بين دفتين "المرأة في الخطاب القرآني" لفوزية العشماوي

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يكثر الجدل حول تقييم كتاب "المرأة في الخطاب القرآني" لفوزية العشماوي في موقع القراء "Good Reads"، حيث يميل البعض إلى الاعتقاد بأنه ملك الحقيقة المطلقة وماهية النوايا، ففي حين أن هناك من يرى فوزية العشماوي شيطانية النوايا، تتبنى أجندة خفية وتدس السم في العسل، هناك من يراها كما كتبت في مقدمة كتابها، بأنها تسعى ببساطة، وانطلاقًا من قناعاتها، إلى تطوير الخطاب الديني من منظور موضوعي وبرجماتي، ولا أدري حقًا لماذا يجنح البعض إلى استقراء نوايا الآخرين، رغم أننا لن نستطيع مهما اجتهدنا أن نصل لمبلغ العلم الكامل في ذلك، بينما أمرنا بترك إطلاق الأحكام على الناس. كما وأمرنا بالاجتهاد والتفقه والتأمل والتدبر والتساؤل، فلماذا نصادر هذا الحق عن الآخرين؟ ومثلما قال أنيس منصور بتصرف "إن كنت ستتفق مع كل ما تقرأ فالأفضل ألا تقرأ". إنك تقرأ لتستفز في نفسك ملكة النقد والتفكير.

تتمثل نقطة القوة الأساسية في هذا الكتاب في تناوله لفكرة أجدها بديعة، ولا أظن -بحسب اطلاعي -أنه قد تم التطرق إليها من قبل في أمهات الكتب أو الكتب اللاحقة، أو على الأقل ليس بذات الهيئة والتسليط التي هي عليه في الكتاب. ألا وهي دراسة وتسليط الضوء على الحديث الإلهي الموجه إلى النساء تحديدًا. تنطلق الكاتبة من الحديث عن الذكر العام للنساء في القرآن مرورًا بذكرهن كظل للرجل في السور المكية، ثم تنتقل إلى مرحلة توجيه الخطاب المباشر لها في السور المدنية، حيث تُناقش تشريعاتها وحقوقها وتُعالج قضاياها. كما قد أتت بالقصص والأمثلة ما تستأنس وتشد به على يد المرأة المسلمة اليوم حسب قولها، وهو ما أجده موضوعًا وتفصيلًا من الضرورة بمكان أن يكون موجودًا على أرففنا وإصداراتنا في العصر الحالي.

ورغم أن هذا الإنتاج لا يصلح كمدخل للمرأة للتعرف على وضعها في الإسلام ولا يعد مرجعًا في العلم الشرعي في قضايا النساء؛ فهولا يغدو سوى أن يكون اجتهادات شخصية لمحاولة فهم الدين وفتح المجال أمام خطاب العقل، وتمحيص خطاب النقل، والدعوة لإعادة فتح باب الاجتهاد أمام النساء العالمات أوالمفتيات، أسوة بأخواتها عبر التاريخ الإسلامي، وأقتبس هنا ما كتبه إبراهيم الدويري في مقاله (للسخاوي 85 شيخة.. الموقعات عن الله يفتين ويناظرن ويخطبن على المنابر)، -والذي بالمناسبة يستحق القراءة كاملًا-: "وقد ذكر العلامة ابن القيم أن "الذين حُفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول ‏الله (صلى الله عليه وسلم) مائة ونيف وثلاثون نفسا، ما بين رجل وامرأة"، وذكر منهم نحو اثنتين وعشرين مفتية، وهن حسب ترتيب فتاواهن قلة وكثرة: أم المؤمنين عائشة، وأم المؤمنين أم ‏سلمة، وأم عطية، وأم المؤمنين صفية، وأم المؤمنين حفصة، وأم المؤمنين أم حبيبة، وليلى بنت قانف الثقفية، وأسماء بنت ‏أبي بكر، وأم شَريك، والحولاء بنت تويت، وأم الدرداء الكبرى، وعاتكة بنت زيد بن عمرو، ‏وسهلة بنت سهيل، وجويرية أم المؤمنين، وميمونة أم المؤمنين، وفاطمة ‏بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وفاطمة بنت قيس، وزينب بنت أم ‏سلمة، وأم أيمن (الحبشية حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وأم يوسف (حبشية كانت تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم)، والغامدية. ‏والباحث في تاريخ الإفتاء عبر العصور الإسلامية يدرك أن هذا العدد بنسبته المئوية المرتفعة ‏من "الموقعات عن رب السماوات" يعكس مدى حضور المرأة ودورها فقها وإفتاء في العصر ‏النبوي،" وبذلك ندرك أهمية أن تعاد للمرأة مكانتها في الإفتاء، وأضيف على ذلك أهمية رأب الفجوة وتفعيل الحوار بين علماء الدين والمفكرين أمثال الدكتورة فوزية.

مكمن الجدل في الكتاب يتمثل في تبنّي الدكتورة فوزية لفكر متحرر، جعلها تتطرق لموضوعات جدلية وشائكة تخص النساء ورغم أنها ابتدأت بقاعدة مشتركة متينة حيث تناولت مساواة المرأة بالرجل في التكليف والتدين والعبادة والجزاء، ثم أكدت أن التباين بينهما في بعض القضايا عادل ومنصف لصالح المرأة وليس انتقاصًا من شأنها، وقد وُفِّقت في هذه الطروحات، مشكّلة بذلك خطابًا قادرًا على الرد على منتقدي الإسلام. كما أنها قد خصصت فصًلا كاملا عنونته بالافتراءات على المرأة المسلمة، كما وقد كانت في مؤلفها عموما قد قصدت واستهدفت الدفاع عن الإسلام ضد أعدائه.

إلا أن بعض الأجزاء الأخرى في الكتاب يشوبها الضعف والقصور، حيث لم يكن الطرح شاملًا أو مسترسلا، بل جاء إسقاطًا لقناعاتها الشخصية دون تقديم مختلف وجهات النظر في القضايا المطروحة. ولو أنها عرضت الآراء المتعددة وناقشتها بعمق، لربما أعادها ذلك إلى مراجعة بعض أفكارها، أو على الأقل كان سيرفع من جودة الكتاب. كما كان من الممكن أن تتعاون مع مفكرة أخرى ذات توجه متحفظ لتقديم عمل أكثر تكاملًا، ولكننا وجدنا أن إحجامها عن فعل ذلك هو كونها تتبنى قناعة أن التناقض في الآراء هو بوابة الهجوم لمنتقدي الإسلام.

نختتم بأننا لا ندعو إلى مصادرة الفكر، بل إلى نقاشه بموضوعية، ويُحسب للدكتورة فوزية اجتهادها وسعيها للدفاع عن الإسلام وفق رؤيتها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق