليدية مع أوروبا وكندا وأوكرانيا، نجده داعماً بقوة شديدة لنتنياهو في جميع حروبه المتوسعة. فهو مُصمم على تهجير سكان غزة العربية بدعم أمريكي أعمى، ويواصل احتلال مناطق في سوريا ولبنان، مع احتمال التوسع نحو العراق أو سيناء لا قدر الله.
ولِمَ لا فها هو نتنياهو يحصل على أسلحة بقيمة 7.4 مليار دولار تتضمن ذخائر موجهة و18 ألف قنبلة للطائرات، و3 آلاف صاروخ «هيلفاير» وقنبلة GBU-43/B، المعروفة بـ«أم القنابل» التي تزن 11 طناً، ولا أعتقد أن هذا الكم من الأسلحة فقط لتدمير غزة العربية وقتل أهلها الأبرياء، بل لمزيد من التمدد في الجوار العربي بحماية أمريكية غير قانونية.
اليوم، لا توجد قوانين ولا عدالة تستطيع أن تكبح جماح هذه الجرائم التي تحدث، بل أن الرئيس الأمريكي فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية لمجرد أنها تجرأت وأصدرت مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
بعد أن كانت أمريكا هي شرطي العالم الذي يحاول تمثيل الدور المناط به تنفيذ القانون والعدالة في الأرض، تحول هذا الشرطي إلى مقاول يبحث عن أراضٍ ومعادن ليستولي عليها بالقوة، وباتت «الولايات المتحدة الأمريكية» اليوم، في زمن الرئيس ترامب «الولايات المتحدة العقارية».
* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية
0 تعليق