غزة في رمضان.. سحور دامٍ وعودة لمسلسل الإبادة

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

هيفاء عدوان


كان يُفترض أن يكون السحور في غزة، كأي مدينة أخرى في العالم، لحظة سكينة واستعداد ليوم جديد من الصيام، لكن في صبيحة الثامن عشر من رمضان، كان المشهد مختلفاً تماماً.

لم يكن الأذان وحده هو الذي صدح في أرجاء القطاع، بل سبقه أزيز الطائرات وأصوات الانفجارات، ليعلن الاحتلال عن عودته الدامية إلى مشهد لم يغب مطلقاً عن الذاكرة الفلسطينية، وإن خفّت حدته قليلاً تحت وطأة هدنة، أقل ما يمكن أن توصف به بأنها «هشة»، فلم تكن سوى استراحة قصيرة قبل جولة جديدة من العنف.

صبيحة اليوم الثامن عشر من رمضان؛ لم يكن الاحتلال بحاجة إلى مبررات جديدة ليعاود حرب الإبادة على كل شيء في غزة، فقد كان الضوء الأخضر الأمريكي كافياً ليعيد السيناريو ذاته؛ صواريخ تمزّق ما تبقّى من بيوت النازحين العائدين حديثاً إلى أنقاض منازلهم، قنابل تستهدف التجمّعات السكنية، ورصاص يخترق كل شيء، بما فيها أكثر اللحظات قدسية في هذا الشهر الفضيل، عائلات بأكملها، بأطفالها ونسائها وشيوخها، مُحيت من السجلات، فيما الناجون يبحثون وسط الركام عن بقية حياة سرقت منهم على حين غرّة.

لم يكن أحد في غزة يظن أن الهدنة ستدوم طويلاً، لكنها على الأقل منحت النازحين فرصة للعودة إلى ما تبقّى من منازلهم، كما منحت الأسرى حلماً ضئيلاً بالحرية، والمرضى لشحنة دواء تأخرت كثيراً.

هدنة الحرب في غزة لم تكن سوى مجرد هدنة بالحدود الدنيا، أديرت بمعادلات المصالح الدولية أكثر مما راعت حق الفلسطينيين في الحياة، وحين قررت آلة الحرب العودة، لم يكن هناك مانع، لا من واشنطن، ولا من عواصم القرار الأخرى التي تكتفي، في أحسن الأحوال، ببيانات باهتة تُعيد سرد الأسطوانة المشروخة عن «القلق العميق» و«الدعوة لضبط النفس» و»ضرورة العودة للمفاوضات».. وغيرها من العناوين التي تحولت مع الوقت إلى مادة للسخرية في ظل السوداوية القائمة.

رمضان في غزة ليس كأي رمضان؛ فهناك لا يدور الحديث عن ازدحام الأسواق بالمشترين أو طقوس الإفطار الجماعي أو حتى الاستعداد لملابس وهدايا العيد، بل عن محاولة البقاء على قيد الحياة.

في غزة لا تُضاء المساجد بزينة الشهر الفضيل وتصدح بأصوات القراء في صلاة التراويح؛ بل تتوهج السماء باللهب القادم من الطائرات الحربية، ليصبح السحور موعداً معتاداً مع الموت، وليس مع الطعام.

وبينما تحصي غزة شهداءها، يبقى السؤال معلقاً؛ كم من الدماء يجب أن تُسفك حتى يدرك العالم أن الفلسطينيين ليسوا مجرد أرقام في تقارير إخبارية؟ وكم من المجازر يجب أن تُرتكب قبل أن ينكسر الصمت المخزي؟

في غزة، الإجابة دائماً تأتي بأشلاء الضحايا، وببيوت تُهدم فوق ساكنيها، وبأطفال لم تُكتب لهم الفرصة ليكبروا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق