فجوة الذكاء الاصطناعي

مصدرك 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

توهو نوجراها*

يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الصناعات في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك يظل تبنّيه أبطأ بشكل ملحوظ في الجنوب العالمي مقارنة بالشمال. وفي الوقت الذي تقود فيه الدول المتقدمة أبحاث الذكاء الاصطناعي ومهام نشره وتنظيمه، تعاني الكثير من البلدان النامية لمواكبة ذلك. ويمكن أن تؤدي هذه الفجوة، والتي غالباً ما تسمى «فجوة الذكاء الاصطناعي»، إلى توسيع التفاوتات القائمة إن لم يتم معالجتها. ومع ذلك، هناك فرص للجنوب العالمي لتجاوز الحواجز التقليدية وتسريع احتضان التكنولوجيا بطريقة استراتيجية.
ويتطلب الذكاء الاصطناعي بنية تحتية رقمية قوية، بما في ذلك الكهرباء الموثوقة والإنترنت العالي السرعة وقدرات تخزين البيانات. لكنّ كثيراً من مناطق الجنوب العالمي تفتقر الوصول إلى النطاق العريض على نطاق واسع، وتواجه انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي. فعلى سبيل المثال، تتمتع أوروبا وأمريكا الشمالية بإمكانية وصول كبيرة إلى الإنترنت شبه العالمي، فيما يبلغ معدل انتشار الشبكة العنكبوتية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا نحو 37% فقط، وفقاً للاتحاد الدولي للاتصالات.
إضافة إلى ذلك، يعتمد ابتكار الذكاء الاصطناعي على المهنيين المهرة، لكن الجنوب العالمي يعاني نقصاً حاداً في المواهب المرتبطة بعلوم البيانات والتعلم الآلي وهندسة الذكاء الاصطناعي. حيث يهاجر كثير من خبراء القطاع من هذه المناطق إلى الدول المتقدمة بحثاً عن فرص أفضل، ما يؤدي إلى تفاقم ما يسمى هجرة الأدمغة. انظر إلى دول مثل الهند ونيجيريا، اللتين تتمتعان بنظم بيئية واعدة للذكاء الاصطناعي ولكنهما غالباً ما تفقدان أفضل مواهبها لصالح وادي السليكون أو أوروبا أو الصين.
وأيضاً يتطلب الذكاء الاصطناعي استثمارات كبيرة في البحث والتطوير والنشر. ويعمل تمويل القطاع الخاص والمنح الحكومية على تغذية الشركات والأعمال الناشئة في القطاع ضمن مناطق الشمال العالمي. لكن على النقيض من ذلك، يظل رأس المال الاستثماري والتمويل العام للذكاء الاصطناعي في الجنوب نادراً، ما يحد من قدرة المؤسسات ذات الصلة هناك على التوسع والمنافسة دولياً.
ولا تزال الكثير من الصناعات في الجنوب العالمي مترددة في تبني قدرات وحلول الذكاء الاصطناعي بسبب مخاوف التكلفة، وفقدان الوظائف، وعدم فهم إمكانات الثورة التكنولوجية الحالية. وغالباً ما تعتمد القطاعات التقليدية هناك، كالزراعة والتصنيع، على العمالة المنخفضة التكلفة، ما يجعل الأتمتة أقل أولوية. وهو أمرٌ يتناقض تماماً مع استراتيجية الشركات في الشمال.
وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن الجنوب العالمي لديه فرص لتجاوز حواجز تبنّي الذكاء الاصطناعي التقليدية من خلال الاستفادة من استراتيجيات بديلة مصممة خصيصاً لسياقها الفريد.
وهنا يتعين على الحكومات والجهات الفاعلة في القطاع الخاص إعطاء الأولوية لتوسيع نطاق الإنترنت العريض، والاستثمار في مراكز البيانات، وضمان إمدادات الكهرباء المستقرة. كما أن تطوير المواهب المحلية في مجال الذكاء الاصطناعي أمر بالغ الأهمية لضمان استدامة المشروع. وتتمثل إحدى الطرق في تعزيز الوصول إلى منصات التعلم المجانية عبر الإنترنت للذكاء الاصطناعي، والتي توفر دورات تدريبية حول علوم البيانات والتعلم الآلي والتطبيقات الفاعلة.
ولجذب الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، ينبغي للحكومات إنشاء مراكز ابتكار متطورة، وتقديم حوافز ضريبية للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي. كما يمكن أن يؤدي تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في مراكز الأبحاث إلى تعزيز القدرات المحلية. وقد نجحت دول مثل سنغافورة في استخدام الشراكات بين القطاعين العام والخاص لدفع نمو الذكاء الاصطناعي، ويمكن تكييف نماذج مماثلة لاقتصادات بلدان الجنوب العالمي.
إن إنشاء لوائح خاصة بالذكاء الاصطناعي من شأنه أن يوفر للشركات الثقة للاستثمار. حيث تضمن أطر الحوكمة الواضحة نشر الذكاء الاصطناعي المسؤول مع معالجة المخاطر مثل التحيز ومخاوف الخصوصية والنزوح الاقتصادي. وعلى الحكومات التعاون مع المنظمات الدولية لتطوير هياكل حوكمة تتوافق مع أفضل الممارسات العالمية.
ويقدم منتدى الجنوب العالمي للذكاء الاصطناعي القادم في تايلاند فرصة رئيسية للدول لتعزيز التزامها بالتعاون في المجال، ومعالجة تحدياته الإقليمية، ووضع استراتيجيات ملموسة للنمو الشامل. ومن خلال التوافق مع مثل هذه الأحداث العالمية، يمكن لصناع السياسات ضمان بقاء تطوير الذكاء الاصطناعي مستداماً ومفيداً لجميع مفاصل المجتمع.
وفي الوقت نفسه، يجب أن يتماشى تطوير الذكاء الاصطناعي في الجنوب العالمي مع الهياكل الاقتصادية المحلية والتركيبة السكانية للقوى العاملة. وينبغي للحكومات تمويل مراكز ابتكار الذكاء الاصطناعي التي تركز على إنشاء التطبيقات المناسبة للصناعات المحلية، وخاصة في مجالات الزراعة والتكنولوجيا المالية والتصنيع. وعلى هذه المراكز أيضاً استكشاف استراتيجيات لمعالجة مخاوف التوظيف، نظراً لأن الكثير من دول الجنوب العالمي لديها قوى عاملة شابة ومتنامية. فلا يجب استخدام الذكاء الاصطناعي فقط للأتمتة ولكن أيضاً لزيادة العمالة البشرية وتحسين الإنتاجية وخلق فرص اقتصادية جديدة.
صحيح أن الجنوب العالمي يواجه تحديات كبيرة في تبنّي الذكاء الاصطناعي، لكنه يمتلك القدرة على تجاوز مسارات التنمية التقليدية من خلال الاستثمارات الاستراتيجية وتنمية المواهب والتطبيقات المبتكرة. وتحويل القطاع العام باستخدام الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يحسن الكفاءة، ويعزز الشفافية والثقة بين المستثمرين، ويضمن بيئة أكثر قابلية للتنبؤ وملائمةً للأعمال.
ومن خلال تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتوسيع البنية الأساسية الرقمية، وتوفير الحوافز للصناعة، وإعطاء الأولوية للتقنيات الحديثة من أجل التنمية، تستطيع هذه الدول الاستفادة من القوة التحويلية للذكاء الاصطناعي لدفع النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي.

*خبير الأعمال الرقمية والميتافيرس في مؤسسة الاقتصاد التطبيقي والتنظيم في إندونيسيا «مودرن ديبلوماسي»

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق