كيف نجح ترامب بحظر الملاحة في البحر الأحمر؟

السبيل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مارس 16, 2025 6:43 م

حازم عيّاد

لم تفلح القوات الأمريكية على مدى عام وثلاثة أشهر في وقف هجمات حركة أنصار الله الحوثية على سفن الشحن المتوجهة إلى الكيان الإسرائيلي، التي تطورت فيما بعد لتشمل سفن الدول الحليفة الداعمة للكيان على نحو أدى إلى شبه توقف لحركة الملاحة في البحر الأحمر وتعطيل كامل لميناء أم الرشراش (إيلات) في خليج العقبة.

العمليات العسكرية الأمريكية – البريطانية المشتركة طوال عام 2024 إلى ساعة وقف إطلاق النار في يناير/ كانون الثاني من العام 2025 لم تمنع حركة أنصار الله الحوثية من تطوير أدائها ليشمل توجيه 174 هجوماً على القطع الحربية الأمريكية في البحر الأحمر من ضمنها حاملات طائرات وفرقاطات ومدمرات، بالتزامن مع توجيه ضربات بصواريخ فرط صوتية أثبتت فاعليتها في استهداف مدينة يافا المحتلة (تل أبيب)، تحت ما أسماه الناطق العسكري باسم الجيش اليمني يحيى سريع بالمرحلة الخامسة من عمليات إسناد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. في مقابل ذلك اقتربت التكاليف الأولية المباشرة المعلنة للعملية العسكرية التي أطلقتها الولايات المتحدة وبريطانيا من 2 مليار دولار أمريكي، غير أن التكاليف الاقتصادية التي تكبدها الاحتلال الإسرائيلي واقتصادات المنطقة إلى جانب شركات الشحن الدولية تجاوزت هذا الرقم بأكثر من عشرة أضعاف، مما كان يعني في حينها أن العمليات العسكرية الأمريكية والبريطانية التي انضم إليها الاحتلال الإسرائيلي فيما بعد لم تجدِ نفعا.


فهل يمكن لاستئناف العمليات الحربية أن يحدث فارقًا بعد أن تم وقفها لأكثر من 57 يومًا؟ وما هو الأمر المختلف الذي يجعل من هذه العمليات أكثر جدوى من الناحية العسكرية والسياسية؟ بدايةً تسببت بتحول 60% من حركة الشحن نحو أفريقيا باتجاه رأس الرجاء الصالح، وهو ما كانت تسعى له حركة أنصار الله الحوثية وما حققه ترمب بهجومه المباغت. وللتذكير، فإن العمليات التي انطلقت مساء وفجر أمس الأحد جاءت كرد فعل على استئناف حركة أنصار الله الحوثية عملياتها في البحر الأحمر بدعوى إسناد الشعب الفلسطيني على خلفية وقف الاحتلال الإسرائيلي إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ولجوئه لسلاح التجويع لتركيع الشعب الفلسطيني وإخضاع المفاوض الفلسطيني، وهي عمليات. وتزامن ذلك مع ارتفاع منسوب التوتر بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ودول المنطقة، وكان آخرها إيران بعيد فرضه مزيدًا من العقوبات عليها في محاولة لإجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات لصياغة اتفاق نووي جديد يقفز على ما تم الاتفاق عليه في العام 2015 فيما عُرف باتفاق دول (5+1). فالدبلوماسية الأمريكية كانت متعثرة، سواء في قطاع غزة بعد أن اقتربت صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار من الوصول إلى طريق مسدود بفعل سياسة التعطيل التي يتبعها نتنياهو، وبفعل الممانعة الإيرانية المدعومة من الصين وروسيا لدعوات أمريكا لإعادة التفاوض حول ملفها النووي.


العمليات العسكرية الأمريكية بهذا المعنى جاءت كمحاولة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لكسر الجمود الدبلوماسي في المنطقة، بالذهاب نحو تصعيد محدود على أمل ممارسة الضغوط على الأطراف الإقليمية، وفي الآن ذاته استرضاء الكيان الإسرائيلي للانتقال إلى المرحلة الثانية من مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لذلك لا يتوقع أن تأتي هذه العمليات بجديد من الناحية العسكرية ولا يتوقع أن تكسر الجمود الدبلوماسي كونها تمثل مخاطرة قد تنزلق إلى حرب أوسع زمانياً ومكانياً لا يرغب بها ترامب. استهداف منظومات الدفاع الجوي لأنصار الله واستهداف مقرات حركة أنصار الله وأماكن تواجد قياداتها، لا يمثل نقلة نوعية في العمليات العسكرية، فالحكم على العمليات وفاعليتها لا يزال مبكراً خصوصاً أن الولايات المتحدة أعلنت بأن العمليات العسكرية يمكن أن تستمر لأيام، أو أسابيع، ما يعني أن المدى الزمني لم يحدد من قبل الإدارة الأمريكية. فالعمليات تعاني من العمى الاستخباري وتعتمد إلى حد كبير على التغذية الراجعة وليس على خطة محكمة، وهي تلوح بإمكانية تطوير الهجوم مستقبلاً بإشراك قوى محلية يمينية، الأمر الذي لا يبدو أنه سيتحقق في ظل تحفظ المملكة العربية السعودية التي أكدت بأنه لم تقدم أي شكل من أشكال الدعم اللوجستي للهجمات الأمريكية الجوية، وفي ظل رفض موسكو على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف العملية العسكرية، فغياب تعاون موسكوفي اليمن مع واشنطن يمكن ان يضع الهجمات و القطع البحرية الامريكية على المحك ، خصوصا ان لافروف رفض التعاون في الملف النووي الايراني بانضمامه الى الصين في اجتماع ثلاثي مع ايران في بكين الاسبوع الفائت . فالعملية ستبقى محدودة ما دامت القدرات الاستخباراية الامريكية و السبرانية تعادل صفر فاعلية في وديان اليمن وجبالها.


فموسكو على لسان لافروف تفضل الحوار و اللجوء الى التفاوض كما هي الرياض ، اذ تؤكد بأن الافق العسكري لهذه العمليات محدود ان لم يرافقه عملية تفاوض وحوار، وهي بوابة ترغب موسكو فتحها على مصراعيها لتشمل ايران وفلسطين مستقبلا، فهي ملتزمة بدعم مسار التفاوض مع الحوثيين ما لم يثبت عكس ذلك.
فتعاون موسكو استخباريا و امنيا مع واشنطن ضد الحوثين في اليمن ضمن صفقة معلنة او غير معلنة لتعاون اميركي واسع مع روسيا في اوكرانيا، يتطلب توافق روسي مع الصين حول الملف اليمني اولا، وهو مالم يتم التوافق عليه في لقاء بكين الثلاثي لكل من (روسيا وايران والصين ) على الارجح، والاهم من ذلك ان اثبات فاعلية سيناريو الصفقة الروسية الامريكية المعقدة وعالية الكلفة سياسيا يتوقع ان لاينجح في ثني الحوثيين عن مسارهم العسكري ولن يمنعهم من اغلاق مضيق باب المندب واستهداف الكيان الاسرائيلي.


السيناريو العسكري أمام كل هذه التعقيدات يبقى بلا معنى للرئيس دونالد ترمب إن لم يفضي إلى حسم سريع، وهو امر يصعب تحقيقه أن لم يكن يستحيل أمام التفاصيل المذكورة أعلاه، فالضربات التي مضى عليها أقل من 24 ساعة، لم تفضي إلى شل قدرات الحوثيين العسكرية، ولم تمنعهم من إطلاق صاروخ كرد فعل أولي باتجاه الكيان.


ختاما .. رهان ترمب على عملية عسكرية محدودة تفضي الى مفاوضات مع الحوثيين وإيران في أحسن الاحوال، وإلى فصل بين مسار الملف الفلسطيني واليمني في اسوء الاحوال عبر اجبار انصار الله على وقف عملياتهم في البحر الاحمر ، يشير الى ان افضل ما يمكن ان يتوصل اليه ترمب ما بين هذا وذاك، هو الادعاء بأن ضرباته الحاسمة اجبرت ايران والفلسطينين والحوثيين على الجلوس على طاولة المفاوضات التي سيدفع نحوها عبر مزيد من الوساطات و اللقاءت السرية على الأرجح.

أخبار ذات صلة

0 تعليق