الشيخ عمر بن سعيد

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. بدرية بنت علي الشعيبية

الشيخ عمر بن سعيد بن عبدالله بن عمر بن أحمد بن أبي علي بن معد البهلوي، المكنى بأبي حفص، فقيه وشاعر وناسخ للمخطوطات، من علماء القرن العاشر الهجري من بهلا. تلقى تعليمه على يد والده الشيخ سعيد بن عبدالله المعد ومجموعة من العلماء من بينهم عبدالله بن عمر بن زياد الشقصي، وعبدالله بن مدَّاد بن عبدالله الناعبي، والإمام عبدالله بن محمد القرن المنحي.

نسخ الشيخ عمر بن سعيد مجموعة من المخطوطات العمانية بخط يده، من بينها «بيان الشرع»، و«جامع أبي قحطان»، وكتاب «المصنف»، وكتاب «شرح المنظومة الرائية في الصلاة» للشيخ النفوسي أبي نصر فتح بن نوح الملوشائي، وعدد كبير من المؤلفات العمانية ليزود بها مكتبته التي أوقفها لعامة الناس على وجه العموم ولطلبة العلم على وجه الخصوص، وأشرف أولاده وأحفاده من بعده على خدمتها وصيانتها، وتعرف هذه المكتبة بمكتبة المعدَّ، ولم يكتفِ الشيخ عمر بهذه الأعمال الخيرية بل أسس مدرسة بمسجد المعدَّ في بهلا، وأنفق عليها من ماله الخاص وتفرغ بنفسه للتدريس فيها، وتخرج من مدرسته مجموعة من العلماء منهم: سعيد بن عمر بن سعيد البهلوي، وعبدالله بن مبارك الربخي، وأحمد بن عبدالله بن سنان الخليلي، وصالح بن محمد بن صالح النزوي.

من أبرز مؤلفات الشيخ عمر كتاب «منهاج العدل»، وهو كتاب يقع في أربعة أجزاء، عبارة عن موسوعة فقهية شاملة، وبدأ في تأليفه ليلة السبت الثامن عشر من شهر ذي القعدة سنة 957هـ، وانتهج في كتابته أسلوبًا مميزًا، حيث يبدأ كل باب من أبواب الكتاب بجواب عن الشيخ أحمد بن مفَرِّج البهلوي، ثم بعد ذلك يذكر باقي الجوابات لغيره من العلماء من بينهم محمد بن عبدالله بن مداد الناعبي، وبعد أن ينتهي من مسائل العلماء، يكتب المسائل التي أفتى فيها بنفسه.

يعد هذا المخطوط ذا أهمية كبيرة لأنه يوثق للحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في عُمان خلال القرون من الثامن إلى العاشر الهجري، حيث يوثق الكتاب لفترة حكم النباهنة ولفترة سيطرة مملكة هرمز على المدن العمانية الساحلية وطبيعة العلاقة التي كانت بين هذه المملكة والمدن العمانية في داخل عُمان، ومن أبرز سلاطين النباهنة الذين عرض كتاب «منهاج العدل» لمعلومات عنهم السلطان أبي المنصور المظفر بن سليمان النبهاني، الذي كان يستشير الفقهاء في كثير من المسائل، ولقد دون الشيخ عمر عددًا منها، وكتب الشيخ عمر مسائل فقهية عديدة تتعلق بالمجتمع العماني في مدينة بهلا وطبيعة العلاقة بين الناس، وطريقة تقسيم مياه الأفلاج فيها، وذكر معلومات عن حارات بهلا ومزارعها وسورها والأوقاف التي أوقفت له.

ولقد أفرد الشيخ عمر في هذا الكتاب بابًا خاصًا بالعملات وصرفها، وهو بعنوان: «في معرفة صرف الدنانير والدراهم، ووزنها، والمعاملة بها إذا كانت زائدة أو ناقصة أو قلب الصرف أو عُطلت، وما أشبه ذلك، وفي عيار الأوزان والمكاييل، وأحكام ذلك»، وذكر في هذا الباب مجموعة من تلك العملات، منها الدينار الهرموزي، والدينار المصري، ودينار أبو سبعة، ودرهم أبو ستة، ودرهم بهلا، والمحمدية، والأرية، والصدية.

ويضم الجزء الأول من الكتاب سبعة وثلاثين بابًا، بدايته في أهمية العلم وضرورة العمل به، ثم باب التوحيد ثم الدعاء، أما الجزء الثاني، فيقع في سبعة وعشرين بابًا ويبدأ بباب القضاء ثم باب فض المنازعات، والجزء الثالث يضم اثنين وعشرين بابًا وهي في المعاملات المالية، والجزء الرابع يقع في واحد وعشرين بابًا ويتناول موضوع اليتامى والعناية بهم.

ولقد وضع مقدمة الكتاب الشيخ عبدالله بن مبارك بن عمر الربخي البهلوي، وقال فيها: «الحمد لله الذي أوضح منهاج الإسلام، وخير كتب التصانيف بشرائع الأحكام، وسما مراتب من رغب في تمييز الحلال من الحرام، الأول الذي لا شيء قبله، والآخر الذي لا شيء بعده، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير». أما الشيخ عمر فلقد كتب عن كتابه قائلًا: «فهذا كتاب ألفناه من الآثار، وجمعناه من جوابات المسلمين ذوي الألباب والأبصار رحمة الله عليهم تترى ما انسلخ ليل من نهار، سهلًا للتعليم والحفظ والتذكار، وطلبنا بذلك الثواب والأجر لا للافتخار، وللتعليم لا للتقدم والاشتهار، وسميناه منهاج العدل، جامعًا للحفظ والنقل، والله نسأله المعونة والهداية والتوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل».

واعتنى طلبة العلم بكتاب «منهاج العدل» فتدارسوه ونسخوه مرات عديدة ليكون متوفرًا لمن يطلبه، ومن النساخ الذين نسخوا «منهاج العدل» محمد بن سالم الذي نسخه عام 1088هـ لعامر بن محمد بن مسعود بن راشد المعمري السعالي النزوي، واعتنت وزارة الثقافة والرياضة والشباب بمخطوط «منهاج العدل»، حيث تحتفظ بنسخ من المخطوط، منها نسخة بخط الناسخ محمد بن سالم بن عمر الملقب بالعظم، الذي نسخ المخطوط في سنة 1083هـ، وكذلك الحال مع هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية التي تحتفظ بعدد من النسخ.

مات الشيخ عمر بن سعيد يوم الخميس 21 من جمادى الأولى 1009هـ / 30 من نوفمبر 1600م، بعد حياة حافلة بالعطاء وخدمة مجتمعه وخدمة العلم وطلبته.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق