يتميز شهر رمضان الفضيل بروحانياته التي ترتفع بنسبة كبيرة لدى المسلمين في شتى بقاع الأرض، ولا تخلو منطقة في بلاد المسلمين من وجود مساجد تصلى فيها صلوات التراويح ويأتي لها الناس من كل مكان.
وهذه السُنّة الجميلة تاريخها يبدأ من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وقد كان المسلمون يؤدونها فرادى، حتى جاء عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجمعهم على قارئ واحد وسُمّيت بالتراويح لوجود استراحة بين كل 4 ركعات.
ومثلها كمثل كل الأمور الحياتية التي من حولنا فقد دخل على التراويح التطور والحداثة، فأصبحت المساجد تتنافس فيما بينها على استضافة قراء ممن يتميزون بعذوبة الصوت في التلاوة، وعرفت أسماؤهم وأصبح للمشهورين منهم «فولورز» يأتون إلى تلك المساجد التي يصلون فيها ويحرصون على الوقوف خلفهم وتسجيل التلاوات وتصويرها فيديو وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي.
نعم أعلم أن في ذلك ثواباً كبيراً لمن ينشر الخير وهو خير عظيم، لكن الذي ألوم عليه بعض المصلين أنهم يهجرون صلاة التراويح في المسجد عندما لا يصلي بهم هذا الشيخ المتميز، فقد كنت أصلي التراويح في أحد المساجد وتعودت على ازدحام المكان وصعوبة إيجاد موقف سيارة، فكنت أحرص على الوصول قبل موعد أذان العشاء.
ولشهرة وحلاوة صوت هذا الإمام فقد كان يتم دعوته للصلاة في مساجد أخرى لبعض الأيام، ومن ثم يعود إلى هذا المسجد، وتم وضع جدول بالأئمة الذين سيؤدون صلاة التراويح، بحيث يعلم المصلون مَن الإمام الذي سيسمعون صوته اليوم، ولاحظت أن الأيام التي لا يكون موجوداً فيها هذا الإمام ذو الصوت الجميل، يكون المسجد شبه خالٍ.. فالمواقف متاحة والناس لا تأتي كعادتها.. فأين هم؟.. هل ذهبوا خلف الإمام في مسجد آخر، أم أنهم فضلوا الصلاة في بيوتهم؟
قد أجد عذراً لبعض المصلين الذين يهيمون في المساجد وراء الأئمة المتميزين في القراءة، وأعذر من يصلون في بيوتهم لأسباب صحية أو ظروف أخرى، لكن اختلاف كثافة الحضور أو انخفاض عدد المصلين في المسجد في أيام معينة يبدو بالنسبة لي محبطاً ومأسوفاً عليه، فهل الذي يصلي التراويح يأتي ليستمع إلى حلاوة الصوت فقط، أم أن المسلم يأتي ليعبد الله ويصلي له وينصت للقرآن -بغضّ النظر عن حلاوة الصوت- ويدعو الله في الأيام العظيمة عسى أن يغفر له ويستجيب دعاءه؟
شهر رمضان يجب أن يكون خالصاً لله، ويسعى المسلم أن يُرضي ربه بشتى الطرق، وصلاة التراويح هي أبرز تلك الوسائل في هذا الشهر الكريم، وإن كانت صلاة التراويح تُرَوّح عن نفس المسلم، فلا تجعلوها صلاة ترفيه، وإلا سنرى بعد سنوات مساجد يُكتب على حساباتها في وسائل التواصل «كامل العدد» لأن أئمتها مشهورون.* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية
0 تعليق