ولدينا.. "ثعالب بشرية"!

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

فيصل الشيخ


طوال قرون وعقود وأجيال متعاقبة، احتفظ الثعلب برمزية لا تنفصل عنه، فهو الموصوف دائماً بالدهاء والمكر والخبث واللؤم، وعليه عرف بأنه «الثعلب المكار»!

يقال ويتردد بين الناس بأن فلاناً «مكار» كالثعلب، أو بأن علاناً «يراوغ ويكر ويفر» كالثعلب. واشتهرت المقولة التالية: «يعطيك من طرف اللسان حلاوة، ويروغ منك كما يروغ الثعلب»!، وفي كل هذه الأقوال وغيرها الإشارة هنا للمكر والخداع وأنها من صفات الثعالب.

ومن باب المسؤولية الأدبية تجاه الثعلب كمخلوق، لابد من محاولة تبرئة الثعلب من التهمة الملقاة عليه من قِبل البشر، خاصة أولئك البشر يقومون هم أنفسهم بأشنع أنواع الدهاء والمكر والخبث، ومن ثم يبحثون عن مخلوق آخر ليحولوه إلى «شماعة»، ويلصقوا به الصفات، بينما هم أبلغ وأعظم من ينفذ طقوسها بامتياز.

انتصاراً للثعالب، قُرنت صفتا المكر والدهاء به في كثير من الحكايات الشعبية وعلى امتداد ثقافات عالمية عديدة، والسبب يعود لسلوكه في الحياة البرية، وتحديداً لحذره وذكائه في عملية البحث عن الغذاء إضافة لدهائه في عملية الهروب من الأعداء. ويعرف الثعلب بأنه من أذكى الكائنات في تفادي الأفخاخ والهروب من مطاردة الحيوانات المفترسة. وعزز عملية إلصاق هذه الصفات في الثعلب مظهره الخارجي وملامحه، إذ يتميز بعيون لامعة، وتقاسيم وجه تظهره وكأنه يبتسم ابتسامة صفراء خفيفة، وكأنك تنظر لشخص ذي ملامح تظهره يفكر بعمق ويخطط بدهاء.

عموماً، من تتأتى له الفرصة ليربي ثعلباً في منزله، سيكتشف كثيراً من الصفات فيه، وستتغير نظرته عن موضوع الدهاء والمكر والخبث، إذ العملية كلها ترتبط بمسألة الحذر وتجنب المخاطر.

لكن المصيبة حينما تضطر أن تتعامل مع «ثعلب بشري»، وهنا قصة أخرى، تأخذنا إلى أبعاد خطيرة جداً.

مثلما لدينا «شياطين» على هيئة بشر، لدينا «ثعالب» على هيئة بشر، والإسقاط هنا مقرون بالسلوكيات إياها، أي المكر والخداع والدهاء، بفارق أن هذا النوع من الثعالب يمكنه التحدث والتعامل مع الآخرين والتلون وارتداء أقنعة مختلفة بحسب المواقف والمصلحة، وكثير منهم يمتلك قدرة خارقة على «تخدير الأسماع»، أي مثلما قيل، يعطيك من طرف اللسان حلاوة، أي تطرب آذانك لما يقول، ويصدق عقلك ما يدعيه، وتمضي عيناك لتعجب بما يظهره أمامك، بينما في الحقيقة هو «مراوغ وماكر»، والنتيجة «يروغ منك»، مثلما يروغ الثعلب من مطارديه.

البعض يظنها «شطارة»، أو يصفها بأنها عملية «تسويق» لشخصية «مرنة»، يمكنها أن تتماشى مع جميع الأمزجة، وتتكيف مع كافة الظروف، بحيث يكون لكل مقام شخصية، ولكل موقف وجه، ولكل شخص تتعامل معه أسلوب. وهنا أرجو الانتباه، إذ لسنا نتحدث عن أساليب معنية بالتعامل مع الشخصيات المختلفة التي نصادفها يومياً، بل نتحدث عن عملية «تلون وتزييف» في الشخصيات، والمسعى وراء ذلك تحقيق غايات ومكاسب بمعزل عن التمسك بأية قيم أو مبادئ.

لأبسّط المسألة أكثر، إذ في أوساطكم المهنية، كم شخصاً يمكنكم وصفه بـ«ثعلب بشري»؟!

هم شخصيات تكتشف بسهولة، لكنك تحتاج لمواقف قادرة على بيان «المعدن الحقيقي»، وتنسحب المسألة أيضاً على العلاقات مع الأشخاص في الأوساط الاجتماعية وفي العوائل. وهنا لست أبالغ إن قلت، بأن لكل شخص منا تجربة حصلت مع «ثعلب بشري».يقرأ بعضكم هذه السطور وقد يقول: «بالفعل، لقد تصادف وأن تعاملت مع ثعالب بشرية»! لكنني أدعو كل شخص ليسأل نفسه في المقابل: «هل كنت ذات يوم، ثعلباً بشرياً؟!».

ما أعنيه بأن البعض يتحول بحسب مقاصده لممارسة هذه السلوكيات، والتي يمكن اعتبارها سمات لـ«المنافقين»، والمؤسف بأن البعض يقوم بها بـ«حسن نوايا»، والمقصد هنا ليس سعيه للإضرار بالآخرين، بل فقط السعي لـ»التجمل» والظهور بصورة «تبهر» الناظرين، بيد أن الكارثة أنها صورة «غير حقيقية»، بالتالي حتى حسن النوايا هذا يتحول لعملية «خداع» مبنية على الدهاء.النصيحة هنا: لا تكن ثعلباً في تمثلك بالمكر والدهاء والخبث بحيث تضر وتخدع الآخرين. وتذكّر دائماً، بأن هناك الأقوى من «الثعالب».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق