استراتيجية التعريفات الجمركية وتداعياتها

مصدرك 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. عبدالعظيم حنفي*

يبرر ترامب فرض التعريفات الجمركية الشاملة بعدة عوامل، من أهمها أن تلك التعريفات هي استجابة لاختلال التوازن التجاري، فغالباً ما يصف ترامب العجز التجاري بأنه علامة على أن الدول الأخرى تعمل على «تمزيق» الولايات المتحدة، على الرغم من أن معظم خبراء الاقتصاد لا يتفقون معه. فإنهم يقرون بأنه قد تكون هناك حالات تكون فيها الولايات المتحدة في وضع تنافسي غير موات، «لأن الدول الأخرى تجعل من الصعب على المصدرين الأمريكيين بيع المنتجات هناك. ولعقود من الزمان، حاربت الولايات المتحدة لخفض حواجز التجارة الخارجية». ووفقاً لوزارة التجارة تستورد الولايات المتحدة عادة من دول أخرى أكثر مما تبيع في الخارج. في العام الماضي، سجلت الدولة عجزاً تجارياً بلغ 918 مليار دولار. ويشمل ذلك عجزاً قياسياً في السلع بلغ 1.2 تريليون دولار، -والذي تم تعويضه جزئياً بفائض تجاري قدره 293 مليار دولار في الخدمات- يستجيب ترامب لهذا العجز التجاري الأمريكي بحواجز تجارية أعلى في الداخل. يرى خبراء اقتصاديون أن هذا «سيكون تحولاً كبيراً يعكس بعض الإحباط الذي شعرت به الولايات المتحدة على مدى السنوات الخمسة عشرة إلى العشرين الماضية بسبب إحجام بقية العالم عن الانفتاح أكثر». ويقرون بأن الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات منخفضة عادة -بمتوسط 2-3%- مقارنة ب5% في الاتحاد الأوروبي و13-14% في بعض البلدان النامية. كما تشكو الولايات المتحدة من أن دولاً أخرى تستخدم تكتيكات إلى جانب الرسوم الجمركية للحد من الواردات.
ونلاحظ أنه بعد أقل من أسبوع من الموافقة على وقف مؤقت لمدة 30 يوماً للرسوم الجمركية على كندا والمكسيك -في محاولة لانتزاع تنازلات من البلدين بشأن أمن الحدود، وهو من أحد أولوياته- أعلن الرئيس ترامب في 10 فبراير/ شباط رسوماً جمركية شاملة بنسبة 25 في المئة على جميع واردات الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة اعتباراً من 12 مارس/ آذار، «دون استثناءات أو إعفاءات». وتعد كندا أكبر مورد للصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة، حيث تمثل 23 في المئة من واردات الصلب الأمريكية في عام 2024 ونحو 60 في المئة من واردات الألمنيوم الأمريكية. في عام 2023، ذهب ما يقرب من 90 في المئة من صادرات كندا من الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة، وصرح رئيس وزراء كيبيك، المقاطعة التي تقع في قلب صناعة الألمنيوم الكندية، قائلاً إن الولايات المتحدة تعتمد على الصلب والألمنيوم الكنديين. سأل بلاغياً: «هل يفضلون توريد أنفسهم من الصين».
ولم يستبعد ترامب إمكان استثناء أستراليا من هذه الرسوم، لأنّها من الدول القليلة التي تستفيد الولايات المتحدة في علاقتها التجارية معها من فائض في الميزان التجاري. حيث بلغ إجمالي تجارة السلع الأمريكية مع أستراليا ما يقدر بنحو 51.3 مليار دولار في عام 2024. وبلغت صادرات السلع الأمريكية إلى أستراليا في عام 2024 (34.6 مليار دولار)، بزيادة 3.1 في المئة (مليار دولار) عن عام 2023. وبلغ إجمالي واردات السلع الأمريكية من أستراليا 16.7 مليار دولار في عام 2024، بزيادة 4.7 في المئة (745.7 مليون دولار) عن عام 2023. وبلغ فائض تجارة السلع الأمريكية مع أستراليا 17.9 مليار دولار في عام 2024، بزيادة 1.6 في المئة (279.7 مليون دولار) عن عام 2023.
ترى تحليلات عديدة أن استراتيجية التعريفات الجمركية في زمن العولمة لم تسهم أبداً في إنقاذ مؤسسات أو خلق فرص عمل أو القضاء على العجز التجاري. بل على العكس تماماً. فزيادة الضرائب والجمارك في عالم مفتوح يشعل آلية جهنمية يخسر فيها الجميع. فهي تزيد من ثمن المنتجات المستوردة، ما يؤدي إلى التضخم ويؤثر على القوة الشرائية للمستهلكين.

*كاتب وباحث أكاديمي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق