فرصة للسيطرة على الذات وتعزيز الروابط الأسرية
أكد الدكتور عمر المديفر، استشاري طب نفس الأطفال والمراهقين، أن شهر رمضان يمثل فرصة ذهبية لتحسين الصحة النفسية، حيث يمنح الإنسان قدرة أكبر على ضبط ذاته والتكيف مع التغيرات اليومية، مما ينعكس إيجابًا على حالته المزاجية واستقراره العاطفي، وأوضح أن رمضان يعزز الإحساس بالراحة النفسية لدى الغالبية، بفضل مجموعة من العوامل المرتبطة بالتحكم في السلوك، وتقوية الروابط الاجتماعية، والجانب الروحاني الذي يوفره الشهر الفضيل.
التغيير السلوكي وضبط العادات
يرى د. المديفر أن الصيام يمثل تجربة فريدة في ضبط النفس والسيطرة على العادات، حيث يتكيف الجسم والعقل تدريجيًا مع الامتناع عن الطعام والشراب، مما يساعد على كسر العادات السلبية وتطوير أنماط سلوكية جديدة، وأضاف أن الإنسان قد يعتقد أنه غير قادر على تغيير عاداته، لكن الصيام يثبت العكس، إذ يظهر جليًا كيف يمكن للجسد والعقل التكيف مع نمط جديد خلال أيام قليلة.
ويشير د. المديفر إلى أن رمضان يشكل فرصة مثالية للأشخاص المدمنين على العادات السلبية مثل التدخين أو الأكل المفرط أو حتى الإدمان، فالصيام يساعد على كسر هذه العادات وإعادة تشكيل سلوك الإنسان، ويُعتبر التوقف عن التدخين أو الطعام لساعات طويلة في رمضان دليلاً على أن الانسان قادر على السيطرة لفترات أطول حتى الترك.
التغيير السلوكي وضبط العادات
وحول تأثير العبادات في رمضان على الصحة النفسية، شدد د. المديفر على أن التدين الحقيقي بمفهومه العميق يعزز الطمأنينة والاستقرار النفسي، حيث يمنح الإنسان شعورًا بالمعنى والهدف، وأشار إلى أن العبادات في رمضان تعزز الإحساس بالانتماء الروحي والاجتماعي، وتقلل من القلق والاكتئاب.
وأوضح أن هناك مدرسة علاجية كاملة تُعرف "بالعلاج بالمعنى"، والتي تقوم على فكرة أن وجود هدف واضح في الحياة يساعد الإنسان على الصبر وتحمل المشاق، وأضاف أنه في رمضان يشعر الإنسان بأنه جزء من منظومة إيمانية ومجتمعية مترابطة، مما يمنحه شعورًا بالاستقرار النفسي والوجودي.
تقوية الروابط الأسرية وتأثيرها على الصحة النفسية
تطرق د. المديفر إلى الجانب الاجتماعي في رمضان، مؤكدًا أن الشهر الفضيل يعزز العلاقات الأسرية، حيث تجتمع العائلات يوميًا على مائدة الإفطار، مما يساهم في تحسين التواصل وتقوية الروابط بين أفراد الأسرة، وأوضح أن الوحدة والعزلة الاجتماعية من أبرز مسببات الاضطرابات النفسية، في حين أن الترابط الأسري يعد من مقومات الصحة النفسية الإيجابية.
وأضاف أن العديد من الدراسات تؤكد أن المجتمعات التي تعاني من ارتفاع معدلات العزلة تكون أكثر عرضة للاكتئاب والقلق، مشيرًا إلى أن الغرب بدأ يعترف بخطورة الوحدة، حتى أن بعض الدول تصفها بالوباء.
تأثير رمضان على الأمراض النفسية
أوضح د. المديفر أن تأثير رمضان على المرضى النفسيين يختلف وفقًا لنوع الاضطراب، فبالنسبة للأمراض النفسية الكبرى علاجها دوائي، أما الاضطرابات النفسية الشائعة مثل القلق والاكتئاب، فقد يساعد الصيام في تخفيفها لدى البعض، بينما قد يزيدها لدى آخرين، خاصة من يعانون من الوسواس القهري أو القلق الاجتماعي.
وأضاف أن الصيام قد يؤثر على المزاج في الأيام الأولى، لكنه يمنح الإنسان فرصة للتحكم في أفكاره وسلوكياته، مما قد يساعده على إعادة برمجة عقله بطريقة إيجابية.
العصبية في رمضان.. سلوك متعلم وليس بيولوجيًا
وعن شيوع العصبية خلال رمضان، أكد د. المديفر أن هذه الظاهرة ليست نتيجة بيولوجية بحتة، بل تعود في الغالب إلى برمجة ذهنية خاطئة، وذكر أنه يعتقد البعض أن الصيام يجعلهم أكثر عصبية، لكن في الواقع، الجسم يتكيف مع الصيام بعد الأيام الأولى، وما يحدث هو أن بعض الأشخاص يسمحون لأنفسهم بالانفعال ويبررون ذلك بالعجلة.
كما أن رمضان يُعتبر اختبارًا حقيقيًا للقدرة على ضبط النفس، حيث يشجع الصيام، التغلب على الانفعالات السلبية مثل العصبية، ويرى د. المديفر أن العصبية في رمضان ليست ناتجة عن الجوع، بل هي ظاهرة نفسية متعلمة، والصيام يعلّم الإنسان التحكم في مشاعره ويحثه على ممارسة ضبط النفس، وهذا ما يعكس قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن سابّه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم".
رمضان.. إعادة برمجة نفسية وسلوكية
اختتم الدكتور المديفر حديثه بالتأكيد على أن رمضان يمثل فرصة لإعادة ضبط النفس، سواء على المستوى السلوكي أو النفسي أو الروحي. وقال: "هذا تحدٍّ لقدرة الإنسان فقد خلق الله الإنسان غير الملائكة، فالملائكة ما عندهم نوازع سلبية وخلقه غير الشياطين لأن الشياطين مؤذية خلقةً، فقد وضع ربي الإنسان في هذا الاختبار إنا هديناه السبيل إما يسلك درب الإيمان أو الكفر وهذا يأتي بالسلوك، وهذا اختبار الإنسان كلما استطاع أن ينتبه أنه اختبار ينجح وكلما رأى أن هذا شيء عادي لا ينجح، ورمضان يذكرك بهذا الشيء فرمضان ما جاء شهراً بالسنة إلا لأنه نوع من أنواع إعادة البرمجة سواء السلوكية أو الدينية أو الأخلاقية أو الأسرية، وأن رمضان فعلًا يعيد تشكيل الإنسان ويذكره بنقاط قوته ونقاط ضعفه، بالإضافة إلى أنه موسم تعبدي قبل كل شيء".
وأضاف أن النظرة الإيجابية لرمضان تسهل وتساعد في تسهيل الأمور لدى الإنسان، ذاكرًا أن الأشخاص الذين يستثمرونه في تحسين علاقاتهم بأنفسهم وبالآخرين، غالبًا ما يخرجون منه بحالة نفسية أفضل.
0 تعليق