يمثل إطلاق القمر الصناعي "المنذر" بنجاح كبير إعلاناً رسمياً لدخول مملكة البحرين إلى عالم الفضاء، وذلك من خلال تأسيس منظومة متكاملة من المعرفة التقنية، والمهارات الهندسية، والبنية التحتية الفضائية التي ستدعم الجهود المستقبلية في هذا المجال. وتطمح الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء إلى البناء على هذا النجاح، حيث يتم دراسة تطوير أقمار صناعية جديدة تلبي احتياجات المملكة، وتساهم في توسيع البنية التحتية الفضائية الوطنية.
ويعد هذا المشروع بداية عهد جديد لمملكة البحرين في الفضاء، حيث أثبتت المملكة قدرتها على دخول هذا المجال بقوة، من خلال تنفيذ مشروع فضائي، وتطوير التقنيات والمهارات التي ستمهد لمستقبل أكثر إشراقاً في قطاع الفضاء، والأهم من ذلك خطوتها في الاستثمار في كوادرها الوطنية الشابة التي ستقود المسيرة نحو مزيد من التقدم والريادة في هذا القطاع.
أُطلق القمر الصناعي "المنذر" باستخدام صاروخ Falcon 9، الذي تم تطويره من قبل شركة SpaceX. كما يُعتبر الصاروخ من أشهر الصواريخ الفضائية من حيث عدد مرات الإطلاق الناجحة، بفضل تصميمه القابل لإعادة الاستخدام، مما يقلل من تكاليف الوصول إلى الفضاء، ويعد صاروخ Falcon 9 من نوع صاروخ قادر على شحن حمولات فضائية متنوعة، وهو مكون من مرحلتين، قابل لإعادة الاستخدام جزئياً، بطول 70 متراً، وقطر 3.7 أمتار، وتعد الحمولة القصوى إلى المدار الأرضي المنخفض (LEO): 22,800 كيلوغرام، والحمولة القصوى إلى مدار فضائي ثابت بالنسبة للأرض (GTO): 8,300 كيلوغرام، ويستخدم الوقود: الكيروسين (RP-1) والأكسجين السائل (LOX).
بدأت مرحلة الإطلاق بالمرحلة الأولى وهي الإقلاع والعودة إلى الأرض، فعند الإقلاع، يقوم صاروخ Falcon 9 باستخدام 9 محركات قوية تدفعه بقوة هائلة للتغلب على قوة الجاذبية لمغادرة سطح الأرض، ويمكن تشبيه هذه المحركات بمحركات الطائرة أثناء الإقلاع، حيث توفر الطاقة اللازمة للتحليق في الجو، وبمجرد وصول الصاروخ إلى ارتفاع معين، تنتهي مهمة هذه المرحلة، فتنفصل عن باقي مكونات الصاروخ، وتبدأ رحلة عودتها إلى الأرض، وعلى عكس معظم الصواريخ التي تتحطم بعد استخدامها، فإن Falcon 9 يستطيع الهبوط عمودياً على منصة خاصة، مما يسمح بإعادة استخدامه في رحلات مستقبلية، مثلما يمكن للطائرة الهبوط وإعادة الإقلاع مرة أخرى.
أما المرحلة الثانية وهي مرحلة إيصال حمولة الصاروخ إلى المدار، فبعد انفصال المرحلة الأولى، تبدأ المرحلة الثانية عملها باستخدام محرك واحد مُصمم خصيصاً للعمل في الفراغ (حيث لا يوجد هواء لدعم الاحتراق مثلما يحدث داخل مجال الأرض)، ويمكن تشبيه هذه المرحلة بمرحلة الطيران على ارتفاع عالٍ بعد الإقلاع، حيث يتم ضبط الاتجاه للوصول إلى الوجهة النهائية، وهذه المرحلة مسؤولة عن إيصال القمر الصناعي أو الحمولة إلى الارتفاع المطلوب، ويمكن إعادة تشغيل المحرك لضبط موقع الحمولة في المدار الصحيح، تماماً مثل قيام الطيار بضبط مسار الطائرة قبل الوصول.
وفي المرحلة الثالثة وهي مرحلة الانفصال وإطلاق الحمولة، فبعد الوصول إلى المدار المحدد، يتم فتح الغلاف الواقي الذي كان يحمي الحمولة أثناء الرحلة، ومن ثم إطلاق القمر الصناعي "المنذر" إلى الفضاء ليبدأ رحلته في المدار المحدد له.
ومع وصول القمر الصناعي إلى مداره بنجاح، تبدأ المرحلة التشغيلية بعد الإطلاق، وتتمثل في اختبار الأنظمة والتأكد من جاهزيتها لبدء العمليات التشغيلية، ومن المتوقع أن تستمر هذه الاختبارات لعدة أسابيع قبل بدء العمليات العلمية الفعلية للقمر، والتي تتضمن التقاط الصور وتفعيل الحمولات الفضائية، حيث سيتم استقبال أولى البيانات والصور الملتقطة، وتحليلها من قبل الفريق الهندسي في المحطة الأرضية بمملكة البحرين، كما سيتابع الفريق أداء القمر الصناعي عن كثب، لضمان تحقيق أقصى استفادة من هذه المهمة، والتي تعد الأولى من نوعها تاريخياً في مملكة البحرين.
حظي مشروع "المنذر" بدعم من مختلف المؤسسات الوطنية، حيث لعبت قوة دفاع البحرين دوراً محورياً في توفير البنية التحتية اللازمة للمحطة الأرضية، مما مكن الفرق التقنية من إنشاء بيئة تشغيلية متكاملة لمتابعة القمر الصناعي بعد الإطلاق.
كما كانت وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ووزارة المالية والاقتصاد الوطني، ووزارة الإعلام، ومركز الاتصال الوطني جزءاً من المنظومة الداعمة للمشروع، حيث تم تسهيل العمليات اللوجستية والإعلامية لضمان نجاح المهمة الفضائية.
كما قامت وزارة المواصلات والاتصالات وهيئة تنظيم الاتصالات بتسهيل تسجيل الترددات اللازمة لضمان تشغيل القمر الصناعي "المنذر" ضمن المعايير الدولية المعتمدة في مجال الاتصالات الفضائية. إلى جانب ذلك، ساهمت بوليتكنك البحرين عبر توفير مختبراتها لتنفيذ بعض التجارب المتعلقة بالإلكترونيات.
لم يقتصر التعاون المحلي على المؤسسات الحكومية فحسب، بل كان لبعض الشركات الناشئة البحرينية دور مهم في تصميم بعض مكونات القمر الصناعي، حيث تم تطوير بعض الأجزاء الفنية وفقاً للمتطلبات الفضائية الصارمة، مما يعكس قدرة القطاع الخاص في المملكة على المساهمة في تطوير تقنيات متقدمة تلبي احتياجات المشاريع الفضائية المستقبلية.
0 تعليق