لا تعبس فلن تكون في مقام أرفع

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أ.د. فراس محمد


وصلت إلى موظف الجوازات في المطار، فألقيت عليه التحية فكان الرد نظرة جامدة ووجهاً عابساً، كأنني كسرت بروتوكولاً في التعامل مع شخصية ذات مستوى أرفع من أن تلقى عليه التحية، أو في حالة أخرى رد التحية بطريقة المحرج الذي وضع في موقف لا يرغب فيه لكن ما حصل قد حصل، فرد رداً بارداً بوجه عابس، وكأنني قضيت على شارلوك هولمز الصغير الذي بداخله، فالتحية وردها ستقلّل كفاءة المحقق الذي ربما سيبدأ مهامه معي بعد لحظات، ما حصل يتكرر معي ومع غيري في أغلب المطارات العربية والأجنبية، بل يتجاوز ذلك إلى المؤسسات الأخرى، وبعض الأشخاص في الشارع، وكأن الابتسامة في وجوه الآخرين ستتسبب بإلغاء اتفاقية الضمان المطبقة على السلع، وهنا تتذكر المقولة التي تنسب إلى كونفوشيوس: «إذا لم تستطع الابتسامة، فلا تفتح محلاً».

للأسف كثير من الناس يعيشون في المجتمع بصورة البائع العابس، وهؤلاء في كل مكان، في العمل والطريق وحتى في البيت، يجيب على الأسئلة كما يجيب الروبوت، حتى لو كان السؤال للاطمئنان عن أحواله، سيعتبر ذلك خرقاً لحساباته الإلكترونية والمصرفية، الابتسامة لديه علامة ضعف وسذاجة يجب أن يحذر من التعامل بها، فهي تهديد حقيقي لمكانته المجتمعية وهيبته ووقاره، اللطف في التعامل أحد أثقل الأعباء التي يواجهها، بعضهم يتجنّب اللطف حتى في التعامل مع أبنائه، فالتربية لديه يجب أن تتم في معسكر ضبط، وهي تلك المعسكرات التي يرسل إليها العسكر لتنفيذ عقوبة عسكرية، وبعكس ذلك سيفقد السلطة الأبوية وسينهار مشروع التربية، حتى في العالم الافتراضي عبر الإنترنت لا يعرف هؤلاء الابتسامة واللطف في التعامل فمنشوراتهم أو تعليقاتهم عبارة عن شرارة حرب صغيرة، سلوكيات كفيلة بإفساد يومك، والأمر ليس بعيداً عن كثير من السياسيين، فالابتسامة لديهم نذير بمنح الجمهور الأمل، والأمل قد يزيد من التوقعات والتوقعات ستطالبهم بنتائج، وهذه مشكلة في حد ذاتها، الحقيقة أن بعض الناس يعتبرون اللطف والتبسم في وجوه الآخرين نوعاً من التخلي عن الجدية أو أنها تعطي المقابل انطباعاً أن المبتسم خالٍ من الهموم، أو أنه يخفي شيئاً خلف ابتسامته، مع أن هناك مجتمعات كثيرة في العالم تعد التبسم في وجوه الآخرين والتلطف معهم من أساسيات الحياة اليومية، وأنها ضرورة اجتماعية.

من يعيش بين البشر عليه أن يُظهر أدنى درجات الود معهم، والابتسامة ليست مجرد تعابير نضيفها على الوجه إنما هي إعلان لحسن النية، فلا تكن ذلك الشخص الذي يعبس بوجوه الآخرين ويضيق عليهم نفوسهم، ومقولة إذا لم تستطع الابتسامة فلا تفتح محلاً، ليست حكراً على التجار، فمن لا يستطيع التبسم لا يفتح محلاً ولا يصبح أباً ولا زوجاً ولا صديقاً، ولا يقرب العالم الافتراضي ولا يعمل في السياسة، وعليه أن يبتعد عن الناس حتى يتلطف، ابتسم فالابتسامة ضرورة وليست خياراً.

* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق