ملابس البشر وأزياؤهم مرت بمراحل عدة، وتطورت حسب تعدد الأغراض منها، فبدأت بغرض واحد وهو ستر الجسد، ثم تطورت مع تطور الحياة، وأصبح أحد أغراضها حمل النقود وحفظها، فصمم الإنسان الجيوب لهذا الغرض، لكن في الواقع تحولت هذه المساحة الصغيرة إلى ثغرة يتفلت منها المال إلى العدم، والثغرة هذه ليست مجرد ثقب صغير إنما هي منظومة معقدة للتسريب، والجيوب المثقوبة أنواع، ولنأخذ جولة فيها.أولها جيب الموظف، وهو جيب مثقوب وإن شئت فقل منظومة تسريب منتظمة لها دورة حياة تشبه أيام الشهر في السنة القمرية، يشكل فيه يوم استلام الراتب حالة البدر المكتمل، وهذه يكون الجيب فيها مليئاً لم يتسرب منه شيء في اللحظات الأولى، وخلال تلك الثواني المعدودة يشعر الموظف أنه من أصحاب الأموال، وكل ما عليه تولي إدارتها، ولكن للقمر دورة، فبعد أيام قليلة تظهر علامات التسرب من الثقب، ويتحول البدر إلى قمر صغير، وهنا يبدأ الموظف بالتفكير في تقليل الإنفاق، وما هي إلا أيام، ويتحول القمر إلى هلال لا يظهر منه إلا خط بسيط، وهنا يحاول الموظف إغلاق الثقب في جيبه، لكنه سيفشل وسيجد أن القمر اختفى تماماً، أما الجيب الآخر فهو جيب الأب، وهذا مثقوب أيضاً، وقد يعمل وفق المنظومة الأولى بالإضافة إلى منظومة تسريب ثانية، وهي منظومة المواسم والمناسبات، لأن هذا النوع من الثقوب يتسع بشكل غريب، ففي بعض الأيام يتحول الجيب إلى مؤسسة تمويل لمشاريع بحثية تخطط لها المدارس، أو رحلات سياحية ترفيهية، أو تمويل شراء أجهزة إلكترونية مختلفة، وهذا النوع من الجيوب له ميزة إضافية؛ لأنه لا يكتفي بكونه مثقوباً، ففي الوقت نفسه يتحول الطرف الثاني منه (المدخل) إلى توربين سحب قد يصل إلى البنوك أو الأشخاص ليسحب منهم الأموال على شكل قروض، ويخرجها من الثقب، وهناك أيضاً جيب مثقوب آخر، وهو جيب عاشق التخفيضات ومتيم العروض، ومراقب الإعلانات، وهذا الجيب ثقبه يصاب بشق كبير عند رؤية لافتة مكتوب عليها (خصومات لغاية 70%) أو لافتة اشتر اثنين، واحصل على الثالث مجاناً، فيفرغ محتواه على أي سلعة وضعت أمامها تلك اللافتة، وإن لم تكن لها حاجة، أيضاً لدينا جيب كازانوفا صاحب المغامرات العاطفية، والإحساس، ذلك الذي يعاني الجفاف العاطفي، الذي يتحول ثقب جيبه إلى بوابة مع أول علاقة عاطفية، فيصبح مؤسسة تمويل المفاجآت والهدايا، وأنواع المطاعم الفاخرة، ناهيك عن الدببة العملاقة ذات اللون الأحمر.في الحقيقة كلنا لدينا الجيوب المثقوبة، إلا أن الفارق الوحيد بين شخص وآخر هو نوع الجيب الذي يمتلكه، فلينظر كل منا أي جيب يمتلك من تلك الجيوب المثقوبة، إضافة لكل تلك الأنواع من الجيوب المثقوبة، لدينا جميعاً جيب محكم وغير مثقوب له مدخل يملأ من خلاله يومياً، ويغفل أكثرنا عن إحداث ثقب فيه، ولو حصل ذلك الثقب لكان أفضل الجيوب المثقوبة على الإطلاق، ألا وهو جيب الهموم، فهلا حرصنا على أن يكون جيبها مثقوباً.* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية