صدور كتاب "التداخل الأجناسي في التجربة الإبداعية" لياسين عدنان

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان– تعد تجربة ياسين عدنان الأدبية من التجارب الفريدة والمتميزة في المشهد الأدبي المغربي والعربي.
 فقد صدر كتاب يتناول "التداخل الأجناسي في التجربة الإبداعية لياسين عدنان"، حيث أسهم هذا الكاتب في تجديد الأفق الأدبي من خلال انتهاج أساليب سردية وشعرية تميزت بالتداخل والتفاعل بين الأجناس الأدبية المختلفة، مما جعله يثير نقاشًا عميقًا بين النقاد والدارسين.اضافة اعلان
 منذ أن بدأ ياسين عدنان في كتابة الشعر الذي يستمد إيقاعه من الخصائص السردية، إلى أن قدم أعمالًا أدبية تتنقل بين السرد والشعر، وبين التجريب في الأجناس الأدبية التقليدية والمستحدثة، وهو يفتح بابًا واسعًا لفهم كيفية تداخل الأجناس الأدبية وكيفية تحطيم الحدود التي طالما كانت فاصلة بين الأنواع الأدبية.
الكتاب الذي صدر عن "العائدون للنشر" بالتعاون مع كلية اللغة العربية في مراكش، يحاول أن يقدم نصوصًا عدنان التي تتجاوز التصنيفات المألوفة، وهو ما جعل تجربته الأدبية تثير الكثير من الاهتمام والتساؤلات حول مفهوم الأجناس الأدبية.
 ومن خلال أعماله الشعرية والسردية، استطاع أن يخلق نوعًا من التفاعل بين الأدب والفنون الأخرى مثل المسرح والموسيقا والفن التشكيلي، ليكشف عن قدرة الأدب على التأثير والتداخل مع أشكال فنية أخرى.
 كما أظهر عدنان من خلال كتاباته التزامًا عميقًا بالمكان في نصوصه، مُجسدًا ذلك في مراكش ومدن أخرى كتب عنها، بما يجعل أعماله رحلة تفاعلية بين الأدب والمكان والزمن.
جاء في التقديم الكتاب الذي قام بتنسيقه كل من الدكتورة عتيقة السعدي، والدكتور عبدالرحمن إكيدر، والدكتور عبدالفتاح شهيد.
 أن تجربة ياسين عدنان الأدبية التي تعد نموذجا استثنائيا أثارت أقلام النقاد في هذا المجال. فالرجل يكتب شعرًا يستمد قوله من الخصائص السردية، حتى أن هناك من عدّ قصيدته "قصيدة سردية" لا "قصيدة شعرية"، وهناك من اعتبرها سيرًا ذاتيًا سرديًا في قصيدته. كما أسهم عدنان في كسر الحدود بين الأجناس الشعرية والأجناس الكتابية حين كتب الرحلة شعراً لأول مرة في "دفتر العابر"، قبل أن يتحول إلى السرد في "مدائن معلقة". بل إنه جازف بإدخال هذا النص الأدبي كنوع من التدوينات، مقترحًا التدوينة كجنس أدبي جديد قائم بذاته.
 وحتى حين كتب "الرواية"، أكد أنه انتقل إليها من القصة القصيرة لا من الشعر، متكئا على شخصيته وتوجهه الأدبي الذي يتنقل بين الأجناس الأدبية.
ويعد ياسين عدنان من أكثر الأدباء المغاربة انفتاحًا على باقي الأجناس الفنية، حيث اشتغل مع فنانين تشكيليين، موسيقيين، ومسرحيين مغاربة وعرب وأجانب على عدد من أعماله الشعرية والسردية.
 ومن أبرز هذه الأعمال: "مسرحية العابر" عن ديوان "دفتر العابر"، "مسرحية كفر ناعوم" من ديوان "رصيف القيامة"، "مسرحية Altrove Assoluto" عن قصيدته "الطريق إلى عام 2000"، "مسرحية المدينة لي" عن مختارات من شعره، و"مسرحية النمس" عن روايته "هوت مارك" التي عرضت كعرض كوريغرافي من قبل الفرقة "Company E" التابعة لمعهد واشنطن للرقص انطلاقًا من "دفتر العابر".
وهذا الانفتاح على الأجناس المختلفة يفتح الباب لدراسة هذه التجربة من منظور آليات الدراسات البينية وآليات التحويل الجمالي، دون أن يتجاهل حرصه الشديد على توطين المكان في نصوصه، وتوطين الشخصيات في أماكن محددة بدءًا بمراكش، مدينته، وصولاً إلى المدن التي كتب عنها في أعماله. كما أن هناك من قرأ أعماله الأدبية باعتبارها لا تقتصر فقط على الأبعاد الجغرافية، بل تسهم في تجسيد تاريخ وزمان هذه الأماكن.
 وهذا يفتح أمام الباحثين المجال لمقاربة هذه التجربة بأسلوب نقدي يشمل مختلف الأشكال والأجناس الأدبية التي تعتني بالتداخل الأجناسي.
ويرى التقديم أن سؤال الجنس الأدبي كان دائمًا سؤالًا مركزيًا في النظرية الأدبية، لما يثيره من قضايا جوهرية تتعلق بالنص وخصائصه النوعية، وبأسئلة الكتابة والتلقي. فهو بصدد مباشرةٍ، يُسائل ماهية النص الإبداعي، ويتساءل عن إمكانية خضوعه أو انفلاته من قيود النمذجة الأجناسية المسبقة التي تسعى إلى ترسيخ نقاء الأجناس الأدبية وصفائها، بحيث يرسم حدودًا واضحة لأشكال الكتابة.
وهكذا كان دأب النقد الأدبي قديمًا وحديثًا. ولعل وجود الخانة الفارغة في تصنيف أرسطو كان ينبئ بالصعوبة التي سيواجهها المعارضون لسؤال التّجنيس، لأن هنالك دائمًا مكانًا لتشكل جنسا أدبيا لا يشبه الأجناس الثلاثة السابقة (الغنائي، الملحمي، الدرامي). ورغم أن العديد من المنظرين يعتبرون الرواية الجنس الأدبي الذي يشغل هذه الخانة الفارغة، إلا أن الثابت هو أن هذه الخانة تتسع لكل نوع أدبي ينفلت من سلطة القواعد والمحددات المعيارية السابقة.
ويبين التقديم أن إشكالية الجنس الأدبي قديمة جدًا، وأن الأسئلة المتفرعة عنها هيمنت لفترة طويلة على المشتغلين في ميدان الأدب والنقد. ومن ذلك ما ذهب إليه تزفيتان تودوروف (Tzvetan Todorov) حين أكد أن مسألة الأجناس الأدبية تعد إحدى مشكلات الشعرية؛ ومنذ القدم حتى يومنا هذا، لم يتوقف تعريف الأجناس، وعددها، والعلاقات المشتركة بينها عن إثارة النقاش.
فإذا كانت الشعرية القديمة تميل في مجملها نحو مقولة "صفاء الجنس الأدبي"، فإن الوعي النقدي والجمالي الحداثي تحول تجاه فكرة تدمير الحدود بين الأجناس، ومن ثم التداخل فيما بينها. ومن بين هؤلاء الذين يحملون هذه الرؤية الجذرية نجد الناقد موريس بلانشو (Maurice Blanchot) الذي أقر بأن "وحدة الكتاب تهتم بما هو عليه، بعيدًا عن الأجناس، وخارج تصنيفات مثل الشعر، الرواية، والشهادة...". فهو يفترض أن الكتابات يجب أن تُنتظم تحتها، رافضًا سلطتها المقتصدة التي تحدد للكتاب مواضع ثابتة أو تصنيفات محددة. وبالنسبة له، الكتاب لم يعد ينتمي إلى جنس أدبي معين، بل كل كتاب ينتسب إلى الأدب وحده.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق