سبقك العرب يا بيترسون

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

«العنصرية هي المعتقدات أو السلوكيات التي تعلي من شأن فئة ما، بناء على عناصر موروثة مرتبطة بطبائع الناس أو قدراتهم، وتستند أحيانا إلى لون البشرة، أو اللغة، أو الثقافة، أو العادات، أو المعتقدات، وتصنف المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (جريمة الفصل العنصري) ضمن الجرائم على الإنسانية التي تخضع لولايتها القانونية. وتعرفها بأنها أية أفعال غير إنسانية ترتكب فـي سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام». وذلك وفقا لموسوعة شبكة الجزيرة الإعلامية.

«عند الشدائد تظهر معادن الرجال»، لطالما مثلت هذه العبارة إحدى المعايير التي يُرجَع إليها عند الشدائد والاضطرابات والأحوال الصعبة الهائلة. ولطالما مثل العلماء ميزانا مختلفا عن الميزان العام الذي تحتكم إليه الدول والعسكر، فهم منحازون إلى الحق لا الحقيقة، وإلى الإنسان -كل إنسان- دون اعتبارات تراتبية أو مقاييس اجتماعية. فكل نفس ثمينة ولها قيمتها وقدسيتها أكانت نفس الفقير الضعيف، أو الجاهل الحائر، أو الغني القوي، والعالِم المستبصر؛ كل هؤلاء متساوون فـي قدسية النفس الإنسانية وحفظها من التلف المقصود المتعمد، وإلا فإن تلفها العارض حاصل لا محالة.

يقرأ البعض الوقوف بوجه السلطة على إطلاق ذلك الوقف أنه النضال السليم الذي ينبغي أن يدعم ويناصر، بينما يرى آخرون بأن الوقوف فـي وجه المظالم وحدها هي ما يستحق الدعم والمناصرة. وينسى المرء وهو يسمّي الأشياء والناس أو يسمها، بأنهم بشر مثله. فالسلطة مجموعة من الناس فـي بيئة ما، وهم من تلك البيئة ومن تربتها، ولا تخلو تربة من الحشائش الضارة والأشجار المثمرة، جنبا إلى جنب وفـي بقعة واحدة وتمتحان من معين واحد. بالنسبة إلي، أرى أن العلماء الحقيقيين هم ميزان العقل فـي الدول، فهم من يحفظون الأرواح ويراعون مصالح الناس؛ لأنهم يرون الآتي والمستقبل بعين البصير الذي يرى آثار الفعل قبل الفعل نفسه. ولكن العلماء كونهم من الناس وأطباعهم طباع الناس أيضا، فهم معرضون للفساد واتباع الهوى والمصلحة والمنفعة، فلماذا يُصدم الناس من علماء ولا يصدمون من آخرين فـي منزلة العلم ذاتها؟ إن الصدمة تكون على قدر التوقع والآمال، فمتى رأينا جراحا فـي القلب، فإننا لا نتوقع منه أن يقطع شريان امرئ وفقا لعمره أو دينه أو لونه. ومتى رأينا عالما فـي النفس، فإننا لا نتوقع منه إلا أن يكون البصير العارف بكوامن النفس، وتأثير الخطاب على الأفراد والمجتمعات والسياسيين أنفسهم. ولأن الحروب تكشف المؤثرين وتصدم الناس بهم، فقد سقطت أهلية كثير من العلماء والفلاسفة والمفكرين بسبب عنصريتهم، وتعرضت أطروحاتهم وآثارهم للنقد بعد النقد والتمحيص فوق التمحيص، لأنها لا تخلو من تحيّز لا يصلح معه أن يؤخذ كلامهم على عواهنه، رغم معرفة الجميع بعلمهم.

يمثل عالم النفس الكندي علامة فارقة فـي علم النفس الحديث، فهو العالم النفساني الأبرز والأكثر شهرة وتأثيرا على الناس وعلى المؤثرين والفاعلين فـي أنحاء العالم كله، وقد كانت الصدمة التي تسبب بها بعد تغريدته الشهيرة عبر منصة إكس -تويتر سابقا- وحضه نتنياهو على إبادة الفلسطينيين؛ ما يجعل الإنسان يصاب بالذهول من ذلك العالم!. فكيف لعالم نفساني مثله أن لا يقدر قيمة الحياة والنفس الإنسانية وقدسيتها!، فهذا مما لا سبيل إلى معرفته وفهمه. وبعد تلك التغريدة، عاد الكثير من القراء إلى كتبه وأطروحاته التي كانت قبل التغريدة تمثل ما يمكن أن يُقال عنه بأنه علم نافع محض، فوجدوا مواطن العنصرية كامنة فـي التفاصيل الصغيرة، وهو ما أدى به بعد ذلك إلى التصريح بعنصريته وتقديمها فـي لباس تبدو معها فـيه وكأنها شيء مباح وجميل!. مما حدا بي إلى الكتابة عن هذا، هو مراجعتي لإحدى محاضراته فـي علم النفس، وكم هو عجيب أن يذكر مثالا فـي كلامه قد سبقه إليه المتنبي قبل قرون طويلة وأحقاب متعاقبة!، والجميل فـي الأمر أنه رد عليه وعلى عنصريته التي ترى فـي العرب والمسلمين عبئا على البشرية ومصدر استهلاك لا إنتاج. أما قوله الذي يكاد يكون اقتباسا من المتنبي فهو المتمثل فـي قول أحمد بن الحسين:

وما يَنفعُ الأُسْدَ الحياءُ من الطّوى

ولا تُتّقى حتى تكونَ ضَوارِيا

وأما عن بيترسون وغيره ممن يشابهونه فـي عدم احترامهم للعلم بعنصريتهم أو بمخالفتهم لأخلاقيات العلم والمبادئ الإنسانية، واعتمادهم على التورية فـي سبيل صناعة العقول وصقلها بما يتماشى مع القوى التي تدعمهم، فهم منكشفون لا محالة، فهم كما قال زهير:

وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ

وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق