تأثير الخوارزميات.. كيف تجدك الأخبار!

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
صُممت منصات الوسائط الاجتماعية بطريقة تحدد أولويات المحتوى الذي يُوّلد مستويات عالية من التفاعل والمشاركة، ويؤدي هذا النوع من المحتوى «المثير» إلى الانتشار السريع دون التأكد «غالبا» من صحته والذي يكتسب زخما وحضورا وخاصة في أوقات الأزمات.

إحدى الطرق الرئيسية التي يصل بها المحتوى وينتشر ضمن منصات التواصل الاجتماعي غرف الصدى، وهي المكان الذي يتعرض فيه المستخدمون بشكل أساسي للمعلومات والآراء التي تعزز من معتقداتهم الحالية، حيث تخصص خوارزميات المنصات المحتوى وفقا لتفاعلات المستخدم مع المحتوى، وبناء على التفضيلات الفردية لكل مستخدم، وهذا يظهر ضمن الموجز المخصص لكل مستخدم، ليقوم المستخدم بعد ذلك باستبعاد الآراء التي لا تتفق معه.

ويعزز من تأثير الخوارزميات دور الجهات المصدرة للمعلومات، من جهات أو أفراد لخداع الجمهور عن «عمد»، حيث يتم تصميم حملات للأخبار المزيفة والتضليل الإعلامي بشكل ممنهج للتأثير على الرأي العام، أو زرع الفتنة، أو تحقيق أهداف سياسية، أو مالية، أو ثقافية.

وأحدثت منصات التواصل الاجتماعي ثورة في استهلاك الجمهور للمعلومات ومشاركتها، وأصبحت مجالا خصبا للمعلومات المضللة، على عكس مصادر الأخبار التقليدية إلى حد ما، حيث تساهم خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي بتضخيم المحتوى الذي يجذب الإعجابات أو المشاركات أو التعليقات، والذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى انتشار المعلومات المضللة على نطاق واسع.

ضمن دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة فودان وجامعة سيراكيوز، ونُشرت ضمن مجلة Computers in Human Behavior، سلطت الدراسة الضوء على تصور «الأخبار تجدني» - وهو الاعتقاد بأن الأخبار المهمة ستصل بشكل طبيعي إلى الأفراد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي دون بذل جهد نشط - في الثقة المفرطة في تحديد الأخبار المزيفة؛ ولا تعمل هذه العقلية على زيادة قابلية التعرض للمعلومات المضللة فحسب؛ بل تشجع كذلك على مشاركة القصص الكاذبة.

وتعود جذور «الأخبار تجدني» إلى التحولات الكبيرة في طريقة استهلاك الأخبار، فقبل منصات التواصل الاجتماعي اعتمد الجمهور بشكل رئيسي على الصحف أو القنوات الإخبارية للبحث عن المعلومات؛ أما اليوم، فأصبحت الأخبار متوفرة بشكل فوري وسهل عبر منصات التواصل الاجتماعي، إذ تعرض الأخبار بناء على تفضيلات المستخدم وسلوكياته السابقة.

وحسب الدراسة يعتقد مستخدمو «الأخبار تجدني»، أنهم يستطيعون البقاء مطلعين دون البحث بنشاط عن معلومات مؤكدة، وبدلا من ذلك يعتمدون على الخوارزميات وأقرانهم ضمن منصات التواصل الاجتماعي لتقديم تحديثات مهمة، ويخلق هذا النهج السلبي لاستهلاك الأخبار وهم المعرفة، مما يعزز الثقة المفرطة في قدرة المرء على تمييز الأخبار الحقيقة من الأخبار الزائفة، مع الانفصال التام عن منافذ الأخبار التقليدية، التي تلتزم عادة بمعايير التحقق من الحقائق وسياسات التحرير المتعارف عليها ضمن الوسائل الإعلامية.

من العبارات التي أكدت عليها الدراسة لفهم أفضل لكيفية مساهمة أنماط استهلاك الأخبار وقابلية التعرض للمعلومات المضللة وانتشارها لاحقا «أعتمد على أصدقائي لإخباري بما هو مهم عندما تحدث الأخبار»، «لا يتعين عليّ البحث بنشاط عن الأخبار لأنها ستجدني»، وقد التقطت هذه الاستجابات مدى استهلاك المشاركين للأخبار بشكل سلبي من خلال الخوارزميات والأقران؛ وأيد أكثر من نصف المشاركين (55.2%) هذه العقلية، علما أن هذا النهج السلبي في استهلاك الأخبار أكثر شيوعا بين المستخدمين الأصغر سنا الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع.

ناقشت الدراسة تصور «الأخبار تجدني» وارتباطه بإدراك الشخص الثالث - وهو تحيز إدراكي، حيث يعتقد الأفراد أنهم أقل تأثرا بالمعلومات المضللة من غيرهم - ووجد الباحثون أدلة قوية على وجود تحيز في الإدراك من منظور الشخص الثالث بين المشاركين، وحددت الدراسة علاقة مهمة بين تصور «الأخبار تجدني» والتصور من منظور الشخص الثالث، مما يدل على أن هذين العاملين النفسيين يعززان بعضهما بعضا بطرق تزيد من التعرض للمعلومات المضللة.

وختاما الأفراد الذين يتبنون نهج «الأخبار تجدني» لا يطبقون التفكير النقدي لدى تعاملهم مع الأخبار، وهو ما يجعلهم أكثر عرضة لتصديق الأخبار الزائفة، ويميلون إلى الاعتماد بشكل مفرط على الخوارزميات التي تقدمها مواقع التواصل الاجتماعي لعرض الأخبار، ما يجعلهم ضحايا للمعلومات المغلوطة التي تنتشر عبر هذه المواقع.

إن الحل لمواجهة «الأخبار تجدني» يكمن في تعزيز مهارات التفكير النقدي، التشجيع على التحقق من مصادر الأخبار، والتوعية حول كيفية عمل الخوارزميات التي تتحكم في عرض الأخبار، ومتابعة مصادر إخبارية متنوعة، والاعتماد على مواقع مستقلة لتقصي الحقائق قبل مشاركة الأخبار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق