مساء السبت الماضي زرت معرض الشركات الطلابية 2025 الذي نظمته مؤسسة إنجاز عُمان غير الربحية، حيث تجولت بين الأركان المشاركة وشاهدت عن قرب الجهود الكبيرة التي يبذلها الشباب العماني في مجالات الابتكار وريادة الأعمال، وقد لفت انتباهي حجم الإبداع الذي تجسده هذه المشاريع التي لم تكن مجرد أفكار عابرة بل تجسد طموحًا حقيقيًّا ورغبة صادقة في تحقيق النجاح وبناء مستقبل يعتمد على الكفاءة والتميز، فقد رأيت أفكارًا خلاقة ومشاريع تتجاوز حدود المألوف في مجالات متنوعة من التقنية إلى البيئة والطاقة والصناعة وريادة الأعمال، وكلها مشاريع تعكس مدى وعي الشباب بأهمية الابتكار كوسيلة لمواكبة متطلبات العصر والمساهمة في التنمية المستدامة.
إن ما يقدمه هؤلاء الشباب يستحق الاهتمام والتقدير، فهم لا ينظرون إلى أنفسهم كطلاب فقط بل كرواد أعمال مستقبليين يسعون إلى تحقيق التميز من خلال تطبيق أفكارهم على أرض الواقع وتحويلها إلى مشاريع اقتصادية منتجة، وهذا يتطلب بيئة داعمة تحفزهم على الاستمرار والتطور، حيث إن أحد أهم التحديات التي تواجه الشركات الطلابية هو التمويل والدعم الفني فالكثير من الأفكار الواعدة لا تصل إلى الأسواق بسبب نقص الموارد المالية أو عدم توفر التوجيه المناسب، وهذا ما يستدعي أن يكون هناك منظومة متكاملة تسهم في تمكين هؤلاء الشباب من تحقيق أهدافهم.
إن دعم المبتكرين ورواد الأعمال الطلبة لا يجب أن يكون مجرد مبادرات فردية أو مناسبات موسمية بل يجب أن يكون ضمن رؤية استراتيجية تضع الشباب في قلب التنمية الاقتصادية، فالمؤسسات الحكومية والخاصة تستطيع أن تلعب دورًا محوريًّا في هذا المجال من خلال تقديم الدعم المالي وتوفير الحاضنات التي تساعدهم على تطوير أفكارهم وصقل مهاراتهم وربطهم بشبكات من الخبراء والمستثمرين الذين يمكنهم مساعدتهم في تحويل مشاريعهم إلى نماذج ناجحة وقابلة للتوسع، كما أن الجامعات والكليات يمكن أن تعزز هذا التوجه عبر دمج ريادة الأعمال والابتكار في المناهج التعليمية ليكون الطلاب على دراية بمفاهيم الأعمال والتسويق والإدارة المالية منذ المراحل الأولى لدراستهم.
من الضروري أن تتاح لهؤلاء الشباب الفرصة لعرض أفكارهم والترويج لمنتجاتهم وخدماتهم في منصات أوسع، فالمعارض مثل معرض الشركات الطلابية تمثل فرصة ذهبية، لكنها يجب أن تتبعها خطوات عملية لدعم استمرارية المشاريع، فمن المؤسف أن نرى بعض الشركات الطلابية تختفي بعد فترة قصيرة بسبب قلة الدعم المؤسسي أو غياب استراتيجيات الاستدامة، ولذلك فإن التحدي الحقيقي ليس فقط في توفير الدعم الأولي ولكن في ضمان استمرارية هذه المشاريع ونقلها من مرحلة الفكرة إلى مرحلة الإنتاج الفعلي والتوسع في الأسواق.
إن الاستثمار في الشباب المبتكرين هو استثمار في مستقبل عُمان، فالمجتمعات التي تنهض وتحقق التنمية الحقيقية هي تلك التي تراهن على العقول المبدعة وتمكنها من الوصول إلى أقصى إمكانياتها، وهذا يتطلب تغييرا في الثقافة المجتمعية بحيث ننظر إلى الابتكار وريادة الأعمال كجزء أساسي من الاقتصاد وليس مجرد نشاط طلابي أو تجربة تعليمية.
إن الشباب العماني يمتلك من القدرات والمهارات ما يؤهله للمنافسة على مستوى إقليمي وعالمي لكنه يحتاج إلى مزيد من الدعم والتشجيع ليتمكن من تحقيق أحلامه وتحويل أفكاره إلى مشاريع ناجحة تسهم في دفع عجلة التنمية وتحقيق «رؤية عُمان 2040».
ما شاهدته في معرض الشركات الطلابية يؤكد أن هناك طاقات هائلة تستحق الاهتمام وما نحتاجه اليوم هو أن يكون هناك التزام حقيقي من قبل المؤسسات والأفراد لدعم هؤلاء الشباب ليس فقط بالتمويل بل بالتوجيه والتدريب والتشارك مع رواد الأعمال والخبراء وتوفير البيئة المناسبة التي تضمن لهم النجاح والاستدامة، فالمستقبل يبنى بسواعد المبتكرين ورواد الأعمال الذين يستطيعون إحداث التغيير الحقيقي إذا ما توفرت لهم الأدوات والفرص اللازمة.
0 تعليق