مغتربون على موائد الإفطار.. حضور رقمي يخفف وحشة الغربة

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان- هاتف على مائدة الإفطار، ومكالمة مرئية مع ابن مغترب، قريب وبعيد في آن واحد، يشارك تفاصيل يومه في غربته. هكذا يسد المغترب فجوة الشوق لعائلته في شهر رمضان المبارك، ويملأ مقعده الفارغ على مائدة الإفطار.اضافة اعلان
في كل عائلة، هناك أبناء يغيبون عن مائدة الإفطار بسبب الغربة، فمنهم من ابتعد طلبا للعلم، وآخرون يسعون لبناء مستقبلهم.
يرافق المغترب شعور الحنين مع قدوم رمضان، ويظل إحساس لمة العائلة ناقصا. لكن اليوم، بفضل التطور التقني، بات بإمكان المغتربين تعويض هذا الشعور بمكالمة فيديو تجعلهم أقرب، وكأنهم يجلسون على المائدة ذاتها، يتناولون الإفطار مع عائلاتهم، ويتشاركون الأجواء الرمضانية رغم المسافات.
 تقريب المسافات بفضل التكنولوجيا
اليوم، نعيش في عالم تحكمه التقنيات الحديثة، حيث قرب التطور التكنولوجي المسافات، وخفف من قسوة الغربة، وجعل المغتربين يعيشون أجواء رمضان مع عائلاتهم، حتى لو كان ذلك عبر شاشات صغيرة.
هذا هو حال محمود (29 عاما)، الذي يقضي رمضان للمرة الثانية بعيدا عن أسرته. يحرص يوميا على التواصل مع عائلته، ليعرف ما الذي يحضرونه على مائدة الإفطار، وليشعر بأجواء رمضان التي اعتاد عليها في بيتهم.
ويعترف محمود بأن الحنين لأجواء رمضان ولمة العائلة على مائدة الإفطار يرافقه في غربته. لكنه يفتقد أكثر ما يميز هذا الشهر بالنسبة له؛ طعام والدته الذي لطالما أحبه. لهذا، يحاول أن يعد إفطاره بالطريقة نفسها التي تطهو بها والدته، ليشعر ولو للحظات بدفء وحميمية المنزل.
ويضيف محمود أن مكالماته اليومية مع والديه تساعده على تخفيف شعور الغربة، فخلالها يتفقد أسرته، ويتشارك معهم تفاصيل أيامهم في الشهر الفضيل، وفي الوقت نفسه يتعلم من والدته كيف يحضر طعامه بنفسه، ليبقى حاضرا بينهم.
أما أمل (27 عاما)، فتجد في مكالمات الفيديو وسيلتها للبقاء قريبة من عائلتها خلال رمضان. تضع هاتفها أمامها على مائدة الإفطار، ليجمعها مع أسرتها حديث وضحكات، وكأنها تجلس بينهم رغم المسافات.
توضح أمل أن هذا الطقس اليومي خفف من قسوة قضاء رمضان بعيدا عن عائلتها بسبب دراستها، مشيرة إلى أن هذا الشهر هو الأصعب في غربتها، إذ يمثل لها العائلة بكل تفاصيله.
-  مكالمات الفيديو تحمل للمغتربين مشاعر دافئة
من جهتها، تؤكد استشارية الصحة النفسية الأسرية والتربوية، حنين البطوش، أن مكالمات الفيديو الرمضانية تحمل للمغتربين مشاعر دافئة، حيث تعزز لديهم الشعور بالانتماء لعائلاتهم، وتجعلهم أكثر يقينا بأن روابطهم العائلية ما تزال قوية رغم البعد. فمجرد رؤية وجوه أحبائهم وسماع أصواتهم يمنحهم إحساسا بالأمان وكأنهم يجلسون معا على مائدة الإفطار ذاتها.
هذه المكالمات تخفف من وطأة الوحدة والعزلة، وتوفر لهم راحة نفسية، إذ تمنحهم فرصة لمشاركة العائلة لحظاتهم الرمضانية، مما يعزز لديهم الشعور بالفرح والسعادة.
ووفق البطوش فإن المكالمات المرئية تترك أثرا نفسيا إيجابيا عميقا في نفوس المغتربين، إذ تعزز لديهم الشعور بالانتماء والتواصل مع عائلاتهم، وتخفف من وطأة الوحدة والحنين إلى الوطن الذي يرافقهم باستمرار. كما تمنحهم هذه المكالمات دعما عاطفيا ضروريا، وتزرع في قلوبهم طاقة إيجابية، تخفف من المشاعر السلبية التي تنتابهم نتيجة الغربة.
وتلفت البطوش إلى أن شهر رمضان يحمل للمغتربين مزيجا من المشاعر المتناقضة، فهم يشتاقون بشدة إلى عائلاتهم وأحبائهم، وتتأجج في ذاكرتهم أجواء رمضان في الوطن، مما يجعلهم أكثر عرضة للشعور بالوحدة والعزلة، خاصة إذا كانوا يعيشون في مجتمعات لا تحتفل بهذا الشهر الكريم.
الحنين يشتد لديهم تجاه الطقوس الرمضانية التي نشأوا عليها، كصلاة التراويح، والموائد الرمضانية العامرة، والتجمعات العائلية التي كانت تضيء ليالي رمضان.
  اختلافات ثقافية تزيد 
من شعورهم بالغربة
ومن جهة أخرى، يشعر الكثير منهم بمسؤولية كبيرة تجاه عائلاتهم، فيحرصون على التواصل المستمر معهم للاطمئنان عليهم، رغم شعورهم العميق بالحزن لعدم قدرتهم على مشاركة هذه اللحظات الثمينة مع أحبائهم.
ترى البطوش أن المشاعر السلبية لدى المغتربين في رمضان قد تتفاقم بسبب تداخل عدة عوامل، أبرزها افتقادهم للدفء العائلي والاجتماعي الذي يميز هذا الشهر في أوطانهم. فالبعد عن الأهل والأصدقاء يمثل جوهر هذه المشاعر، في حين أن الاختلافات الثقافية تزيد من شعورهم بالغربة، حيث يجدون صعوبة في التأقلم مع العادات والتقاليد الرمضانية المختلفة في بلد الإقامة.
وتلفت البطوش إلى أن المغتربين يواجهون تحديات عدة في ممارسة طقوس رمضان، مثل صعوبة  الحصول على الأطعمة الرمضانية التقليدية التي ترتبط بذكرياتهم العائلية. كما أن العيش في مجتمعات لا تحتفل برمضان بنفس الأجواء يزيد من شعورهم بالوحدة والعزلة. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فضغوط العمل أو الدراسة قد تساهم في شعورهم بالإرهاق والإحباط، مما يؤثر على صحتهم النفسية. هذه العوامل مجتمعة قد تزيد من حدة المشاعر السلبية، مما يستدعي من المغتربين اتخاذ خطوات فعالة للتكيف معها والتغلب عليها.
ورغم صعوبة قضاء رمضان بعيدا عن الوطن، يبقى المغتربون متمسكين بالتفاؤل والأمل، متطلعين إلى لحظة يجتمعون فيها مجددا مع أحبائهم. فرمضان في الغربة تجربة مؤثرة ومليئة بالمشاعر المتناقضة، إلا أنها في النهاية تظل فرصة ثمينة للتقرب إلى الله، وتعزيز الإيمان، وتقدير قيمة الوطن والعائلة.
المشاركة في الأنشطة الرمضانية
توضح البطوش أنه للتغلب على المشاعر السلبية خلال شهر رمضان في الغربة، يمكن للمغتربين اتباع عدة خطوات فعالة، تبدأ بالتواصل المنتظم مع الأهل والأصدقاء، حيث يساعد هذا على تقليل الشعور بالوحدة. كما أن المشاركة في الأنشطة الرمضانية التي تنظمها المساجد والمراكز الإسلامية تخلق أجواء من الألفة والمشاركة، مما يعزز الشعور بالانتماء.
كما أن تحضير الأطعمة الرمضانية التقليدية، وتزيين المنزل بالفوانيس والزينة، يعيد إلى المغتربين أجواء رمضان التي اعتادوا عليها في أوطانهم.
إلى ذلك، فإن مشاركة الصور ومقاطع الفيديو تكتسب أهمية خاصة للمغتربين خلال هذا الشهر، فهي بمثابة نافذة تنقل تفاصيل حياتهم في بلاد الغربة إلى عائلاتهم، مما يخلق شعورا بالتقارب والمشاركة رغم المسافات البعيدة.
كما أن هذه اللحظات المصورة تساهم في الحفاظ على الذكريات المشتركة، وتشكيل ألبوم عائلي رمضاني يجمع بين الماضي والحاضر. ولتسهيل هذه المشاركة، يمكن للمغتربين التقاط صور لمائدة الإفطار التي أعدوها، أو لمطاعم تقدم أطعمة رمضانية محلية، إلى جانب مشاركة مقاطع فيديو قصيرة توثق أجواء رمضان في أماكن إقامتهم.
ويمكن أيضا مشاركة صور الزينة الرمضانية التي تزين منازلهم أو الأماكن العامة، بالإضافة إلى توثيق الفعاليات الرمضانية التي يشاركون فيها، مثل صلاة التراويح أو موائد الرحمن. ولتحقيق ذلك، يمكن استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي الشائعة، مثل واتساب، فيسبوك، أو إنستجرام، لمشاركة هذه اللحظات مع العائلة.
تنوه البطوش أنه من خلال استخدام الأدوات والتقنيات الحديثة، يمكن للمغتربين البقاء على اتصال دائم مع عائلاتهم، مما يخفف من شعورهم بالوحدة والحنين إلى الوطن، ويجعل رمضان شهرا مليئا بالدفء والتواصل، رغم بعد المسافات.
-  صورة الأسرة المتماسكة
ومن الجانب التربوي، يوضح الدكتور عايش نوايسة أن الأسرة السليمة تقوم على أسس التربية الصحيحة، التي تعزز التواصل والتراحم الاجتماعي بين أفرادها، حيث يؤدي كل من الأب والأم أدوارهم المطلوبة ويكونون قريبين من أبنائهم، مما يرسخ صورة الأسرة المتماسكة.
ويؤكد نوايسة أن الأسرة تقوم على المودة والتواصل والتراحم، وهذه الروابط لا يمكن أن تنقطع بسبب الحواجز الجغرافية أو البعد، خاصة في شهر رمضان الذي يحمل خصوصية كبيرة لدى المسلمين، إذ تزداد فيه العلاقات الاجتماعية ويقوى الترابط بين الأهل والأصدقاء، كونه شهر خير ورحمة.
وبناء على ذلك، يرى نوايسة أن التواصل بين الأبناء وعائلاتهم يظل حاضرا حتى وإن كانوا مغتربين، مشيرا إلى أن التطور الرقمي سهل عملية التواصل المباشر، وجعلها أكثر توفرا وأقل تكلفة، مما أتاح للمغتربين فرصة البقاء على اتصال دائم مع عائلاتهم، والخروج من عزلة الغربة سواء كانوا في دول عربية أو أجنبية.
ويطلق نوايسة على هذا التواصل اسم "صلة الرحم الرقمية"، حيث يصفه بأنه توظيف إيجابي للتقنيات الحديثة، إذ يمكن من خلال المكالمات المرئية مشاركة العائلة مائدة الإفطار، وتبادل تفاصيل اليوم، مما يعزز الشعور بالترابط العائلي رغم المسافات.
ويضيف أن هذا النوع من التواصل الرقمي يعد من أشكال التراحم الاجتماعي الإيجابي، حيث يمنح المغتربين شعورا دافئا ويخفف من إحساسهم بالبعد والغربة.
ويختتم نوايسة حديثه بالتأكيد على أن الأدوات الرقمية قربت الناس واختصرت المسافات، موضحا أن المغترب الذي نشأ في بيئة أسرية مترابطة لا يستطيع الانفصال عن هذا الواقع، حتى وإن كان لديه أصدقاء وزملاء في العمل، لأن الجو العائلي يبقى الأساس، خاصة لدى الأسر التي تربت على صلة الرحم والتواصل الإيجابي مع أفرادها.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق